بعد عقدين على غياب الأسد... سوريا من لاعب إلى ملعب

بعد عقدين على غياب الأسد... سوريا من لاعب إلى ملعب
TT

بعد عقدين على غياب الأسد... سوريا من لاعب إلى ملعب

بعد عقدين على غياب الأسد... سوريا من لاعب إلى ملعب

لم يشارك الرئيس فلاديمير بوتين، في جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد قبل عقدين. لكن القوات الروسية باتت، في الذكرى العشرين لرحيله، موجودة في سوريا ومعززة بقواعد عسكرية، يطمح بوتين إلى توسيعها وتعزيزها بـ«إقامة ناعمة» في الاقتصاد والثقافة والسياسة.
حضر الرئيس التركي السابق نجدت سيزر، تشييع الأسد. وها هي قواته تنتشر حالياً في جيوب واسعة في شمال غربي سوريا، وشمالها، وشمالها الشرقي. كما هو الحال مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، حيث إن «الحرس» الإيراني يقيم «دولة ظل» ويدرب وينشئ ميليشيات سورية وغير سورية. أيضاً، الجيش الأميركي موجود بعدته وقواعده في شرق الفرات، بعد عشرين سنة على مشاركة وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت في الجنازة.
وعندما حضر الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، أو وزير الخارجية البريطاني روبن كوك، إلى دمشق، لوداع الأسد، لم يتوقعا أن قوات بلديهما ستكون أيضاً في عداد التحالف الدولي الذي يملك سماء شمال شرقي سوريا، ويمنع الطيران السوري منها. التحالف يدعم في الأرض، حلفاءه من «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تضم «وحدات حماية الشعب» الكردية. هذه «الوحدات» التي تدرب بعض عناصر على أيدي «حزب العمال الكردستاني» وزعيمه عبد الله أوجلان، الذي يقيم في سجن تركيا بعد قرار الأسد فتح الباب له للخروج من سوريا، لتجنب حرب مع تركيا في منتصف 1998.
أيضاً، لم يكن الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، الذي كان آخر من تحدث مع الأسد قبل وفاته، وأول الواصلين للإقامة في دمشق والمشاركة في العزاء، يتخيل أن يتدخل حليفه «حزب الله» في سوريا في 2012 للمساهمة في «إنقاذ النظام»، وتنتشر قواته في مناطق مختلفة من سوريا، ويكون صاحب الكلمة والهامش لـ«الدور السوري في لبنان»، في شكل تصاعدي، بدءاً من مشاركة زعيمه حسن نصر الله في مراسم التشييع في القرداحة في يونيو (حزيران) قبل عقدين.
استعراض قائمة المشاركين في تشييع الرئيس الأسد بعد وفاته في 10 يونيو 2000، تدل على حجم التغيير الذي طرأ في سوريا ودورها. كانت لاعباً إقليمياً، وتتمتع بعلاقات دولية واسعة، تحولت إلى ملعب تتصارع فيه دول إقليمية ودولية. كان «وكلاؤها» وعناصر جيشها وضباطه واستخباراته يقيمون في دول مجاورة وأخرى بعيدة. أما، الآن، فإن «وكلاء» الآخرين وجيوشهم يقيمون في أرضها وجوها.

«التصحيح»
بعدما لعب دوراً في اللجنة العسكرية في حزب «البعث» الحاكم، نفذ بصفته وزيراً للدفاع في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) انقلاباً عسكرياً عُرف بـ«الحركة التصحيحية»، وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي، ووضعه في السجن، ثم أصبح رئيساً في مارس (آذار) في العام اللاحق. وفي 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، خاض مع الرئيس المصري أنور السادات «حرب تشرين» ضد إسرائيل، وقع بعدها بسنة «اتفاق فك الاشتباك» مع إسرائيل في الجولان برعاية أميركية. وفي يونيو، زار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، دمشق، لاستعادة العلاقات الدبلوماسية المجمدة بعد «نكسة حزيران» 1967.
وأول تدخل خارجي مباشر لسوريا، كان في 1976 لدى دخول الجيش السوري في الحرب الأهلية اللبنانية بضوء أخضر أميركي ومباركة سوفياتية. وبعد ذلك بعام، انتشر في معظم الأراضي اللبنانية. بقيت القوات والاستخبارات السورية في لبنان إلى أبريل (نيسان) 2005، لدى خروجها تنفيذاً للقرار 1559 وضغوط دولية هائلة بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري.
وإذا كانت العلاقات مع الجار الجنوبي، الأردن، اتخذت منحى آخر، بعد تسلم الأسد السلطة من «اليسار» في «البعث»، فإن العلاقات مع الجار على الحدود الشرقية كانت أكثر تعقيداً. في عام 1979، اتهم الرئيس العراقي صدام حسين، الذي برز دوره في بغداد، الأسد بـ«التآمر». دخل البلدان، اللذان يحكمها فرعان متنافسان لـ«البعث»، في صراع وتنافس وتآمر. لكن السنوات الأخيرة، من حكم الأسد شهدت عودة العلاقات التجارية بين البلدين بفعل حاجة الطرفين، ثم استئناف العلاقات الدبلوماسية التي قطعت في 1980، بعد دعم دمشق لطهران في الحرب العراقية - الإيرانية.

«التوازن»
مجرد وصول علي الخميني إلى الحكم بعد «الثورة» في طهران في 1979، فتحت صفحة استراتيجية في العلاقات السورية - الإيرانية ستترك أثارها في الشرق الأوسط لعقود. لكن الأسد، كان يوازنها في التسعينات بعلاقات مع «الحضن العربي» والدولتين العربيتين الكبيرتين، السعودية ومصر، وما عرف لاحقاً بـ«الحلف الثلاثي» السوري - السعودي - المصري، الذي شكل ركيزة أساسية للعمل العربي، ووفر خيمة لقرارات وتنسيق في منعطفات أساسية.
وفي فبراير (شباط) 1982، تصدى الأسد لانتفاضة قادها «الإخوان المسلمون» في مدينة حماة، وذهب ضحيتها بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وفي نهاية 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على أثرها إلى مستشفى في دمشق. وقتذاك، حاول شقيقه رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب، قبل أن يستعيد الشقيق الأكبر عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا بتسوية إقليمية دولية. ولا يزال مقيماً في أوروبا، رغم محاولته الانغماس بعد وفاة شقيقه في 2000.

دون غطاء
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي وقعت سوريا معه اتفاقية صداقة وتعاون عام 1980، اتجه الأسد إلى الغرب، وحسن علاقته مع أميركا. هو كان امتنع عن توقيع اتفاق استراتيجي مع «السوفيات» أو إعطائهم قواعد عسكرية دائمة باستثناء ميناء صغير في طرطوس، كي يترك خياراته مفتوحة مع الغرب.
واستفاد من هذا القرار بعد زيارته إلى موسكو في أيامه الأخيرة ولقائه الرئيس السوفياتي الأخير، ميخائيل غورباتشوف، حيث أيقن بانهيار حليفة الأكبر، وضرورة الاتجاه غرباً بحثاً عن غطاء جديد. وفي بداية التسعينات، انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد صدام بعد غزو العراق للكويت. وفي نهاية 1991، شاركت سوريا في افتتاح مؤتمر مدريد لإطلاق المفاوضات العربية - الإسرائيلية.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1994، التقى الرئيس الأميركي بيل كلينتون، الأسد في دمشق التي كان زارها عشرات المرات وزراء خارجية أميركا لتطوير العلاقات الثنائية، وتحريك مفاوضات السلام مع إسرائيل، علماً بأن الأسد كان يلتقي الرؤساء الأميركيين في جنيف. وبعد أربع سنوات، زار الأسد باريس في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من شيراك، الذي لعب دوراً رئيسياً في فتح الباب أمام الأسد أوروبياً.


5 جيوش
قبل وفاة الأسد، كانت القوات السورية في لبنان، ودمشق صاحبة «كلمة السر» فيه. كانت سوريا جزءاً من المحور الثلاثي مع تركيا وإيران للتنسيق ضد إقامة كيان كردي شمال العراق. في الوقت نفسه، كانت ضمن مجموعة «إعلان دمشق» التي تضم السعودية ومصر والدول العربية، و«الحلف الثلاثي» مع السعودية ومصر. كانت فتحت الباب مع صدام، وتركت معارضيه لديها.
كانت سوريا تستضيف المنظمات المعارضة لإسرائيل، وكانت تفاوض إسرائيل برعاية أميركية. وفي نهاية مارس (آذار) عقدت قمة بين الأسد وكلينتون في جنيف في آخر محاولة لإنجاز السلام.
وفي ربيع 1996، كان في دمشق في آن واحد، وزراء الخارجية لخمس دول متناقضة المصالح، الأميركي والروسي والفرنسي والإيراني والاتحاد الأوروبي، لإنجاز «تفاهم نيسان» بعد عملية «عناقيد الغضب» الإسرائيلية في جنوب لبنان.
الآن، سوريا خارج الجامعة العربية. هناك عزلة وعقوبات أميركية وأوروبية. فيها خمسة جيوش، الأميركي والروسي والإيراني والتركي والإسرائيلي (جواً). بعد احتجاجات 2011، نصف الشعب السوري خارج منازله، و690 ألف ضحية، وخسائر اقتصادية بقيمة 530 مليار دولار أميركي، حسب مركز أبحاث. فيها تظاهرات وأزمة غذاء ودواء وماء.
سوريا التي كانت تصارع في خارج حدودها، باتت مسرحاً لصراعات الآخرين. من لاعب إلى ملعب. ربما الشيء الوحيد الذي ارتفع سعره، هو الدولار الأميركي. كان يساوي 44 ليرة قبل عشرين سنة، أصبح الآن 3200 ليرة.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.