هالاند... موهبة تذكّر بعبقرية رونالدو وستريلتسوف في عالم كرة القدم

يتمتع بقدر كبير من السرعة والمرونة وقدرة رائعة على جعل اللعبة تبدو سلسة بسيطة للغاية

TT

هالاند... موهبة تذكّر بعبقرية رونالدو وستريلتسوف في عالم كرة القدم

كان النجم النرويجي الشاب إيرلينغ هالاند هو من سجل أول هدف في الدوري الألماني الممتاز بعد استئناف نشاطه، ومن غيره يستطيع أن يفعل ذلك؟ في الحقيقة، لا يوجد أي لاعب آخر في كرة القدم الحديثة يلعب بمثل هذه السهولة التي يلعب بها هالاند، ويبدو أيضاً أنه لا يوجد أي لاعب آخر لديه القدرة على تحويل الكرة من قدميه إلى شباك الفرق المنافسة بهذه البساطة. ولا يوجد أي شخص آخر في الوقت الحالي يجسد المستقبل مثل اللاعب النرويجي الشاب.
الهدف الذي أحرزه هالاند في مرمى شالكه كان يتميز بالسهولة والبساطة، حيث استقبل اللاعب النرويجي الشاب الكرة العرضية من لمسة واحدة، ووضعها في الشباك بشكل جميل. لكن هذا الوصف، رغم صحته، يقلل من جمال وروعة هذا الهدف، حيث انطلق هالاند في توقيت مثالي لكي يتجنب الوقوع في مصيدة التسلل، ونجح في الوصول إلى الكرة قبل المدافع، قبل أن يضع الكرة في الشباك على يمين حارس مرمى شالكه، ماركوس شوبرت، بشكل رائع يعكس تمتع هالاند بقدر كبير من السرعة والمرونة وحسن التصرف والإحساس بالمكان.
ويجب الإشارة إلى أن الميزة الأكبر في هالاند هي تكوينه البدني القوي. لكن في بعض الأحيان قد نرى لاعبين يتألقون، رغم أن بنيانهم الجسدي مختلف تماماً عن هالاند. ففي عام 1954، على سبيل المثال، بدأ الناس يتحدثون عن ظهور مهاجم لامع يبلغ من العمر 16 عاماً في نادي توربيدو موسكو، وهو اللاعب إدوارد ستريلتسوف. وبسبب الطقس شديد البرودة، كان الموسم السوفياتي دائماً ما يبدأ في الجنوب أولاً، لذا كانت مباراة توربيدو الأولى في العاصمة هي المباراة السادسة للفريق خلال الموسم، وهي المباراة التي لعبها الفريق خارج ملعبه أمام لوكوموتيف موسكو. وشهدت هذه المباراة هدفاً رائعاً من جانب ستريلتسوف الذي تسلم الكرة وانطلق بسرعة هائلة، ومر من اثنين من المدافعين، قبل أن يراوغ مدافعاً آخر ويضع الكرة في الشباك. وفي الحقيقة، كان ستريلتسوف، كما وصفه كاتب سيرته الذاتية ألكسندر نيلين، «معجزة في البساطة».
لكن ما حدث بعد ذلك هو أحد أكبر الألغاز في عالم الرياضة السوفياتية، حيث لمع نجم ستريلتسوف بشكل بات يمثل إحراجاً للاتحاد السوفياتي، بقيادة الرئيس الراحل نيكيتا خروتشوف. وقبل 62 عاماً من الآن، اتُهم ستريلتسوف باغتصاب امرأة في إحدى الحفلات في الليلة الأخيرة من معسكر منتخب الاتحاد السوفياتي الذي كان يستعد للمشاركة في نهائيات كأس العالم، وكان معسكر التدريب في مدينة تاراسوفكا، خارج موسكو مباشرة، وأدين ستريلتسوف وقضى في السجن 6 سنوات.
ودائماً ما كانت هذه القصة محور نقاشات كبيرة بين الجمهور والمؤرخين منذ ذلك الحين. وقاد غاري كاسباروف (بطل العالم في الشطرنج الكاتب الناشط السياسي) حملة لتبرئة ساحته، بينما أمضى الباحث أكسيل فارتانيان معظم العقود الثلاثة الماضية في فحص أرشيف الشرطة السرية للاتحاد السوفياتي (كيه جي بي)، في محاولة لمعرفة ما حدث، ونشر كثيراً من المقالات عن المعلومات الجديدة التي توصل إليها.
ومن المفهوم أن المناقشات الحالية تتحدث كثيراً عن نظريات المؤامرة المختلفة المحيطة باتهام ستريلتسوف بالاغتصاب، لكن تلك السنوات الأربع بين أول ظهور له والمشاركة في معسكر إعداد الاتحاد السوفياتي في تاراسوفكا، تكشف كثيراً من الأمور أيضاً. ففي عام 1954، كانت كرة القدم في المراحل الأولى من التطور، فكانت طريقة اللعب التي تعتمد على 4 مدافعين في الخط الخلفي، والمراقبة اللصيقة داخل منطقة الجزاء، قد بدأت تتأصل في البرازيل. وكان المدير الفني فيكتور ماسلوف قد رحل عن نادي توربيدو في الموسم السابق، لكنه عاد مرة أخرى لتولي قيادة الفريق في عام 1957. وفي العقد التالي، كان ماسلوف من المديرين الفنيين الرواد الذين بدأوا يعتمدون على طريقة «4-4-2» مع نادي دينامو كييف. وبدأت تتغير أساسيات اللعبة التي ظلت صامدة على مدار ربع قرن من الزمان. وفي خضم كل هذه المناقشات والنظريات المتعلقة بالخطط الفنية والتكتيكية، ظهر لاعب شاب يبلغ من العمر 16 عاماً يقوم بركل الكرة في المساحات الخالية، ويمر من المدافعين بكل سهولة، ويضع الكرة في المرمى من فوق الحارس بشكل سهل سلس يتحدى كل النظريات الخططية والفنية.
والأمر نفسه يتعلق أيضاً بهالاند. فعندما تشاهده وهو يحرز الهدف الثاني في مرمى باريس سان جيرمان، في فبراير (شباط) الماضي، لا يسعك إلا أن تضحك بسبب بساطة وسهولة ما قام به! وعندما أحرز الظاهرة البرازيلية رونالدو هدفه الشهير في مرمى كومبوستيلا الإسباني في عام 1996، عندما كان يلعب في صفوف برشلونة، أمسك مدربه بوبي روبسون رأسه لأنه لم يكن يصدق أن هناك لاعباً يمكنه أن يجعل اللعبة تبدو بهذه السهولة.
ولا يزال هالاند في التاسعة عشرة من عمره، كما كان رونالدو قد أكمل للتو عامه العشرين عندما أحرز هذه الهدف الرائع. وكان ستريلتسوف في السادسة عشرة من عمره أيضاً عندما بزغ نجمه. وربما يعني ذلك أن اللاعبين الشباب فقط، غير المثقلين بتعقيدات وشكوك الخبرات الطويلة، هم من لديهم هذا القدر الكبير من الوضوح في التعامل مع كرة القدم بهذه البساطة، لأنه من الصعب للغاية على أي لاعب أن يجعل كرة القدم تبدو بهذه السهولة، نظراً لأن ذلك يتناقض مع هو معروف عن هذه اللعبة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إذا كان الأمر بهذه السهولة، فلماذا لا يفعل اللاعبون هذا الأمر طوال الوقت؟ يتعين علينا أن ندرك أن الأمر ليس بهذه السهولة بالتأكيد. لقد سجل هالاند ورونالدو وستريلتسوف هذه الأهداف ليس فقط لأنهم كانوا أقوى وأسرع من المنافسين، ولكن أيضاً بسبب المساحات الواسعة التي كانت موجودة أمامهم، وبسبب قدرتهم على اغتنام الفرص المتاحة، ومعرفة متى يتقدمون بالكرة في المساحات الخالية، ومعرفة كيفية المرور من لاعبي الفرق المنافسة. وفي بعض الأحيان، قد لا يتحلى هؤلاء اللاعبون بهذه الرؤية، وفي أحيان أخرى يكون تصرف اللاعبين داخل الملعب غير صحيح، لكن النقطة الأوسع تتمثل في تصريحات غولد التي قال فيها: لمجرد أنهم يجعلون الأمر يبدو سهلاً، فهذا لا يعني أنهم ليسوا عباقرة.
وربما تجعلنا هذه السهولة نقلل من قدر تلك اللحظات، فبين عامي 1954 و1958، كان ستريلتسوف يتعرض لانتقادات في المباريات التي كان يبدو فيها وكأنه لا يفعل أي شيء على الإطلاق. لقد تحدث المديرون الفنيون عن الوساوس التي كانت تنتابه، وعن الأيام التي كان يشكو فيها من أن ساقيه ثقيلتان، وعن كيف كان يتعين عليهم أن يدفعوه دفعاً إلى داخل الملعب من أجل اللعب. كما كان يشكو من قدميه المسطحتين، واللعب في حرارة الصيف، وكان يشعر بالإحباط عندما لا يقدم الأداء المتوقع منه. وعلاوة على ذلك، كان رونالدو يعاني من أجل أن يرتقي إلى مستوى موهبته وقدراته وإمكانياته، كما أن ما حدث بالضبط قبل المباراة النهائية لكأس العالم عام 1998 أمام فرنسا لا يزال غير واضح.
قد ينظر بعضهم إلى هؤلاء المهاجمين على أنهم أبطال أرسلوا من السماء لإمتاعنا، والقيام بأشياء عظيمة في عالم كرة القدم، لكن لا يجب أن نتوقع منهم التألق دائماً، رغم أنهم يلعبون بهذا القدر الكبير من السلاسة والسهولة، من حيث الأداء البدني والذهني. من المؤكد أن هالاند موهبة رائعة قادرة على جعل كرة القدم تبدو بسيطة للغاية، لكن لا ينبغي لنا أن نعتقد أن الأمر بهذه السهولة، وأنه لا يقوم بمجهود كبير حتى يصل إلى هذه المستوى. ولا يتعين علينا أن نعتقد أن تألقه شيء طبيعي!


مقالات ذات صلة

عجلة الدوري الألماني تعود للدوران بقمة نارية بين دورتموند وليفركوزن

رياضة عالمية لاعبو ليفركوزن أنهوا عام 2024 بشكل قوي ويأملون مواصلة المسيرة بداية من مواجهة دورتموند (ا ف ب)

عجلة الدوري الألماني تعود للدوران بقمة نارية بين دورتموند وليفركوزن

تعود عجلة الدوري الألماني لكرة القدم إلى الدوران من جديد بعد ثلاثة أسابيع من التوقف الشتوي بمواجهة نارية بين بوروسيا دورتموند وضيفه باير ليفركوزن حامل اللقب

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية الحارس دريفيس ممسكاً بالقداحة التي أُلقيت عليه (أ.ب)

الدوري الألماني: اعتبار بوخوم فائزاً بعد إصابة حارسه بقداحة

منحت المحكمة الرياضية التابعة للاتحاد الألماني لكرة القدم بوخوم الفوز 2-صفر في مباراة شهدت إصابة حارسه باتريك دريفيس بقداحة أُلقيت من المدرجات.

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية ساشا ستيغيمان (رويترز)

الإعياء يحرم الحكم ستيغيمان من إدارة أول مباراة لدورتموند

ما زال الحكم الألماني ساشا ستيغيمان يعاني من الإعياء، ولن يتمكَّن من إدارة أول مباراة لبوروسيا دورتموند بدوري الدرجة الأولى الألماني لكرة القدم (بوندسليغا).

«الشرق الأوسط» (دوسلدورف)
رياضة عالمية يرغب بوروسيا دورتموند في تحقيق بداية مظفرة للعام الجديد (أ.ف.ب)

بوندسليغا: دورتموند يسعى إلى تقليص الفارق مع ليفركوزن المتألق

يرغب بوروسيا دورتموند في تحقيق بداية مظفرة للعام الجديد عندما يستضيف باير ليفركوزن حامل اللقب الجمعة مع استئناف دوري الدرجة الأولى الألماني لكرة القدم

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية جمال موسيالا (إ.ب.أ)

شكوك حول مشاركة موسيالا في مواجهة مونشنغلادباخ

تحوم الشكوك حول مشاركة الجناح الدولي جمال موسيالا في مواجهة فريقه، بايرن ميونيخ، ومستضيفه بوروسيا مونشنغلادباخ، السبت، في المرحلة الـ16 من الدوري الألماني.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ )

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
TT

مدرب ميلان: مباراة فينيتسيا لا تقل أهمية عن مواجهة ليفربول أو إنتر

باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)
باولو فونيسكا مدرب أيه سي ميلان (رويترز)

قال باولو فونيسكا مدرب ميلان المنافس في دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم الجمعة، إن الفوز على فينيتسيا بعد ثلاث مباريات دون انتصار هذا الموسم، بنفس أهمية مواجهة ليفربول أو غريمه المحلي إنتر ميلان.

ويتعرض فونيسكا للضغط بعدما حقق ميلان نقطتين فقط في أول ثلاث مباريات، وقد تسوء الأمور؛ إذ يستضيف ليفربول يوم الثلاثاء المقبل في دوري الأبطال قبل مواجهة إنتر الأسبوع المقبل. ولكن الأولوية في الوقت الحالي ستكون لمواجهة فينيتسيا الصاعد حديثاً إلى دوري الأضواء والذي يحتل المركز قبل الأخير بنقطة واحدة غداً (السبت) حينما يسعى الفريق الذي يحتل المركز 14 لتحقيق انتصاره الأول.

وقال فونيسكا في مؤتمر صحافي: «كلها مباريات مهمة، بالأخص في هذا التوقيت. أنا واثق كالمعتاد. من المهم أن نفوز غداً، بعدها سنفكر في مواجهة ليفربول. يجب أن يفوز ميلان دائماً، ليس بمباراة الغد فقط. نظرت في طريقة لعب فينيتسيا، إنه خطير في الهجمات المرتدة».

وتابع: «عانينا أمام بارما (في الخسارة 2-1)، لكن المستوى تحسن كثيراً أمام لاتسيو (في التعادل 2-2). المشكلة كانت تكمن في التنظيم الدفاعي، وعملنا على ذلك. نعرف نقاط قوة فينيتسيا ونحن مستعدون».

وتلقى ميلان ستة أهداف في ثلاث مباريات، كأكثر فرق الدوري استقبالاً للأهداف هذا الموسم، وكان التوقف الدولي بمثابة فرصة ليعمل فونيسكا على تدارك المشكلات الدفاعية.

وقال: «لم يكن الكثير من اللاعبين متاحين لنا خلال التوقف، لكن تسنى لنا العمل مع العديد من المدافعين. عملنا على تصرف الخط الدفاعي وعلى التصرفات الفردية».

وتابع فونيسكا: «يجب علينا تحسين إحصاءاتنا فيما يتعلق باستقبال الأهداف، يجب على الفريق الذي لا يريد استقبال الأهداف الاستحواذ على الكرة بصورة أكبر. نعمل على ذلك، يجب على اللاعبين أن يدركوا أهمية الاحتفاظ بالكرة».