الخرطوم تحذر أديس أبابا من الدفع إلى «مرحلة غير التفاوض»

TT

الخرطوم تحذر أديس أبابا من الدفع إلى «مرحلة غير التفاوض»

توقعت وزيرة الخارجية السودانية، أسماء محمد عبد الله، أن تراجع إثيوبيا موقفها من ملء بحيرة سد النهضة في يوليو (تموز) المقبل، إذا واجهت موقفاً قوياً من السودان ومصر بضرورة التوصل إلى اتفاق ثلاثي قبل الشروع في الملء. وقالت عبد الله: «نأمل ألا تدفع إثيوبيا، السودان ومصر إلى مرحلة أخرى غير التفاوض إذا لم تستجب لموقفهما من الملء في يوليو».
وتقدم السودان، يوم الثلاثاء الماضي، بمذكرة لمجلس الأمن الدولي طالبه فيها بتشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى دعم جهود السودان الهادفة لاستئناف التفاوض بحسن نية، وصولاً لاتفاق شامل ومرضٍ لكل الأطراف. وقالت الوزيرة السودانية، في لقاء مشترك في التلفزيون القومي مع وزير الري والموارد المائية، إن السودان يدعو للتفاوض حتى الآن، وإنه ليست هناك طريق أخرى غيره. وأضافت: «من حق إثيوبيا استغلال المياه للتنمية، ولكن يجب أن تلتزم بالقوانين الدولية وإعلان المبادئ الموقعة عليه مع السودان ومصر في الخرطوم في عام 2015»، موضحة أن الرسالة التي بعث بها السودان إلى مجلس الأمن الدولي كانت تهدف إلى توضيح موقف الخرطوم من السد، وأن السودان شريك أصيل في المفاوضات.
وشددت وزيرة الخارجية على العودة للتفاوض بين الدول الثلاث من حيث توقفت، مشيرة إلى أن الخلافات الحالية لا يمكن حلها إلا باستئناف التفاوض، وقطعت بأن ملء بحيرة السد يجب أن يتم بتوافق الدول الثلاث. ورفض السودان في منتصف مايو (أيار) الماضي طلباً إثيوبياً بتوقيع اتفاق جزئي لملء السد في يوليو المقبل، وشدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث وفقاً لمسار واشنطن التي ترعى المفاوضات التي قطعت نحو 90 في المائة من التوصل إلى حل الخلافات المتعلقة بملء بحيرة السد والتشغيل.
ودعت الوزيرة السودانية إلى استمرار جهود الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي اللذين أشرفا على المفاوضات؛ حتى التوصل إلى اتفاق نهائي حول القضايا الخلافية بين الدول الثلاث؛ السودان ومصر وإثيوبيا. وجمدت المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة عقب انسحاب إثيوبيا من اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي. وقالت وزيرة الخارجية السودانية إن السودان ليس وسيطاً في المفاوضات؛ بل شريك أصيل وله موقف واضح، مشيرة إلى أن السودان لديه فوائد ومخاوف من بناء سد النهضة، وشددت على ضرورة إجراء كل الدراسات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، داعية إلى ضرورة أن تتوصل الدول الثلاث إلى اتفاق يستند إلى اتفاق المبادئ الذي نص على الاستخدام السليم والمتساوي للمياه، وألا يحدث ضرر لأي من الدول، وأن يتم الإخطار وتبادل المعلومات بين جميع الأطراف. كما أبدت وزيرة الخارجية السودانية تفاؤلها بالتوصل إلى اتفاق عبر التفاوض، موضحة أن الخلاف ليس كبيراً وأنه يمكن حله.

من جانبه، أجرى رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مباحثات في نهاية مايو الماضي مع رئيسي الوزراء المصري والإثيوبي لتحريك جمود التفاوض، واتفقوا على عودة مفاوضات السد مرة أخرى من خلال تكليف وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا بالعودة إلى طاولة المفاوضات. كما قال وزير الري السوداني ياسر عباس إن إثيوبيا نفذت كل التغييرات المطلوبة لزيادة أمان السد التي قدمت في عام 2013، مشيراً إلى أن درجة الأمان أفضل كثيراً من السدود الأخرى المقامة على نهر النيل، وذلك بسبب الأساس الصخري الذي بني عليه السد، بالإضافة إلى التكنولوجيا المستخدمة في متابعة الانهيار. وأوضح أن الدول الثلاث وافقت على كل النقاط التي طرحها السودان فيما يتعلق بالاتفاق حول التشغيل المستمر من دون أن يؤثر على أهداف السد المتمثلة في التوليد الكهربائي.
وقال الوزير السوداني إن جهوداً كبيرة بذلت للتوصل إلى حل الأزمة، مؤكداً تمسك السودان بموفقه القائم على ضرورة التوصل لاتفاق قبل بدء ملء السد، وشدد على أن السودان يتفاوض على حماية مصالحه الوطنية أولاً، لكن لا يعني ذلك تضرر مصر أو إثيوبيا. وتقول إثيوبيا إن السد الذي تقيمه على بعد 20 كيلومتراً من الحدود السودانية، وانتهت عملية البناء فيه بنسبة 73 في المائة، سيكون أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».