«كان» يعلن أفلام دورته الملغاة

في الساعة السادسة مساءً من يوم الخميس (أول من أمس) جلس رئيس مهرجان «كان» بيير لسكور ومدير المهرجان العام تييري فريمو معاً أمام كاميرات محطة Canal‪+‬ الفرنسية لإعلان قائمة الأفلام التي اختارها المهرجان لدورة السنة الحالية.
ليس أن المهرجان سيُقام هذا العام. لقد تم تأجيله سابقاً، ثم تم إلغاؤه لاحقاً وبات الأمر مستحيلاً أن يُقام خلال ما تبقى من أشهر السنة مستقبلاً. البديل؟ عقد ما يشبه المؤتمر الصحافي (قاعة خالية من الصحافة باستثناء مذيع اللقاء) لإعلان قائمة أفلام لن تعرض على شاشات المهرجان العتيد في دورته الـ73.
سبب التأجيل ثم الإلغاء ثم الاكتفاء يعود إلى ما بات معروفاً وذكرناه هنا أكثر من مرّة: حل وباء «كورونا» فوق فرنسا والعالم وخرجت التشريعات المانعة للتجمع في أي مكان ثم الحجر الاختياري والحجر الإجباري ووجد المهرجان نفسه مقيد اليدين من قِبل وضعٍ خارج عن إرادته.
يقول تييري فريمو: «لم يكن إلغاء الدورة مطروحاً في أي وقت. كنا دائماً نبحث عن مخرج مناسب يرضي جميع الأطراف».
لحين غازل المهرجان إمكانية بث الأفلام المختارة للعروض الرسمية على الإنترنت، لكنه عاد وصادر تلك الفكرة على أساس أنها ستقلل من قيمة المهرجان. اللافت هنا أن إعلان المهرجان الفرنسي عن إلغاء فكرة البث على الإنترنت (التي لم تدم إلا لأسبوع أو اثنين على أي حال) حدث بعد إعلان منافسه الأول، مهرجان فينيسيا، رفضه الإقدام على هذا الحل. البديل بالنسبة لـ«كان» البحث عن وسيلة بقاء على مستوى أو آخر، وما وصل إليه من قرار هو الاتفاق على أن يصاحب عرض كل فيلم في الصالات، وفي بعض المهرجانات، عبارة تقول اختيار «كان» للمسابقة الرسمية.
- لبنانيان ومصري
على هذا الأساس تم الإعلان عن قائمة الأفلام الـ55 التي تشكل عماد هذه الدورة كما لو أنها ستعرض فعلياً. فالعادة درجت على أن يقوم الرئيس لسكور (الذي فاز برئاسة المهرجان لدورة ثالثة قبل أيام) ومديره العام فريمو بالإعلان عن أفلام كل دورة قبل نحو ثلاثة أسابيع من بدء المهرجان. الاثنان لم يجدا سبباً في عقد هذا المؤتمر، ولو على هذا النحو المختلف، والإعلان عن الأفلام التي كانت ستقدّم على شاشات المهرجان فيما لو أن المهرجان لم يُلغ.
أول ما يطالعنا هو أن مختارات «كان» هذه السنة تحتوي على خمسة أفلام هي إما عربية الإنتاج أو يحققها مخرجون منتمون إلى بلد عربي.
هذه الأفلام الخمسة هي:
‫1- سعاد لآتين أمين (مصر). ‬
2- «شغف بسيط» لدانيال عربيد.
3- DNA لـ Maïwenn (إنتاج جزائري - فرنسي) .
4- تربة حمراء لفريد بنتومي (فرنسا).
5- مفاتيح مكسورة لجيمي كيروز (لبنان).
هذه الأفلام توزعت، كسواها، ما بين المسابقة الأولى والمسابقة الثانية المتمثلة بـ«نظرة خاصّة»، لكنه من المؤسف أن يكون القرار قد استقر على هذا العدد من الأفلام العربية لدورة لن تُقام، وبالتالي لن يترأسها لجنة تحكيم وتمنح جوائزها في نهاية الدورة.
هذه الأسماء الخمسة الواردة أعلاه هي من ضمن الأسماء الجديدة التي تشارك في تأليف قائمة المخرجين الذين وردت أفلامهم لهذه الدورة.
في الواقع استهل فريمو إعلانه بتقسيم قائمته إلى قسمين رئيسيين. الأول هو لمن سمّاهم بزبائن «كان» المخلصين، وتتألف من المخرجين الذين يداومون الحضور عاماً بعد عام. من بين هؤلاء المخرج البريطاني ستيف ماكوين الذي كان بعث بفيلمين جديدين له تم قبولهما، واحد ضمن المسابقة الرئيسية والثاني ضمن مسابقة «نظرة ما». هذان الفيلمان هما «صخرة العشاق» و«مانغروف» وكلاهما من إنتاج القسم السينمائي من شبكة BBC الشهيرة.
فيلمان بريطانيان آخران تم كذلك الإعلان عنهما هما «ليمبو» لبن شاروك و«أمونايت» (ما يتعلق بتاريخ الحفريات) لفرنسيس لي.
من الطبيعي القول هنا إن فيلمي ستيف ماكوين كانا سيجذبان الحجم الأكبر من المشاهدين فيما لو تم عرضهما لكن «ليمبو» هو الذي يملك فعلياً الموضوع المرتبط بمشاكل الحاضر، فهو يدور حول المهاجرين الذين مُنحوا حق البقاء فوق إحدى الجزر الاسكوتلندية وبينهم، تحديداً، عازف موسيقي شاب اسمه عمر (أمير المصري) وَرَد من سوريا.
بالعودة إلى قائمة «الزبائن المخلصين» نجد المخرج الأميركي وس أندرسن الذي كان المهرجان سيفتتح بفيلمه الجديد «مرسال فرنسي» (The French Dispatch). وُصف الفيلم بأنه «رسالة حب للصحافيين» إذ يحتوي على حكاية عدد من الصحافيين الأميركيين العاملين في مدينة فرنسية (خيالية). من بين الممثلين هنا طاقم المخرج المعتاد: إدوارد نورتون، تيلدا سوينتون، بِل موراي، أووَن ولسون وهم جزء من طاقم أوسع يضم بنثيو دل تورو، أدريان برودي، أنجليكا هوستون، كريستوفر وولتز وتيموثي شالامت.
خمسة أفلام أميركية أخرى من بينها فيلم من إخراج الممثل فيغو مورتنسن عنوانه «سقوط». ويحتوي على موضوع الصدام بين عقليتين مختلفتين في العائلة الواحدة. مورتنسن يؤدي دور أب محافظ يعيش في بعض الأصقاع البعيدة لكنه يقرر النزوح من وحدته للانضمام إلى منزل عائلته في المدينة. هناك يكتشف أن ابنه الشاب مثلي، ما يشكل صدمة فمواجهة فأزمة.
- سؤال في الجدوى
النسبة الأوروبية هي الغالبة فأفلامها مختارة من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وبلغاريا وليتوانيا والسويد والدنمارك وإسبانيا وألمانيا، مع تغييب كامل للسينما الإيطالية لأسباب مبهمة ربما بعضها يعود إلى شيء من فقدان الود مع مهرجان فينيسيا الذي كان ردّ على مدير مهرجان «كان» بالنفي عندما صرّح ذاك، قبل نحو شهر، بأنه أجرى مباحثات تعاون مع المهرجان الإيطالي بالنسبة لعرض بعض أفلام الدورة المحذوفة من «كان» في إطار فينيسيا.
على أي حال، الود بارد في الأصل نظراً للمنافسة القائمة بينهما ‫على استقطاب أفضل ما يمكن للسينما توفيره من أفلام وإنتاجات وأسماء. ‬هذا التنافس ازداد ضراوة عندما استطاع مهرجان فينيسيا تعزيز مكانته في السنوات الأخيرة باستقطاب المزيد من الأسماء الكبيرة والاستفادة من خلوّه من سوق للسينما لكي يدعم هويّته بأنه مهرجان للفن أساساً.
لجانب السينما الأوروبية هناك عناية معتادة بالسينما الآسيوية. المخرجة اليابانية ناوومي كاواسي (من الزبائن الدائمين لكان) كانت ستعرض «أمهات حقيقيات» كأحد ثلاثة أفلام يابانية جديدة أحدها الأنيميشن «آيا والساحرة» لغورو ميازاكي. ومن كوريا «جنة: إلى أرض السعادة» لإيم سانغ - سو. الصين مشتركة بفيلم «الخطو إلى الريح» (Striding into the Wind) لوي شوجون (من الزبائن الجدد) وبفيلم من هونغ كونغ عنوانه «حكاية هونغ كونغ» ما يطرح إشكالية كون الصين في سبيل محو الهوية الخاصة بهونغ كونغ حالياً.
كل هذا الجهد المبذول لإتمام قائمة أفلام دورة لن تتم يضعنا أمام سؤال حتمي حول ما إذا كانت خطة المهرجان التأكيد على أنه حاضر حتى وإن لم يستطع الوجود في عرينه كالمعتاد، وهو أمر بالغ الأهمية.
ربما. على الأرجح في هذا الوقت أكثر منه في الأشهر المقبلة عندما تبدأ عروض هذه الأفلام في الصالات كونها ستدخل أنابيب التوزيع كسواها من الأفلام حتى مع ختم المهرجان الفرنسي عليها.