شروط علمية لعودة الأحضان في زمن {كورونا}

كانت المرأة الكندية تواقة للغاية لعناق والدتها أثناء وجودها قيد الحجر الصحي لدرجة أنها صنعت «قفاز العناق» باستخدام قماش القنب الشفاف مع الأكمام حتى تتمكن النساء من العناق عبر الحاجز البلاستيكي فيما بينهن. وكان مقطع الفيديو الذي يصور اثنين من أبناء العمومة في ولاية كنتاكي وهما يتعانقان ويبكيان بكاء حارا بعد أسابيع مطولة من التباعد في الحجر الصحي قد شاع انتشاره عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة.
قالت السيدة أمبر كولينز، التي صورت مقطع الفيديو لمعانقة ابنها الطفل هاكستون مع ابنة عمه روزاليند أرنيت (10 سنوات): «لم نكن نتوقع منهما ردود الفعل القوية التي صدرت عنهما فعلا. لقد كانا يشعران بسعادة بالغة لدرجة أنهما لم يجدا طريقة للتعبير عنها سوى البكاء. إن هذا العناق بين الطفلين يعكس مدى قوى اللمسات الإنسانية في حياة البشر حقا».
نحن لا نفتقد العناق فيما بيننا فحسب، بل إننا في حاجة ماسة إليه. فإن المودة والألفة الجسدية تقلل كثيرا من الضغط والتوتر عن طريق تهدئة نظامنا العصبي المتفاعل للغاية، والذي يُطلق في أوقات القلق والتوتر هرمونات الإجهاد التي ترفع الضغط وتُلحق الأضرار بأجسادنا. وخلصت إحدى سلاسل الدراسات المعنية بالأمر إلى أن مجرد ملامسة أو الإمساك بيد الشخص المحبوب لدينا يقلل كثيرا من وقع الصدمات الكهربائية التي ربما يتعرض البعض لها. وقال السيد يوهانس ايشستيدت، عالم الاجتماعي الحاسوبي وأستاذ علم النفس لدى جامعة ستانفورد: «هناك مسارات دماغية لدى البشر مخصصة بصورة حصرية لالتقاط اللمسات العاطفية. وعن طريق تلك اللمسات العاطفية تتمكن الأنظمة البيولوجية في أجسادنا من التواصل مع بعضنا البعض وبث الإيحاء بالأمان، وبأننا محبوبون، وبأننا متواجدون ولسنا بمفردنا في هذه الحياة».
وللوقوف على أكثر الطرق أمانا للعناق أثناء كارثة الفيروس الراهنة، توجهت بسؤالي إلى السيدة لينسي مار، أستاذة الحلالة الهوائية أو الهباء الجوي لدى جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا وأحد أبرز الخبراء في مجال انتقال الأمراض عبر الهواء على مستوى العالم، للاستفسار عن مخاطر التعرض للإصابة بفيروس كورونا المستجد أثناء العناق. واستنادا إلى النماذج الرياضية المذكورة في دراسة أجريت في هونغ كونغ، تُظهر كيفية انتقال فيروسات الجهاز التنفسي عبر الاتصال الجسدي الوثيق، وبحسب الدكتورة مار، فإن مخاطر التعرض للإصابة بالفيروس أثناء العناق القصير يمكن أن تكون منخفضة بصورة مذهلة – حتى وإن كنت تعانق شخصا لم يكن يعرف أنه مصاب بالعدوى الفيروسية وتصادف أنه يسعل أثناء العناق.
وإليكم السبب في ذلك. نحن لا نعرف على وجه التحديد مقدار الجرعة الدقيقة المطلوبة التي يحتاجها فيروس كورونا المستجد للإصابة بالمرض، بيد أن التقديرات تتراوح من 200 إلى 1000 نسخة من الفيروس في المرة الواحدة. وقد يحمل السعال العادي ما يقرب من 5 آلاف إلى 10 آلاف نسخة من فيروس كورونا، غير أن أكثر الرذاذ الناجم عن السعال يتساقط على الأرض أو على الأسطح المجاورة. لكن عندما يكون الناس متقاربين للغاية – كما هو الحال في العناق – يجري في المعتاد استنشاق حوالي 2 في المائة فقط من الرذاذ المنبعث أثناء السعال – أو ما يساوي نحو 100 إلى 200 نسخة من فيروس كورونا. وهناك نسبة 1 في المائة فقط من هذه الجسيمات الشاردة – أي ما يقارب فيروس واحد أو اثنين على الأكثر – تحمل مخاطر عدوى الإصابة الفعلية.
وقالت الدكتورة مار: «لا نعرف على وجه الدقة عدد الفيروسات المعدية المطلوبة لكي يُصاب شخص ما بالمرض – ربما أكثر من فيروس واحد. فإذا لم تتحدث أو تسعل أثناء العناق، فسوف تكون المخاطر بالنسبة لك منخفضة للغاية».
وهناك قدر هائل من التباين في مقدار الفيروسات التي تتناثر من رذاذ الشخص المصاب بالعدوى، وذلك فإن من دواعي الحيطة والحذر تجنب العناق تماما. لكن إن دعت الضرورة النفسية إلى العناق، فلا بد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثل ارتداء الكمامة الواقية، والعناق في الأماكن المفتوحة وليس في الأماكن المغلقة. وينبغي محاولة تجنب ملامسة بشرة الشخص الآخر، أو ملابسه، بوجهك أو بالكمامة التي ترتديها. ولا تقم بعناق أي شخص يعاني فعلا من السعال أو تظهر لديه أعراض مرضية أخرى.
ولا بد أن نتذكر أن بعض أشكال العناق قد تكون أكثر خطورة من سواها. يجب أن يكون وجهك ووجه من تقوم بعناقه في اتجاهين معاكسين تماما. حيث إن اتجاه وجهك أثناء العناق من الأهمية القصوى في حمايتك. ولا يجب الحديث أو السعال أبدا أثناء العناق. ولا بد للعناق أن يكون موجزا وسريعا قدر الإمكان، من حيث الاقتراب السريع من بعضنا البعض ثم العناق الوجيز ثم التباعد مجددا. ولا تقف في مكانك بعد انتهاء العناق الوجيز، بل تراجع عن مكانك سريعا حتى لا تقوم بالتنفس والزفير في وجوه بعضكما البعض. ويتعين عليكما غسيل الأيادي بعد ذلك على الفور.
ومع ذلك، لا بد من مقاومة العاطفة ومحاولة عدم البكاء أثناء العناق، إذ أن الدموع ورشح الأنف يزيد من مخاطر التلامس مع المزيد من السوائل الجسدية التي تحتوي على الفيروس.
وقالت الدكتورة جوليا ماركوس، أستاذة علم الوبائيات والأمراض المعدية والأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد: «إنه في حين أن بعض الاحتياطات قد تبدو من زاوية الجهود الكبيرة من أجل عناق بسيط للغاية، فإن الناس في حاجة لإتاحة المزيد من الخيارات على اعتبار أن الوباء سوف يستمر تواجده بيننا لفترة مطولة من الوقت».
وأضافت الدكتورة ماركوس تقول: «هناك تحديات حقيقية حاليا بالنسبة إلى كبار السن الذين يستشعرون المزيد من القلق بأنهم لن يتمكنوا من التواصل مع أفراد الأسرة أو التفاعل معهم مجددا وحتى نهاية حياتهم. ولكن العناق الموجز للغاية هو من الأهمية القصوى بصفة خاصة لأن مخاطر انتشار العدوى الفيروسية تزداد كثيرا مع طول فترات الاتصال مع الآخرين من حولنا».
- المعايير والمحاذير الواجب احترامها
> ممنوع العناق وجها لوجه: تقول الدكتورة مار: «تعتبر وضعية العناق المباشر هي الأكثر خطورة بسبب تقارب الوجوه تماما. عندما ينظر الشخص القصير إلى الأعلى في مواجهة من يعانقه، فإن أنفاس الزفير تنتقل بسبب الدفء والطفو إلى مجال تنفس الشخص الأطول، وإذا ما كان الشخص الأطول ينظر إلى الأسفل أثناء العناق، هناك فرصة كبيرة لأن تختلط الأنفاس بينهما بين الزفير والاستنشاق».
> ممنوع ملامسة الوجنتين أثناء العناق في نفس الاتجاه: في وضعية العناق هذه، ومع كلا الشخصين المتعانقين ينظران في نفس الاتجاه، تزداد مخاطر الإصابة بالعدوى لأن زفير كل منهما موجود في مجال التنفس لدى بعضهما البعض.
> لا بد من العناق في مواجهة الاتجاه المعاكس: من أجل المعانقة الآمنة بكامل الجسد، لا بد من إدارة الوجهين في اتجاهين متعاكسين تماما، الأمر الذي يمنع الشخصين المتعانقين من استنشاق جزيئات الزفير المنبعثة من تنفس كل شخص منهما. ولا بد من ارتداء الكمامات الواقية احتياطا للأمر.
> اترك الأطفال يعانقونك حول الركبة أو حول الخصر: العناق عند مستوى الركبتين أو عند الخصر يقلل كثيرا من مخاطر التعرض المباشر للرذاذ المنبعث والهباء الجوي نظرا لأن الوجوه تكون متباعدة تماما في وضعية العناق هذه. وهناك احتمال أن تتلوث ملابس الكبار من وجه الطفل أو قناعه الواقي، لذلك يمكن التفكير سريعا في تغيير الملابس بعد العناق مع غسيل اليدين جيدا إثر العودة من الزيارة التي تشمل العناق. ويتعين على الشخص البالغ أيضا أن ينظر إلى الاتجاه المعاكس أثناء العناق حتى لا يصل زفيره إلى الطفل الذي يعانقه.
> قم بتقبيل حفيدك - حفيدتك على مؤخرة الرأس: في هذه الوضعية، يتعرض الجد بدرجة منخفضة للغاية للزفير المنبعث من تنفس الأطفال. لكن يمكن أن يتعرض الطفل إلى زفير أنفاس الشخص الأطول، ولذلك لا بد من التقبيل مع ارتداء الكمامة الواقية.
تقول السيدة تانغ: «تستمر فترة العناق لمدة 10 ثوان على الأقل، ولذلك ينبغي أن يتمكن الناس من التحكم في العناق. ثم الرجوع مسافة لا تقل عن مترين قبل التحدث مرة أخرى من أجل السماح للجميع بالتقاط أنفاسهم بحرية عبر مسافة آمنة. إذ أن التوقف عن التنفس مؤقتا يمنع من وصول أي فيروس إلى مجال تنفس الآخرين، هذا إن كنت مصابا بالفيروس ولا تعلم بذلك، كما يحول بينك وبين استنشاق الفيروسات من الأشخاص الآخرين، إن كانوا مصابين ولا يعلمون أيضا».
يقول يوغو لي، بروفسور الهندسة في جامعة هونغ كونغ وكبير مؤلفي الدراسة الحسابية التي استعانت بها الدكتور مار في حساباتها المذكورة: «ربما يشكل العناق خطرا أقل من المحادثة وجها لوجه لفترة أطول. غير أن فترة التعرض تكون قصيرة للغاية في العناق، على العكس من المحادثات، والتي يمكن أن تطول مدتها كما يروق لنا، ولكن لا داعي أبدا لتقبيل الوجنتين».
وأضاف البروفسور لي يقول إن مخاطر التعرض للفيروس مع بدء العناق، عندما يقترب الشخصان المتعانقان من بعضهما البعض مع إمكانية اختلاط الزفير الصادر عنهما. وكذلك مع نهاية العناق أثناء ابتعاد بعضهما عن بعض. وارتداء الكمامة الواقية من الأهمية بمكان، تماما كغسيل اليدين بعد العناق، لأن مخاطر التقاط العدوى من أيادي أو بشرة أو ملابس الآخرين منخفضة نوعا ما.
ولاحظت الدكتورة مار ذلك نظرا لأن مخاطر العناق السريع مع اتخاذ الاحتياطات الواقية منخفضة للغاية ولكنها ليست منعدمة، فلا بد على الناس أن يمارسوا العناق بمزيد من التحفظ.
وقالت الدكتورة مار أخيرا: «ربما أحاول معانقة الأصدقاء المقربين مني، ولكنني سوف أتجاوز المزيد من فرص العناق غير اللازم. وربما أتخير المعانقة التي تبعث بالفرح والسعادة في النفس دون سواها من العناق العرضي».
- خدمة «نيويورك تايمز»