وسائل فنية تساعد الأطفال على سرد حكاياتهم في «زمن كورونا» بمصر

عبر ورش فنية تفاعلية عن بُعد، يجلس أطفال أمام أوراق الرسم البيضاء، يتصورون «كورونا» بوجه قبيح، وحجم ضخم، مقارنة بأحجامهم الصغيرة، يرسمون أنفسهم يواجهون هذا الشبح وهم يتسمون بشجاعة لافتة، يرتدون كماماتهم، ويُشهرون أسلحتهم وسيوفهم استعداداً للقضاء عليه.
يدوّن هؤلاء الأطفال على الورق خيالهم، ويسترسلون في أفكارهم وطرق تفاعلهم مع فيروس «كورونا» مُستعينين بخطوط وألوان، وكاميرا تربطهم بمعلمة الرسم التي تساعدهم على التعبير عن أنفسهم حيال تلك الأزمة التي غيرت ملامح حياتهم، بعد أن فُرض عليهم وضع استثنائي بداية من وقف الدراسة في منتصف مارس (آذار) الماضي، وحتى مع بدء العطلة الصيفية وانتهاء العام الدراسي في المدارس المصرية، التي يبلغ عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية بها نحو 12.5 مليون تلميذ حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018.
أماني سعد، مديرة «أكاديمية مِزاج لتعليم الرسم»، تخوض مع الأطفال رحلة فنية وتأملية لمحاولة مساعدتهم على التعبير عن حياتهم الجديدة في ظل «كورونا»، لا سيما أنها أيضا تعمل اختصاصية للعلاج بالفن، تقول في كلمتها لـ«الشرق الأوسط»: «الرسم التعبيري عن (كورونا) ليس علاجاً بالفن بالمعنى التقليدي لكلمة علاج، ولكن يمكن اعتبار الرسم هنا وقاية، فمن الممكن لتلك الأزمة التي نعيشها في بيوتنا أن تجعل الأطفال فريسة للقلق الزائد، الأمر الذي قد يتحول مع الوقت لمشاكل نفسية أكبر، لذلك فنعتمد عبر برنامج الرسم على فكرة تثبيت المفاهيم الإيجابية التي يمكن أن نخرج بها من الأزمة مثل الوقاية وحماية الآخرين، وتعلم كيفية مواجهة المشكلات التي نمر بها، ومواجهة الظروف غير العادية، وتغيير الواقع غير المريح».
تقول أماني سعد، إن «هناك مستوى أول تتبعه مع الأطفال قبل البدء في الرسم، وهو الحوار والنقاش حول الواقع للوقوف على مدى استيعابهم لماهية فيروس (كورونا)، وأسباب عدم الخروج من البيت وغيرها من الإجراءات المُقيدة لهم، ثم الدخول معهم إلى مستوى ثان، وهو مستوى الخيال للتعبير عن هذا الواقع، ويتطرق هذا المستوى لنقاش حول الألوان المستخدمة، وشكل الفيروس، وتخيلهم أنهم يحاربونه كأنهم حُماة الأرض»، وتضيف: «يجب ألا ننسى أن الرسم في حد ذاته هو محاولة للتسرية عن الأطفال في ظل ضغوط الحظر المنزلي».
وفي لون تعبيري آخر دشنت الكاتبة المصرية، ميريام رزق الله، صاحبة سلسلة كتب «ميما»، مبادرة ومسابقة للأطفال تحمل اسم «يومياتي في الكوارنتين»، منطلقة من محاولة تأمل للتراكمات التي علقت في وجدان الأطفال خلال تلك الفترة الصعبة من مشاعر وانفعالات، وذلك من خلال فن الكتابة وتدوين اليوميات، تقول ميريام رزق الله لـ«الشرق الأوسط»: «في ظل نمط الحياة الصعب المفروض علينا الآن، قد يلجأ الأطفال في هذه الظروف للتعبير عن مخاوفهم وضيقهم بسلوكيات عنيفة أو مزعجة للأهل، في الوقت الذي يتعرض فيه الأهل بدورهم لضغوط أخرى ضخمة، وقد لا يدرك الأهل أن تغير سلوك أبنائهم له علاقة مباشرة بالأحداث فيتعاملون معهم بشكل صارم، وحيث إن الآباء هم المصدر الرئيسي لشعور أطفالهم بالأمان، فالمبادرة تطمح لمساعدتهم في اكتشاف ما يدور بداخلهم وما يدور بداخل أبنائهم من خلال الكتابة».
وتعتمد فكرة المسابقة على كتابة الطفل وتعبيره عن يومه وأنشطته خلال فترة الحجر المنزلي، أياً كانت هذه التفاصيل بسيطة، تقول ميريام رزق الله «فكّرت في قالب كتابة اليوميات لأن أي شخص صغير أو كبير يمكنه بسهولة حكي ما حدث خلال يومه، فكتابة اليوميات لا تتطلب موهبة خاصة في الكتابة، كما أن الكتابة من أكثر الأشياء التي يمكنها مساعدة الإنسان في تفريغ مشاعره وترتيب أفكاره بالأخص في مثل هذه الظروف التي نشعر فيها بأن نظام حياتنا قد انقلب وما يتبع ذلك من مشاعر حيرة وتوتر وخوف».
وتضيف ميريام أن المسابقة لها شق تفاعلي مع الأسرة وفي التحاور فيما بينهم بخصوص مشاعرهم وأفكارهم، بحيث ينطلق الأطفال في التعبير عن يومياتهم ورؤيتهم لها، بما يجعل الآباء يلاحظون بشكل أوضح متاعب أبنائهم والتعامل معها آنذاك بشكل أكثر تربوية.