الرقة تخلع سواد «داعش»... صوت نسوي يعلو فوق ذكريات أليمة

قصص نجاح 4 إعلاميات سوريات بعد تحرير المدينة

جوري مطر إعلامية تراسل «وكالة أورنينا» للإنتاج الإعلامي
جوري مطر إعلامية تراسل «وكالة أورنينا» للإنتاج الإعلامي
TT

الرقة تخلع سواد «داعش»... صوت نسوي يعلو فوق ذكريات أليمة

جوري مطر إعلامية تراسل «وكالة أورنينا» للإنتاج الإعلامي
جوري مطر إعلامية تراسل «وكالة أورنينا» للإنتاج الإعلامي

تروي 4 إعلاميات من مدينة الرقة، الواقعة أقصى شمال سوريا، قصصاً وحوادث عشنها أيام سيطرة مسلحي تنظيم داعش على مسقط رأسهن سابقاً؛ مشاهد وصوراً يصعب نسيانها كادت تودي بحياة إحداهن، وتبقي ثانية خلف القضبان، وتحرم الأخريين من حياة طبيعية، حيث لازمن البيوت خشية من تعرض مسلحي التنظيم لهن. أما اليوم، فقد حققنّ نجاحات على الصعيد المهني والشخصي، وأصبحن يعملنّ في مجال الإعلام، ويتلقين التشجيع والتأييد من الأهل والأصدقاء والمحيط الاجتماعي.
بات وجود إعلاميات خلال التغطيات الصحافية في مدينة الرقة أمراً طبيعياً، منهن مصورات يقفنّ خلف عدسات الكاميرات، وأخريات يعملن مراسلات، أو بالمجال الفني والتقني، وتشغيل الإضاءة وتحضير غرف الاستديو، وقد تجاهلنّ التحديات التي يواجهنها في المجال الإعلامي، والوظيفي بشكل عام، والقيود التي تفرضها الأسرة والمجتمع على عمل الفتيات.

شجاعة إعلامية لالتقاط صورة
تروي جوري مطر، البالغة من العمر 25 سنة، وهي إعلامية تعمل مراسلة مع «وكالة أورنينا» للإنتاج الإعلامي، حادثة وقعت معها منتصف 2017، وكيف اعتقلت لمدة 3 أيام بتهمة رفع السلاح في وجه عناصر الحسبة النسائية، وكانت عبارة عن شرطة محلية تتبع تنظيم داعش. والحقيقة أنها كانت تسعى لالتقاط صورة عبر هاتفها الجوال لتوثيق آخر يوميات طرد التنظيم المتطرف من بلدها، إذ قالت: «يومها، تحايلت على عناصر الحسبة بأنني أريد تصوير الشارع الذي أمشي فيه يومياً للذكرى فقط، ولكن مسلحات الحسبة لم يقتنعنّ بالرواية، وقلن للمحقق إنني أشهرت السلاح عليهن». وبعد تحقيقات، والتأكد من صحة الصور المخزنة على هاتفها الجوال، وعدم وجود ما يثير الشك والريبة، قامت شخصية بكفالتها، ودفع غرامة مالية، وأفرج عنها شريطة عدم خروجها من المنزل من دون محرم، وقد كتبت تعهداً على نفسها بذلك.
الحادثة شجعت جوري على أن تصبح إعلامية بعد دحر التنظيم، فالتحقت بدوريات إعلامية، واكتسبت المهارة والخبرة. ولدى حديثها إلى جريدة «الشرق الأوسط»، وبالإجابة عن بداية عملها، قالت: «اختلفت طموحاتي قبل 3 سنوات عن اليوم. سابقاً، كان السواد هو المشهد الذي يتحكم بكل مفاصل الحياة. أما اليوم، فقد كُسرت تلك القيود، وأنا أعمل في مجال مهنة تقدم الخدمات لأهلي ومنطقتي».
وقد عمد عناصر «داعش» إلى بث الرعب والخوف في نفوس كل من عاشوا أيام حكمه التي استمرت قرابة 4 سنوات، والمذيعة سارة سليمان، ذات الثلاثين عاماً، كانت إحدى اللواتي تذكرن تلك اللحظات، وقد أجبرت على مشاهدة الإعدامات الميدانية التي ستبقى محفورة في ذاكرتها طوال حياتها، لتقول: «في إحدى المرات، غمر عناصر التنظيم الأراضي الزراعية بريف الرقة بالمياه، ودفعتني الدهشة لأرفع غطاء عيني، لكن عنصراً كان يراقبني، فبقي الخوف والرعب يتملكني لأيام وأسابيع؛ خفت أن يقطعوا رأسي وقتها».
وتخوض سارة اليوم أول تجربة إذاعية لها، وتعمل مذيعة ومقدمة برامج في إذاعة «بيسان إف إم» التي تبث برامجها منذ أبريل (نيسان) 2018، وقد أعربت عن سعادتها بالعمل في راديو سوري يخاطب الجمهور بلهجة ولكنة محلية فراتية، وعلقت قائلة: «أنا أتحدر من الرقة، والإذاعة رقاوية، والجمهور رقاوي، لذلك كانت لديّ رغبة وطموح إلى العمل الإذاعي لمخاطبة الجمهور، فالتنظيم عمد إلى قمع النساء والفتيات، وحرمهن من جميع حقوقهن».

كسر القوالب
تقول الإعلامية سهام المحمد إنّ الحياة الاجتماعية بمدينتها تغيرت بعد سيطرة مسلحي «داعش»، إذ لازمت الفتيات والنساء المنازل، وأصبح خروجهنّ والتنقل أمراً شبه مستحيل في وجود دوريات الحسبة اللواتي كن يقن بتفتيش النساء، وتوجيه كثير من الأسئلة حول سبب خروجهن من المنزل. تتذكر تلك الأيام، لتقول: «أتذكر والدتي وجاراتنا وقريباتي اللاتي كن يخشين على بناتهنّ، وكانت الكارثة إذا طلب مقاتل من التنظيم يد فتاة للزواج، فرفض الأهل؛ يأخذونها بالقوة، ويكون مصير أهلها أما القتل وإما السجن».
وتعمل سهام حالياً في «راديو الرشيد»، وهي إذاعة محلية تتبع المكتب الإعلامي لمجلس الرقة. ومن خلال مراجعة المواطنين، وتعامل زملائها الموظفين، تلقى استجابة ورضا لديهم، وترى أن الحياة تعود تدريجياً. وقد نقلت أنها لاقت مصاعب في بداية عملها، ذكرت منها: «واجهتني كثير من المصاعب لقلة خبرتي، وكون مجال العمل جديداً علي، وهو يتطلب تطوير مواهبي وتقديم الأفضل. كما لم ألقَ التشجيع والتأييد من محيطي الاجتماعي، لا سيما الأهل والأصدقاء».
وبعد متابعة عملها، وإصرارها وتطوير مهارتها، أثبتت للجميع أنها تستحق الاستمرارية، إذ تضيف قائلة: «أثبت شخصيتي واحترامي لدى زملائي بالعمل، وأنا أشعر بالرضا لأنني أقدم الخدمات لأبناء مدينتي؛ تغيرت النظرة، وأحاول تقديم الأفضل من خلال عملي وأدائي».
وانزلقت سوريا إلى حرب أهلية قبل 9 سنوات تسببت بسقوط مئات الآلاف من القتلى، وأحدثت دماراً هائلاً في البنى التحتية، وتعرضت مدينة الرقة، مسقط رأس الإعلامية حلا محمد، للدمار والخراب جراء العمليات العسكرية أثناء القضاء على تنظيم داعش. وتعمل حلا مصورة في «وكالة أورنينا»، ترصد عبر عدسة كاميراتها مشاهد وآثار الحرب التي لا تزال منقوشة على جدران مدينتها، إذ تقول: «بعد الخلاص من (الدواعش)، عادت ألوان الربيع إلى دوار النعيم وحديقة الرشيد وميدان الساعة. قبل سنوات، كانت هذه المناطق تذكر الأهالي بالموت والقصاص والقتل. أما اليوم، فقد خلعت الرقة سواد التنظيم». فقد عادت الشوارع والحارات إلى سابق عهدها، تعج بالناس والزبائن إثر عودة أصحابها، وتمتلئ المقاهي والساحات العامة، لتقوم حلا بتصوير وتوثيق المشاهد اليومية لسكان يعودون لمنازلهم، وباعة جوالين، قائلة: «أحاول عبر عملي تسليط الكاميرا على التغيير الذي يحدث بالرقة، حتى إن كان هذا التغيير بطيئاً غير منتظم»، وتضيف أنها تشاهد حياة جديدة يومياً: «أرى أناساً رجعوا حديثاً، وهي إشارة إلى أن مدينتي الرقة تستعيد عافيتها، والفرات الذي لم تنقطع مياهه سيعود كما كان».

مبادرات رغم التحديات
ظهرت كثير من الإذاعات والقنوات التلفزيونية والمواقع والصفحات الإخبارية الخاصة في مدينة الرقة، وتبث 5 إذاعات محلية منها برامجها عَبر مواقع الإنترنت وصفحات السوشيال ميديا، أو موجات «إف إم» مخصصة لجمهور مدينتي الرقة ودير الزور ومناطق شرق الفرات.
ونقلت جوري مطر أن كثيراً من التجارب الإعلامية حققت النجاح بالرقة، وبات الإعلاميات يغطين الموضوعات والتحديات النسائية، وانطلقن إلى مهام أوسع، مثل تغيير المفاهيم السائدة بالمجتمع، عبر العمل والتقارير الميدانية التي تعمل على إعدادها. ومن بين أبرز التحديات التي تواجه عملها «نظرة المجتمع السلبية، وعدم تقبل وجود فتاة إعلامية تحمل كاميرا وتتحرك بحرية، لذا تستغرق وقتاً كثيراً بإعداد تقرير، وإجراء مقابلات، لرفض كثيرين الظهور مع فتاة».
أما سارة سليمان، فأكدت أنها، عبر عملها، تلامس هموم ومعاناة أبناء مدينتها. وأشارت إلى أن سكان الرقة قد عانوا من ويلات الحرب، ودفعوا ثمناً كبيراً للخلاص من دم أبنائهم، حيث قالت: «أعمل بإذاعة محلية مجالها وكل عملها هموم الناس ووجعهم، ونحن نحاول أن نكون أقرب منهم من خلال البرامج المنوعة لأننا نفرح لفرحهم ونحزن لأساهم».
وعدت سهام المحمد أن القيود التي تفرضها الأسرة قد انخفضت على الفتيات الراغبات بالعمل بالمجالين الصحافي والإعلامي، وتعزو السبب إلى أنهن «أثبتن نجاحات في هذا القطاع، وغيره من مجالات العمل الوظيفي، رغم ساعات العمل الطويلة، وانعدام الأمان في بعض مجالات التغطية الإعلامية، وضرورات التنقل والسفر أحياناً».
وأكدت حلا محمد أنها اكتسبت خبرة مهنية من خلال عملها في التصوير، وتعلمت استخدام الكاميرا بشكل احترافي، إذ قالت: «العمل ممتع، وتندمج خلاله في الحياة اليومية. فمن خلال التصوير، وإعداد التقارير الخدمية والاجتماعية، وغيرها من التقارير المنوعة، تتحقق لي الفائدة ويضاف الجديد إلى خبرتي المهنية». كما عبرت عن مشاعرها في ختام حديثها، قائلة: «أن تعمل في رصد معاناة أبناء مدينتك لهو شيء يمنحك الرضا. كما أشعر بالحزن بعد تغطية وإعداد تقرير يتحدث عن أوجاعهم لأنني أحاول نقل غضبهم ومطالبهم».
يذكر أن مدينة الرقة تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، وقد خرجت عن سيطرة النظام الحاكم في ربيع 2013، لكن عناصر تنظيم داعش أحكموا قبضتهم عليها نهاية العام نفسه، قبل أن يُطردوا على يد «قوات سوريا الديمقراطية»، بدعم من التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية، في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، ويديرها اليوم مجلس الرقة المدني الذي يعد بمثابة هيئة حكم محلية.



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».