«الخُمس الحوثي» يشعل غضباً يمنياً... والشرعية تقدم شكوى لغريفيث

الجماعة عاقبت السكان بأزمة وقود جديدة للمزايدة بها إنسانياً

سائق ينظر إلى عداد التعبئة بمحطة وقود في صنعاء (رويترز)
سائق ينظر إلى عداد التعبئة بمحطة وقود في صنعاء (رويترز)
TT

«الخُمس الحوثي» يشعل غضباً يمنياً... والشرعية تقدم شكوى لغريفيث

سائق ينظر إلى عداد التعبئة بمحطة وقود في صنعاء (رويترز)
سائق ينظر إلى عداد التعبئة بمحطة وقود في صنعاء (رويترز)

لم يكد الشارع اليمني يفيق من صدمة قيام الجماعة الحوثية بشرعنة لائحة تجيز لها نهب 20 في المائة من أموال اليمنيين وثرواتهم تحت مسمى «الخمس» لمصلحة المنتمين إلى سلالة زعيمها، حتى عاقبتهم بأزمة وقود جديدة للمزايدة بها إنسانياً وتحقيق أرباح مضاعفة من بيع المشتقات النفطية في السوق السوداء.
وفي الوقت الذي أثارت اللائحة الحوثية الخاصة بشرعنة «الخمس» موجة من الغضب المتواصل في أوساط اليمنيين عامة، امتد السخط إلى قيادات موالين للجماعة وصفوا اللائحة بـ«العنصرية».
وفي مسعى للتعبير عن الغضب العارم، طالب الناشطون اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي الحكومة الشرعية والبرلمان بسرعة إقرار قانون يجرم الجماعة الحوثية ويعدها «جماعة إرهابية عنصرية».
وفيما يبدو أن قادة الميليشيات الحوثية يحاولون من خلال افتعال الأزمة إلهاء الشارع الغاضب عن «اللائحة العنصرية» وصرف الأنظار عن موجة السخط التي بدأت تتشكل في صنعاء، أمروا منذ ليل الثلاثاء بإغلاق محطات الوقود في صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لهم.
وبينما أكد لـ«الشرق الأوسط» عاملون في شركة النفط اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء أن كميات الوقود الموجودة في المحطات وفي الخزانات التابعة للشركة تكفي لأسابيع، بررت الجماعة سلوكها التعسفي بتأخر وصول شحنات الوقود إلى ميناء الحديدة.
وعادت على الفور - بعد القرار الانقلابي - طوابير السيارات إلى المحطات بالتزامن مع قيام مسلحي الجماعة بالانتشار لإغلاقها ومنع بيع الكميات الموجودة فيها بمزاعم محاولة ترشيد الاستهلاك وتحديد حصص معينة لكل سيارة.
وأكد السكان في العاصمة أن القرار الحوثي الذي يحرم في صنعاء وحدها أكثر من 3 ملايين شخص من الحصول على الوقود، أعاد الانتعاش مجدداً للسوق السوداء حيث ارتفع سعر بيع المشتقات النفطية في بعض المناطق والأحياء إلى 3 أضعاف السعر السابق.
ومنذ انقلابها تتحكم الجماعة في مناطق سيطرتها بتجارة الوقود، وتبيع المواد بأسعار لا تتوافق مع الأسعار العالمية، بخاصة في ظل الانخفاض العالمي في أسعار النفط، وهو الأمر الذي مكّنها من جنى أرباح ضخمة تتراوح - بحسب تقديرات اقتصادية - بين مليوني دولار و5 ملايين يومياً.
وكان قادة الجماعة أقروا أخيراً لائحة خاصة بهيئة الزكاة التي أنشأوها قبل نحو عامين، نصّت على تخصيص 20 في المائة من ثروات البلاد للمنتمين إلى السلالة الحوثية، باعتبارهم فئة متميزة عن بقية الفئات اليمنية.
وأعطت اللائحة المنتمين إلى السلالة الحوثية الحق في الحصول على خمس مبيعات النفط والغاز والمعادن، وصولاً إلى بيض الدجاج وأسماك البحر ومواد البناء من حجارة ورمل وإسمنت، وانتهاء بمياه الآبار وعسل النحل.
وإذ لم يستثنِ الاستياء في الشارع اليمني أحداً من مناهضي الجماعة، اعترف قادة موالون لها من جهتهم بأن «لائحة الخمس» تنظر إلى اليمنيين وكأنهم «غنيمة حرب»، كما غرّد بذلك القيادي محمد المقالح، وهو عضو فيما تسمى «اللجنة الثورية العليا».
وعلى وقع موجة الغضب المتصاعدة في الشارع اليمني سارعت الحكومة الشرعية للتنديد باللائحة الحوثية، قبل أن تقوم أخيراً بشكل رسمي بتوجيه خطاب إلى مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث تشكو فيه من السلوك العنصري للجماعة الرامي إلى تمزيق وحدة اليمنيين ونسف قيم العدالة والمساواة بين المواطنين.
وذكرت المصادر الرسمية، أمس (الأربعاء)، أن وزير الخارجية محمد الحضرمي بعث خطاباً إلى غريفيث «بشأن قيام ميليشيا الحوثي الانقلابية مؤخراً بإعلان ما أسموه اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة».
وأشار الحضرمي في خطابه إلى أن اللائحة الحوثية تضمنت بنوداً تؤكد الطابع العنصري للجماعة وعدم مراعاتها لظروف المجتمع اليمني ووضعه المعيشي الصعب بسبب الحرب التي تسببت بها وعدم اكتراثها بالكارثة الإنسانية التي أنتجتها.
وبيّن الخطاب الحكومي جملة من المخاطر التي تكتنف العمل بهذه اللائحة، منوهاً إلى أن هذه اللائحة وإن كانت منعدمة الأثر قانونياً، باعتبارها صادرة عن غير ذي صفة، إلا أن لها دلالة سياسية واضحة، مفادها أن الحوثيين غير راغبين في السلام ولا يسعون إليه، كما أنها تؤكد على استمرار الحوثيين في انتهاك حقوق المواطنين في المناطق التي ما زالت خاضعة لسيطرتهم من خلال قوانين ولوائح غير شرعية.
وأوضح الحضرمي، بحسب وكالة «سبأ»، أن هذه اللائحة تحمل دلالات عنصرية وجزءاً من سعي الحوثيين لتمزيق النسيج الاجتماعي في اليمن من خلال فصل فئة بعينها عن المجتمع اليمني بمنحهم امتيازات تستند إلى أسس عنصرية مجرّمة بموجب القوانين الوطنية للجمهورية اليمنية والقوانين الدولية.
واعتبر أن الأثر المباشر لهذه اللائحة هو تحميل الغالبية من المجتمع اليمني وهم البسطاء العاملون في مجال الزراعة والصيد أعباء إضافية، وهو ما يساهم في إرهاق كاهل هذه الشريحة، في ظل أوضاع معيشية صعبة.
وأشار وزير الخارجية اليمني إلى أن هذه اللائحة «تشجع فئة من أبناء الشعب اليمني على الاستمرار في الحرب والعدوان لجني المكاسب والاستيلاء على موارد الدولة الأساسية من النفط والغاز، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري في مناطق مختلفة من اليمن وخاصة مأرب والجوف».
وأكد أن اللائحة الحوثية تؤصل لأفكار قائمة على التفوق العنصري وتحرض على التمييز العرقي، وهو ما يعد جريمة بناء على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وتعتبر الجمهورية اليمنية أحد أطرافها.
ودعا الوزير اليمني منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لاتخاذ موقف حازم وإدانة سعي الحوثيين لتغيير قيم المساواة ومبادئ المواطنة المتساوية التي ضحّى من أجلها الشعب اليمني طويلاً، وأيّد في سبيل ذلك التوجهات الأممية لإنهاء التمييز والعنصرية.
يشار إلى أن الجماعة الحوثية منذ انقلابها على الشرعية أتاحت لأتباعها وكبار قادتها نهب موارد المؤسسات كافة، بما في ذلك الضرائب ورسوم الجمارك والزكاة، وسخّرت أغلب ذلك لمجهودها الحربي.
ويقوم خطاب الجماعة الفكري والعقائدي على فكر الاستعلاء والتميز، إذ تدعي في أدبياتها أن سلالة الحوثي هي المخولة بالحكم بأمر الله، وأن لها حقاً إلهياً كما تزعم في التسلط على اليمنيين.


مقالات ذات صلة

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».