حان وقت الطبيعة

يوم البيئة العالمي يحتفي بالتنوع الحيوي

حان وقت الطبيعة
TT

حان وقت الطبيعة

حان وقت الطبيعة

يوم البيئة العالمي، الذي تحتفل به الأمم المتحدة في الخامس من يونيو (حزيران)، مرَّ هذه السنة بهدوء، وذلك للمرة الأولى منذ إطلاقه عام 1974. يحمل اليوم هذه السنة عنوان حماية التنوع الحيوي تحت شعار «حان وقت الطبيعة»، وكان يُفترض أن تستضيف كولومبيا احتفاله الرئيسي، قبل القرار القسري بتحويله إلى نشاطات إلكترونية. وتأتي هذه المناسبة بعد أسبوعين من اليوم الدولي للتنوع البيولوجي في الثاني والعشرين من مايو (أيار) ، وكان شعاره هذه السنة «حلولنا في الطبيعة»، للتأكيد على أنه لا يمكن للبشر إيجاد حلول لمشكلاتهم إلا إذا عملوا بالتناغم مع النظام الطبيعي لا ضده.
ترتبط سلامة النظام الإيكولوجي بصحة الإنسان ورفاهيته، وتؤثر التغييرات البيئية الناشئة عن النشاط البشري في أعداد الكائنات الحية وتقلل من التنوع الحيوي. وفي كثير من الأحيان، لا تقتصر الأضرار على البيئة والمحيط الحيوي بل تطال عوامل التنمية المحلية، وتوفّر الظروف المناسبة لانتشار الأمراض، لا سيما تلك المنتقلة من الحيوان إلى الإنسان، كما في جائحة فيروس «كورونا» الراهنة.
- الطبيعة في أزمة
في تقريره الذي صدر السنة الماضية، خلص المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية إلى أن «الطبيعة تواجه أزمة»؛ فهي مهدّدة في تنوعها الحيوي وفقدان الموائل، إلى جانب تغيُّر المناخ وانتشار الملوثات السامة.
وفي إطار التصدي لوباء فيروس «كورونا» الجديد، يدعو برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) البشر إلى حماية أنفسهم من التهديدات العالمية المستقبلية، من خلال تطبيق إدارة سليمة للنفايات الطبية والكيميائية الخطرة، واعتماد إدارة قوية للطبيعة والتنوع البيولوجي، مع تبنّي خطط متوازنة للتعافي الاقتصادي، وخلق وظائف خضراء، وتسهيل الانتقال إلى اقتصادات محايدة كربونياً.
ويُعدُّ التنوع الحيوي أمراً بالغ الأهمية للتنمية ورفاهية الإنسان، إذ يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يوازي نحو 44 تريليون دولار، على موارد الطبيعة. وترتبط معيشة 70 في المائة من فقراء العالم بما تنتجه الطبيعة، سواء أكان ذلك عبر الزراعة، أو صيد الأسماك وجمع منتجات الغابات، وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.
ويتأثر الأمن الغذائي العالمي بفقدان التنوع البيولوجي والتصحر والصدمات الناجمة عن تغيُّر المناخ؛ حيث يعاني 821 مليون شخص من نقص التغذية ويواجه مليارا شخص سوء التغذية. وفيما تعتمد ثلاثة أرباع محاصيل العالم على الحشرات من أجل تلقيح الأزهار، فإن أعداد هذه الحشرات، التي تشكّل أساس الأمن الغذائي العالمي، تنهار بسرعة.
كما تعمل النظم البيئية، خاصة الغابات، على تخفيف وطأة التغيُّر المناخي، عبر التقاط وتخزين الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ويمكن للنظم البيئية السليمة والمعافاة أن تساهم بما نسبته 37 في المائة من التخفيف المطلوب في الانبعاثات للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية. وفي المقابل، يؤدي تلف النظم البيئية، كالأراضي التي تحتوي كميات كبيرة من المواد العضوية وأشجار «المنغروف» الشاطئية والغابات المطيرة الاستوائية، إلى إطلاق الكربون بدلاً من تخزينه.
وفيما تساعد النظم الغنية بالأنواع الحية على تلطيف أثر الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف والأمواج العاتية والانهيارات الثلجية وانزلاقات التربة والجفاف، يواجه العالم سنوياً خسائر كبيرة في النظم الطبيعية، إذ تفقد الأرض 13 مليون هكتار من غاباتها، ويطال التصحر 3.6 مليار هكتار.
لقد طال تغيير استخدامات الأراضي بفعل النشاط البشري نحو ثلاثة أرباع سطح الأرض، مما أدى إلى تقييد الحياة البرية ضمن مساحة ضيقة للغاية. وتسبب تدمير الموائل وتغيُّر المناخ والصيد غير الشرعي، وتسلل الأنواع النباتية والحيوانية الغريبة عن البيئة المحلية في تعريض نحو مليون نوع من الحيوانات والنباتات إلى خطر الانقراض، وفقاً لنتائج التقرير الأخير عن التقييم العالمي للتنوع الحيوي، مما جعل العلماء يصفون ما يجري على أنه حدث انقراض جماعي عالمي سادس.
وتؤدي النزاعات المسلحة وغياب حالة الاستقرار إلى تعزيز المخاطر التي تطال الأنواع الحية، فيزداد الصيد الجائر والتجارة غير الشرعية بالأنواع المهددة بالانقراض، وتصبح التعديات على الموائل الطبيعية، كالغابات والأحراج خارج سلطة القانون. ففي البادية السورية وعلى أطرافها، مثلاً، تسببت الحرب في إبادة قطعان غزال الرمل والمها العربية، وتراجع أعداد الذئاب الرمادية والضباع المخططة والثعالب، كما شمل الضرر التحطيب الجائر لأنواع الأشجار المحمية كالبطم الأطلسي.
وكان الاجتماع الثالث عشر لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حفظ أنواع الحيوانات البرية المهاجرة، الذي عُقد في فبراير (شباط) الماضي، خلص إلى أن أعداد معظم الأنواع المهاجرة التي تغطيها الاتفاقية آخذة في التناقص، رغم بعض قصص النجاح. وفي هذا المؤتمر، نالت هيئة البيئة في أبوظبي جائزة «أبطال المحافظة على الأنواع المهاجرة»، لإسهاماتها البارزة في الحفاظ على أبقار البحر، والطيور الأفريقية الأوراسية الجارحة، وغيرها من الحيوانات المهاجرة ذات الأهمية الإقليمية.
وتعدّ أربع دول عربية، هي مصر وسوريا ولبنان وليبيا، مناطق ساخنة لصيد الطيور في حوض البحر المتوسط. واستناداً إلى تقرير صدر عن منظمة «بيردلايف» في 2016، كانت هذه الدول مسؤولة عن نصف أعداد الطيور التي جرى صيدها سنوياً على نحو غير شرعي في هذه المنطقة. وتقدّر المنظمة أنه من بين 25 مليون طائر يقتل سنوياً، هناك 5.7 مليون طائر يجري صيده في مصر، و3.9 مليون في سوريا، و2.6 مليون في لبنان، و0.5 مليون في ليبيا.
وتصف المنظمة لبنان بأنه «ثقب أسود» للطيور قياساً إلى مساحته وعدد سكانه، وتتعرض الأنواع المهاجرة في سمائه كاللقلق الأبيض إلى صيد جائر استدعى مناشدات دولية للحكومة اللبنانية، من أجل اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع إطلاق النار على أسراب الطيور.
وتشكّل البيئات المتنوعة في السعودية محطات مهمة لكثير من أنواع الطيور المقيمة، كالغاق السقطري المهدد بالانقراض وطيور الخرشنة البيضاء الخد، وكذلك الطيور المهاجرة كالحبارى والكروان والصقور والرهو، وغيرها من الطيور الجارحة والعصفوريات والطيور المائية. ولكن الصيد الجائر يجعل جهود السعودية في حماية الأنواع الحية أكثر صعوبة، خاصة مع التراجع الكبير في أعداد طائر القميري وحيوان الضب.
ويؤدي التلوث وزيادة المغذيات إلى تراجع نوعية المياه في المناطق الساحلية، إذ تُظهر الدراسات ارتفاع مستويات الحموضة في المحيطات بنسبة 26 في المائة منذ بداية الثورة الصناعية. وتمثّل البحار أكبر مصدر للبروتين في العالم؛ حيث يعتمد عليها أكثر من 3 مليارات شخص، وهي تمتص نحو 30 في المائة من غازات الدفيئة التي ينتجها البشر.
ويشير تقرير صدر عن «الصندوق العالمي للطبيعة» إلى فشل الدول العربية المتوسطية في بلوغ أهدافها المتعلقة بإنشاء المحميات البحرية للحفاظ على التنوع الحيوي ودعم اقتصاداتها الوطنية. وبحسب التقرير، فإن التنوع الحيوي في البحر المتوسط تراجع بنسبة 41 في المائة خلال السنوات الخمسين الماضية، وأصبحت 80 في المائة من أسماكه عرضة للصيد الجائر، وبعضها في طريق الانقراض.
- سنة حاسمة للأنواع الحية
يرى تقرير التنمية المستدامة العالمية، الذي صدر خلال السنة الماضية تحت عنوان «المستقبل الآن: العلم لتحقيق التنمية المستدامة» أن التداعي الذي لا عودة عنه في النظم الطبيعية يمثل تهديداً كبيراً لإنجازات العقدين الماضيين على الطريق نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030. لكنه خلص إلى أنه لا يزال من الممكن تحقيق مستقبل أفضل شريطة إجراء تغيير جذري في سياسات التنمية.
ومن ضمن الإجراءات التي يدعو إليها التقرير حماية المشاعات البيئية العالمية مثل الغلاف الجوي والغابات الإستوائية والمحيطات، بوصفها مصادر حيوية لخدمة النظم الإيكولوجية والموارد الطبيعية. ويحثّ التقرير الحكومات والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص والجهات الفاعلة الدولية على العمل معاً من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية، واستخدامها على نحو مستدام.
ويعتبر كثيرون أن سنة 2020 ربما تكون حاسمة في تحقيق النجاح أو الفشل. فهي تمثل بداية عقد من العمل لتحقيق أهداف التنمية العالمية؛ حيث سيقود برنامج الأمم المتحدة للبيئة وشركاؤه عشر سنوات عاصفة في محاولة لاستعادة النظم الإيكولوجية. كما ستعيد الاجتماعات الدولية الرئيسية، بما فيها مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في نهاية 2020. صياغة استراتيجية عالمية جديدة للتنوع البيولوجي خلال العقد المقبل.
تأمل الأمم المتحدة أن تكون 2020 سنة للتأمل وللحلول. وهي في الواقع سنة لاختبار قدرة العالم على تجاوز جائحة «كورونا»، وفي الوقت عينه تعزيز القدرات على مواجهة التحديات المستقبلية في العلاقة مع الطبيعة ومكوناتها. لكنها أيضاً فرصة لدراسة الخيارات المتاحة وإعادة البناء على أسس خضراء، تعزّز مرونة المجتمعات، وتحفظ التنوُّع الحيوي الذي يضمن رفاهية الإنسان واستدامة الحياة على كوكب الأرض.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.