من مينيابوليس إلى باريس: الشارع ساحة للتعبير عن رفض التمييز العنصري

الحكومة الفرنسية تسعى لضبط الوضع وتنفي العلاقة بين الحالتين

جانب من المظاهرة التى شهدتها باريس للاحتجاج على وفاة جورج فلويد خلال إحياء ذكري أداما تراوري (رويترز)
جانب من المظاهرة التى شهدتها باريس للاحتجاج على وفاة جورج فلويد خلال إحياء ذكري أداما تراوري (رويترز)
TT

من مينيابوليس إلى باريس: الشارع ساحة للتعبير عن رفض التمييز العنصري

جانب من المظاهرة التى شهدتها باريس للاحتجاج على وفاة جورج فلويد خلال إحياء ذكري أداما تراوري (رويترز)
جانب من المظاهرة التى شهدتها باريس للاحتجاج على وفاة جورج فلويد خلال إحياء ذكري أداما تراوري (رويترز)

يوم 19 يوليو (تموز) عام 2016، ألقت مجموعة من الدرك، بعد مطاردة متنقلة، القبض على شاب من أصل مالي اسمه أداما تراوري، عمره 24، في ضاحية باريسية «بومون سور واز» القائمة شمال العاصمة، واقتادته إلى ثكنة الدرك الموجودة في مدينة برسان القريبة. وبعد ساعتين من وصوله مكبلاً إلى الثكنة، توفي تراوري رغم وصول رجال الإسعاف. ومنذ ذلك التاريخ، تدور معركة خبراء وقضاء. ذلك أن تقارير الدرك تنفي أي مسؤولية عن العناصر التي ألقت القبض على تراوري، وتؤكد الاختبارات التي تمت بطلب من الادعاء العام أن الشاب المالي توفي بسبب مشكلات في القلب، إضافة إلى تعاطيه حشيشة الكيف «القنب الهندي». وبالمقابل، فإن العائلة ومحاميها و«لجنة الدفاع عن العدالة من أجل أداما» يؤكدون العكس تماماً، وهم يتهمون عناصر الدرك باستخدام العنف المفرط لدى توقيف تراوري، ويستندون في ذلك إلى شهادات خبراء وتقارير علمية تبين أنه مات بسبب الضغط على صدره في وضع الانبطاح على البطن. وثمة شكاوى كثيرة مقدمة ضد عناصر الدرك، وضد قاضي التحقيق والادعاء العام. وآخر تقرير طبي لخبير مستقل، خرج إلى العلن أول من أمس. الأمر الذي برر الدعوة إلى المظاهرة الكبرى التي جرت قريباً من المحكمة الكبرى القائمة في الدائرة السابعة عشرة في باريس، والتي تخللتها أعمال عنف وحرائق ومواجهات بين فرقة مكافحة الشغب والمتظاهرين. الأمن لجأ إلى القنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، بينما بعض المتظاهرين عمدوا إلى إشعال الحرائق ومهاجمة رجال الأمن.

ولم تكن مظاهرة باريس الوحيدة، فقد سبقتها وتزامنت معها مظاهرات في عدة مدن فرنسية. وقد حصلت هذه المظاهرات؛ خصوصاً في باريس، رغم الحظر القطعي الذي فرضه مدير شرطتها، إضافة إلى أن فرنسا ما زالت تعيش في ظل حالة الطوارئ الصحية التي تمنع التجمعات في الشوارع والساحات العامة لأكثر من 10 أشخاص. والحال أن مظاهرة باريس مساء الثلاثاء جمعت أكثر من 28 ألف شخص، وأعادت إلى الأذهان ما عرفته العاصمة إبان حراك «السترات الصفراء». وثمة قناعة جامعة أن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد. وما زاد من حدة التوتر الربط الميكانيكي الذي تم بين مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد في مدينة مينيابوليس لدى توقيفه على أيدي شرطة المدينة، والضغط الذي مارسه شرطي أبيض على رقبته، ما منعه من التنفس، وبين وفاة تراوري. فكلا الاثنين أسود البشرة، وكلاهما ماتا لدى توقيفهما، إضافة إلى وجود شكاوى متشابهة لجهة التمييز في معاملة السود في الولايات المتحدة وفرنسا، التي تصل أحياناً إلى حد العنصرية الفجة. وفي البلدين، ثمة شكاوى من أن لون البشرة أو الأصل لهما تأثير على المسار التعليمي والمهني والاجتماعي، ما يوجد شعوراً بالإجحاف والظلم.
وتأتي هذه «الهبة» في وضع بالغ الحساسية بالنسبة للحكومة، نظراً لاستمرار تفشي وباء «كورونا» الذي قضى حتى اليوم على 29 ألف شخص. وما حرصت عليه الحكومة أمس، بشخص وزير الداخلية والناطق باسمها، هو السعي لنفي وجود صلة بين ما حصل في ضاحية باريسية قبل 4 سنوات، وما حصل في مينيابوليس قبل أيام قليلة. وعندما ينزل ما لا يقلّ عن 28 ألف شخص إلى الشوارع للتظاهر، ضاربين عرض الحائط بالتعليمات الحكومية، فإن هيبة الدولة تتراجع بلا شك. كذلك، عندما تُتهم السلطات الأمنية بممارسة التمييز العنصري، ويتم الربط بما حاصل في الولايات المتحدة، فإن ذلك يضعف الثقة بالسلطات. من هنا، فإن وزير الداخلية كريستوف كاستانير سعى أمس لتفكيك هذه «القنبلة الموقوتة» بالتأكيد، في كلمة له أمام مجلس الشيوخ، أنه سيكون «صارماً» وأن «أي خطأ أو تجاوز أو أي كلمة يستشفّ منها روح العنصرية ستكون موضع تحقيق وقرار وعقاب». ومن جانبها، دعت سيبيت ندياه، الناطقة باسم الحكومة، وهي نفسها سوداء، ومن أبوين سنغاليين، إلى «التهدئة»، واعتبرت أنه لا تجوز المقارنة بين الحادثتين، ورفضت الادعاء أن فرنسا «بلد عنصري». وخلصت إلى القول إن الحكومة تولي الجهاز القضائي «الثقة الكاملة».
ما لم يكن متوقعاً أن تصمت الطبقة السياسية على ما حصل، أو ألا تظهر انقساماتها، خصوصاً أن فرنسا تتحضر للجولة الثانية من الانتخابات المحلية يوم 28 من الشهر الحالي. فقد سارع برونو روتايو، رئيس مجموعة اليمين الكلاسيكي (الجمهوريين) وعضو مجلسها، إلى إدانة ما جرى من مظاهرات وما رافقها، معتبراً أنه «لا يمكن القبول به» لجهة حصوله ومخالفة القوانين، أو لجهة المقارنة بين الوضعين الفرنسي والأميركي. وتجدر الإشارة إلى أن الأمن قبض على 18 شخصاً سيقوا إلى التوقيف في مقرات الشرطة. وخلاصة روتايو أن ما حصل «انتهاك للقوانين» وأن الأحكام في دولة القانون «تعود للجهاز القضائي، وليس لشبكات التواصل الاجتماعي، أو الشارع». وعلى طرفي النقيض، كتب جان لوك ميلونشون، في تغريدة على صفحته، إنه دهش «للعزم الهادئ» الذي تميز به المتظاهرون، مندداً بما يتعرض له الشباب، على أيدي الشرطة من إهانات ومعاملات بعيدة عن العدالة. ورأى فيما حصل «تشجيعاً»، مصدره الولايات المتحدة. أما الأمين العام للحزب الاشتراكي، النائب أوليفيه فور، فقد ربط بين «المحافظة على النظام والعدل» وما تتطلبه حالة أداما تراوري، كما في القضايا الأخرى، وهو أن تعرف الحقيقة. وأمس، حصلت مجدداً مظاهرات أخرى، ولكن أقل عدداً. إلا أن الأوضاع ستبقى على الأرجح متوترة في الأيام والأسابيع المقبلة.


مقالات ذات صلة

متظاهرون في دوما السورية يطالبون بمعرفة مصير ناشطين مفقودين منذ 11 عاماً

المشرق العربي وقفة احتجاجية للمطالبة بمعلومات عن الناشطين السوريين سميرة خليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم الحمادي الذين اختطفهم مجهولون في ديسمبر 2013 (أ.ف.ب)

متظاهرون في دوما السورية يطالبون بمعرفة مصير ناشطين مفقودين منذ 11 عاماً

تجمّع عشرات المتظاهرين في دوما بريف دمشق، مطالبين بمعرفة مصير أربعة ناشطين فُقدوا قبل 11 عاماً في هذه المدينة التي كانت تسيطر عليها فصائل معارضة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص من معرض سويسري لصور الضحايا في «ملفات قيصر» (أ.ف.ب) play-circle 01:43

خاص «سامي»: في البداية كنت أبكي أمام صور ضحايا الأسد ثم تبلّدت مشاعري

في الحلقة الأخيرة من مقابلته الموسّعة مع «الشرق الأوسط»، يروي «مهرّب» ملفات «قيصر» أسامة عثمان، كيف عاش لسنوات مع صور ضحايا التعذيب «كأنهم أصدقائي».

غسان شربل (باريس)
المشرق العربي وزير الإعلام السوري محمد العمر يتحدث إلى وسائل الإعلام خلال اجتماع في دمشق (أ.ف.ب)

وزير الإعلام السوري يتعهّد بالعمل على تعزيز حرية الصحافة والتعبير

قال وزير الإعلام السوري الجديد محمد العمر إنه يعمل من أجل «بناء إعلام حر»، متعهداً بضمان «حرية التعبير» ببلد عانت فيه وسائل الإعلام لعقود من التقييد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص يتهم أسامة عثمان «الائتلاف الوطني السوري» المعارضة بأنه «أمد في عمر بشار الأسد» (غيتي) play-circle 03:29

خاص «سامي» شريك «قيصر» لـ«الشرق الأوسط»: «الائتلاف» أمدَّ بعمر بشار الأسد

في الحلقة الثانية من مقابلته الموسّعة، يروي مهرّب «ملفات قيصر» كيف اقترب النظام من كشفه ورفيقه مرتين اضطر في إحداهما إلى إخفاء الكاميرا والأجهزة تحت كومة قمامة.

غسان شربل (باريس)
الولايات المتحدة​ سيدات أفغانيات في العاصمة كابل (متداولة)

الأمم المتحدة تعدُّ قرار «طالبان» منع النساء من العمل بمنظمات غير حكومية «خاطئاً بالكامل»

قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إنه يجب على سلطات «طالبان» الحاكمة في أفغانستان إلغاء الحظر الذي فرضته على عمل النساء في المنظمات غير الحكومية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

مونتينيغرو تسلم «دو كوون» مؤسس العملات الرقمية المشفرة إلى أميركا

مؤسس العملات الرقمية الكوري الجنوبي دو كوون (رويترز)
مؤسس العملات الرقمية الكوري الجنوبي دو كوون (رويترز)
TT

مونتينيغرو تسلم «دو كوون» مؤسس العملات الرقمية المشفرة إلى أميركا

مؤسس العملات الرقمية الكوري الجنوبي دو كوون (رويترز)
مؤسس العملات الرقمية الكوري الجنوبي دو كوون (رويترز)

قامت جمهورية مونتينيغرو (الجبل الأسود)، اليوم الثلاثاء، بتسليم مؤسس العملات الرقمية الكوري الجنوبي دو كوون «ملك العملات الرقمية المشفرة» إلى الولايات المتحدة، بعد القرار الذي اتخذته وزارة العدل في وقت سابق من الشهر الجاري بقبول طلب أميركي، ورفض طلب التسليم الكوري الجنوبي، حسبما قالت السلطات في الدولة الواقعة بمنطقة البلقان.

وقالت الشرطة إن ضباط المكتب المركزي الوطني للإنتربول في مونتينيغرو سلموا دو كوون، مؤسس شركة العملات المشفرة السنغافورية «تيرافورم لابس»، إلى ضباط مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) عند المعبر الحدودي بمطار بودجوريتشا.

وقال بيان للشرطة نقلته وكالة «أسوشييتد برس»: «اليوم، في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2024، تم تسليمه (دو كوون) إلى سلطات إنفاذ القانون المختصة في الولايات المتحدة ورجال مكتب التحقيقات الاتحادي».

يذكر أنه بعد صراع قانوني طويل، تقدّمت كوريا الجنوبية، وطن كوون الأصلي، والولايات المتحدة بطلبين لتسليم كوون.

ويتهم الادعاء في كلا البلدين كوون بالاحتيال من بين تهم أخرى. وقد تم اعتقال كوون في مونتينيغرو في مارس (آذار) 2023.

ومؤخراً، قضت المحكمة العليا في مونتينيغرو بأن طلبي التسليم صحيحان من الناحية القانونية، الأمر الذي ترك لوزير العدل مهمة الاختيار بين البلدين طالبي التسليم.

وكان كوون قد أنشأ العملتين المشفرتين «تيرا» و«لونا» في سنغافورة. ومع ذلك، انهار نظام العملتين بشكل مدو في مايو (أيار) من العام الماضي، ما ترك المستثمرين «بلا شيء».

وتردد أن الإفلاس تسبب في خسائر بلغت 40 مليار دولار.

ثم اختفى كوون. وأصدر الإنتربول «منظمة الشرطة الجنائية الدولية» مذكرة اعتقال دولية بحقه في سبتمبر (أيلول).

وفي مارس 2023، تم اعتقال كوون وشريكه التجاري هون تشاند يون في بودجوريتشا، أثناء محاولتهما السفر إلى دبي بجوازي سفر مزورين من كوستاريكا.

وحُكم عليهما بالسجن في مونتينيغرو لعدة أشهر بتهمة تزوير وثائق، وفي وقت لاحق تم احتجازهما في انتظار تسليمهما.