«السيادة والمصلحة» أساس حوار بغداد مع واشنطن

TT

«السيادة والمصلحة» أساس حوار بغداد مع واشنطن

عزّز تحديد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أمس «السيادة وتحديد مصلحة العراق» عنوانين رئيسيين للحوار الاستراتيجي المرتقب مع الولايات المتحدة، النقاش الدائر بين القوى السياسية حول الأولويات المتباينة لهذا الحوار.
ولم تتوقف الكتل والأحزاب منذ أيام عن طرح مواقفها ورؤيتها للشروط والثوابت التي يجب أن تأخذها بغداد بعين الاعتبار في حوارها مع واشنطن المقرر انطلاقه اليوم، وسط تكهنات بأن تكون ملفات الإرهاب والفصائل المسلحة والدعم المالي الأميركي وعمل التحالف الدولي على رأس أولويات المحاور العراقي، باعتبار أن «داعش» ما زال يمثل تهديداً جدياً للأمن.
ويعود التباين الكبير بين القوى السياسية العراقية في شأن الحوار إلى أن غالبيتها تنطلق في مواقفها من واقع مصالحها ورؤيتها وتحالفاتها الخاصة، وليس من واقع معرفتها الدقيقة بتفاصيل الحوار. فرغم الكلام الكثير عن طبيعة الحوار والخطوط العامة التي يفترض أن تحكم أجندته، فإن الغموض ما زال يلفّ كثيراً من تفاصيله وحدوده، نظراً إلى حالة التكتم شبه المتعمد التي اتبعتها الدوائر الرسمية في واشنطن وبغداد بشأن التفاصيل الدقيقة للحوار، وهو ما أثار خصوصاً قلق الفصائل المسلحة المحسوبة على إيران.
وتركز الفصائل المتحالفة مع إيران على مسألة انسحاب القوات الأميركية، وتطبيق قرار مثير للجدل، اتخذه البرلمان في غياب النواب الأكراد والسُنة بعد مقتل قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد، مطلع العام الحالي، يقضي بإنهاء الوجود الأميركي في العراق. وأشار النائب عن كتلة «صادقون» التابعة لـ«عصائب أهل الحق» أحمد الكناني إلى حالة الغموض التي تكتنف الحوار، حين قال في تصريحات صحافية إن «الكاظمي لم يفاتح القوى السياسية بشأن مجريات الحوار مع واشنطن». لكن اتجاهات سياسية أخرى مناوئة للنفوذ الإيراني ترى في الحوار فرصة يجب أن تستثمر لزيادة الدعم الأميركي ومساعدة العراق في أوضاعه الاقتصادية المتردية وتقويض نفوذ إيران وتطويق فصائلها المسلحة ودعم السيادة. وفي سياق مواقف الكتل من الحوار، أصدر «تيار الحكمة الوطني» الذي يتزعمه عمار الحكيم بياناً تضمن مجموعة نقاط حول الحوار، كشف فيه عن رؤيته لما يجب أن يطرحه المحاور العراقي على الجانب الأميركي، ووضع على رأس تلك النقاط «التأكيد على سيادة العراق وتعزيزها على أساس الدستور والهوية الوطنية الناجزة». كما طالب بـ«تكريس مبدأ التوازن في العلاقات الدولية والإقليمية، بما يخدم مصلحة العراق ويسهم في بناء علاقات متكافئة صحيحة تكرّس فاعلية بلدنا بوصفه جزءاً من منظومة علاقات متبادلة، وليس جزيرة معزولة في محيط». وفي إشارة ضمنية إلى الصراع الطاحن بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية، طالب بيان «الحكمة» بـ«إبعاد العلاقات الثنائية عن أي انعكاسات سلبية جانبية يمكن حسابها على أطراف أخرى، وتجنيب العراق أن يكون ساحة لتصفية الحسابات أو طرفاً في أي صراعات بالوكالة». وشدّد على ضرورة التزام القوات الأميركية بـ«المعايير والشروط التي حددتها وتحددها الحكومة العراقية»، لكنه لم يطالب بانسحابها.
وفي المقابل، وضع «تحالف الفتح» الذي يضم غالبية القوى الموالية لإيران، انسحاب القوات الأميركية من العراق على رأس مطالبه، ودعا الوفد المفاوض إلى «ضرورة تنفيذ قرار الإجماع النيابي برحيل القوات الأجنبية». وقال التحالف، في بيان: «نجد لزاماً علينا تذكير السادة؛ رئيس وأعضاء الوفد العراقي المفاوض، الذين نعتقد أنهم يضعون سيادة العراق ومصالحه الوطنية نصب أعينهم، بالإجماع النيابي الذي تجسد في القرار الذي صدر عن مجلس النواب بتاريخ 5 يناير (كانون الثاني) 2020 والذي أكد ضرورة خروج القوات الأجنبية من العراق، وحماية السيادة الوطنية، وعدم التساهل أمام هذه الثوابت الوطنية العليا». وأضاف التحالف أن «تنفيذ قرار الإجماع النيابي برحيل القوات الأجنبية هو هدف استراتيجي يتطلع إليه شعبنا العراقي العزيز الذي قدّم التضحيات الكبيرة دفاعاً عن أرضه وحدوده وسيادته وكرامته وأمنه واستقراره». لكنه لم ينسَ الإشارة إلى أن «إقامة علاقات تعاون وصداقة بين العراق ودول العالم، وفي المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والصحية، قضية تتطلبها وتفرضها المصالح الوطنية العراقية العليا في الانفتاح على العالم».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.