«كورونا» يغرق الصحافة الورقية الأردنية في بحر خسائر

الصحافة الورقية في الأردن تعاني من عزوف المشتركين عن تجديد اشتراكاتهم السنوية (الشرق الأوسط)
الصحافة الورقية في الأردن تعاني من عزوف المشتركين عن تجديد اشتراكاتهم السنوية (الشرق الأوسط)
TT

«كورونا» يغرق الصحافة الورقية الأردنية في بحر خسائر

الصحافة الورقية في الأردن تعاني من عزوف المشتركين عن تجديد اشتراكاتهم السنوية (الشرق الأوسط)
الصحافة الورقية في الأردن تعاني من عزوف المشتركين عن تجديد اشتراكاتهم السنوية (الشرق الأوسط)

تواجه الصحف الورقية الأردنية أزمات مالية خانقة، بعد أن استيقظت على التراجع الكبير في سوق الإعلانات، وعزوف المشتركين عن تجديد اشتراكاتهم السنوية، وتراجع مقروئية الصحف أمام انتشار المواقع الإخبارية قبل أن تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي ثقة المتابعين.
أزمة الصحف الورقية، وإن بدت أزمة سابقة لتداعيات وباء «كورونا المستجد» الذي عطّل القطاعات الاقتصادية، وهو ما صرح به وزير الإعلام الأردني أمجد العضايلة في وقت سابق، إلا أن الصحف تصر على تحميل الحكومات مسؤولية التقصير في دعم قطاع الإعلام بشكل عام، خصوصاً خلال الشهور الثلاثة الماضية، بعد تعطيل صدورها لأكثر من شهرين، بذريعة احتمالات نقل عدوى الفيروس عبر النسخ الورقية.
وبلغت أزمة الصحف الورقية إلى حدود تأخر دفع رواتب العاملين في مؤسسات صحافية كبرى خلال شهري أبريل (نيسان)، ومايو (أيار) من العام الجاري حتى الآن، مع تطبيق قرارات الدفاع المتعلقة بتخفيض رواتب الصحافيين عن تلك الأشهر، ضمن نسب تراوحت بين 30 و50%، وهو ما جرى في المؤسسة الصحافية الأردنية «الرأي» التي تساهم فيها مؤسسة الضمان الاجتماعي حيث يتعذر إلى الآن الإيفاء بتلك الأجور، كما تعذر الإيفاء بأجور ذات الفترة في صحيفة «الدستور» (الشركة الأردنية للصحافة والنشر)، وتساهم أيضاً فيها مؤسسة الضمان الاجتماعي، فيما لجأت صحيفة «الغد» اليومية المستقلة إلى تطبيق قرارات الدفاع بخفض الرواتب للفترة ذاتها مع الالتزام بدفعها.
وأمام محاولات نقابة الصحافيين مع الحكومة الأردنية، إلا أنها لم تصل إلى حلول جذرية، فيما تذهب مؤسسة الضمان الاجتماعي صاحبة الحصة الكبرى في الصحيفتين الأقدم والأوسع انتشاراً: «الرأي» و«الدستور» اليوميتين، إلى التلويح بخيار الدمج والهيكلة لتقليص النفقات، وهو ما يخشاه صحافيون نتيجة مخاوف الاستغناء عن خدماتهم، إذ أكدت مصادر مطلعة أن قوائم يجري حصرها كخطوة أولى لإعادة الهيكلة تستهدف العاملين المتعاونين مع مؤسسات أخرى.
ويتفاعل حراك الصحافيين الأردنيين قبيل موعد إجراء انتخابات مجلس نقابتهم التي تأجلت بفعل قرارات الحظر الشامل ومنع التجمعات، على أنهم يضغطون هذه الفترة لتشكيل قوائم انتخابية تحت شعار «إنقاذ الصحافة الورقية»، أمام تحديات العجز المالي، وتفاقم أزمة التشغيل ودفع الرواتب، خصوصاً في ظل استمرار سباق الإعلام الإلكتروني والتواصل الاجتماعي.
رئيس تحرير يومية «الغد» مكرم الطراونة، يجد أن أزمة الصحف بدأت منذ عام 2011 بعد الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي التي حازت حصة كبيرة من حصص سوق الإعلانات التجارية، خصوصاً أن كلفة الإعلان في تلك المواقع قليلة مقارنةً مع الأسعار في الصحافة الورقية التي تلتزم بتسعيرة محددة.
ويشدد الطراونة على أن اعتماد الصحف الورقية على الإعلانات الحكومية والقضائية بشكل رئيسي، هي نقطة ضعف جوهرية، خصوصاً مع توفر بدائل قد تظهر على الساحة في أي وقت، وذهاب الحكومة لفكرة أتمتة الإعلان الحكومي عبر تطبيقات ذكية أو مواقع إلكترونية مخصصة.
ويطالب رئيس تحرير «الغد»، وهي الصحيفة اليومية التي تأسست في عهد الملك عبد الله بن الحسين، بأن يطوّر الإعلام الورقي نفسه بحيث يوائم بين متطلبات تخفيض كلفة الإنتاج، وتطوير المحتوى على المواقع الإلكترونية التابعة للصحف، ونشر منصات وتطبيقات تعيد لفت انتباه القارئ، حتى تستمر الصحافة الورقية بأداء رسالتها.
من جهتها، ترى عضوة مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين هديل غبّون، أن الحكومة الأردنية «تخلّت» عن الصحافة الورقية في مرحلة أزمة فيروس «كورونا المستجد»، فيما لم تنكر اختلالات إدارية متراكمة في المؤسسات الصحافية وزيادة النفقات خلال السنوات السابقة، في الوقت الذي تراجعت فيه سوق الإعلان التجاري خلال 5 سنوات بنسبة وصلت إلى60%.
وتضيف أن عدم اهتمام الحكومة بهذه المؤسسات في هذه المرحلة تجسد في عدم منحها أيضاً تسهيلات مالية عبر القروض الميسّرة، وفي ظل وجود مؤسسات إعلامية أخرى منافسة تعد أذرعاً رسمية لعدد من مؤسسات الدولة.
وتخشى غبّون التي أعلنت عدم ترشحها لدورة قادمة، من المضي قدماً في خطة إعادة هيكلة الإعلام الرسمي الذي قالت إنه «بدأت تتسرب» أحاديث رسمية عنه، على حساب مئات العاملين في هذه المؤسسات، حيث لا تزال الرؤية غير واضحة بالمطلق لدى الحكومة، فيما أشارت إلى بعض القائمين على المؤسسات الصحافية، وتباين الآراء داخل مجلس النقابة الصحافيين لجهة عدم الرغبة «بمعارضة الحكومة»، الأمر الذي قد يزيد فرص فرض حلول غير مرضية على الجسم الصحافي، على حد قولها.
كانت مصادر رسمية تحدثت إلى «الشرق الأوسط» قد أكدت أن خطة حكومية في طريقها إلى الإعلان تتضمن بناء شبكة إعلام وطني تضم مؤسسات الإعلام الرسمي (التلفزيون الأردني وتلفزيون المملكة ووكالة الأنباء الرسمية) على أن تعاد هيكلة التلفزيون الرسمي الذي يعاني من تضخم في عدد العاملين ضمن إطار زمني سقفه الشهور الأربعة القادمة، دون أن تتضمن تلك الخطة أي محاور تتعلق بدعم الصحف الورقية الرسمية.
يأتي ذلك في وقت تعتزم فيه الحكومة دعم خطة هيكلة ودمج الصحيفتين الأم، «الرأي» و«الدستور»، في موقع واحد، والتخفيض من الكُلف الفنية للإنتاج من خلال تقليص النفقات، ودمج شركات التوزيع، على أن تبقى الحكومة خارج أي اتفاقات مؤسسية، خوفاً من مواجهة مرتقبة مع الجسم الصحافي، الذي بات مهدداً اليوم في مصادر دخله.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».