في حين يغلي العالم على القلق من «كوفيد19» ويتحرّق للإفلات من مخالبه، تتسابق الدول والمختبرات ومراكز البحوث العلمية الكبرى لتطوير لقاح يجمع علماء الوبائيات على أنه السبيل الوحيد لعودة الحياة إلى طبيعتها.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي تتصدّر بلاده لائحة الترتيب العالمي بالإصابات والوفيّات الناجمة عن فيروس «كورونا»، قال قبل فترة إن «اللقاح سيكون جاهزاً في وقت قياسي أواخر هذا العام، وربما قبل ذلك»، عندما أعلن عن عملية حشد مخبري غير مسبوقة تحت عنوان «وارب» المأخوذ من السرعة الخيالية التي تتجاوز سرعة الضوء والتي تسير بها المركبات الفضائية في المسلسل التلفزيوني الشهير «ستار تريك». لكن بالنسبة إلى الخبراء، ليس وحده العنوان مجرّد خيال سينمائي لا أكثر، لأن الطريق إلى اللقاح لا تزال طويلة وعسيرة جداً. لكن ترمب الذي يترشّح لولاية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يعرف أن ليس هناك أفضل من هذا الوعد الانتخابي في مثل الظروف الراهنة التي تمرّ بها بلاده والعالم.
لكن خبراء التحالف الدولي للقاحات «غافي»، الذي يضمّ حكومات وشركات أدوية ومختبرات دولية والذي لعب دوراً أساسياً في تطوير لقاحات ضد أمراض أخرى وساعد على تلقيح أكثر من 750 مليون طفل في العالم، يقولون إنه من المستحيل تطوير لقاح ناجع ضد «كوفيد 19» هذا العام لأسباب علمية وطبية ولوجيستية عدة.
بيانات منظمة الصحة العالمية من جهتها، لا تبعث على التفاؤل بقرب إنتاج اللقاح؛ إذ تفيد بأن عدد الأمراض التي تعالج باللقاحات لا يتجاوز 26، وبأن متوسط الفترة التي يستغرقها إنتاج اللقاح من المختبر حتى عرضه في الأسواق يتراوح حول 10 سنوات، هذا في حال نجاح كل الاختبارات والتجارب السريرية. ويذكر الخبراء أن مستشارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان لشؤون الصحة العامة مارغريت هكلير كانت قد وعدت في عام 1984 بأن اللقاح ضد فيروس «إيدز» سيكون جاهزاً في غضون سنتين، لكنه حتى الآن ليس موجوداً.
المعسكر المتفائل يذكّر بأن العلوم المخبرية تسير منذ سنوات بسرعة غير مسبوقة، وأنه منذ ظهور «كوفيد19» في مدينة ووهان الصينية أواخر العام الماضي، أصبح هناك 125 برنامجاً لتطوير اللقاح، منها 10 دخلت مرحلة الاختبارات البشرية في الولايات المتحدة والصين وألمانيا والمملكة المتحدة.
الأمين العام السابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» رافاييل فيّا سان خوان، وهو من كبار الاختصاصيين في علم الوبائيات، يقول إنه لن يكون هناك لقاح ضد «كوفيد19» هذا العام، ويضيف: «ثمّة من يريد أن يصدّق أن هذا ممكن، لكن لن يكون هناك لقاح للجميع هذه السنة، وإذا توفّر في العام المقبل فلن تزيد فعاليته على 30 في المائة، والأرجح ألا يكون اللقاح جاهزاً للإنتاج والتوزيع قبل عامين».
الشركة الفرنسية «سانوفي»، وهي إحدى الشركات الأربع التي تحتكر إنتاج اللقاحات في العالم، تقول إن جرعة لقاح يقتضي إنتاجها عادة ما بين 6 أشهر و3 سنوات، وهي عملية معقّدة غالباً ما تستدعي زرع الفيروس في الخلايا البشرية داخل مختبرات صناعية مجهزة بتدابير فائقة السلامة، وأن 70 في المائة من مراحل الإنتاج تخصص لإجراءات مراقبة الجودة للتأكد من عدم وجود ثغرات أو تلوّث في اللقاح.
ويخشى بعض الخبراء من أن يؤدي التسارع لإنتاج اللقاح تحت ضغط الأزمة الصحية والوضع الاقتصادي إلى النتيجة العكسية تماماً، أي إلى تأخير إنتاج اللقاح بسبب أخطاء؛ كما حدث مرات عدّة في الماضي عندما تبيّن أن بعض اللقاحات التي لم تخضع للتجارب الكافية والمقارنات بين النظراء أدّت إلى تفاقم المرض بدلاً من علاجه. ويضربون مثالاً على ذلك بفشل اللقاح ضد فيروس التنفّس الذي يصيب الأطفال وما زال يقضي على 60 ألفاً منه كل عام في العالم من غير أن يوجد له لقاح.
جامعة أكسفورد البريطانية تطوّر حالياً أحد اللقاحات المخبرية الأكثر تقدّماً ضد «كوفيد19»، والولايات المتحدة خصصت 1.2 مليار دولار لتسريع إنتاج اللقاح في عملية ضخمة تشارك فيه شركة «آسترازكنيا» البريطانية التي تقول إن بإمكانها إنتاج مليار جرعة لقاح بين سبتمبر (أيلول) ونهاية العام الحالي، لكنها تحذّر من أن «اللقاح قد لا يكون مجدياً»، كما جاء في بيان صدر عنها في 21 مايو (أيار) الماضي. وتشير أيضاً إلى أن «السبيل الوحيد ليكون اللقاح جاهزاً بسرعة، هو المجازفة بإنتاجه من غير الضمانات الكاملة حول فعاليته، وإلا فلن يكون جاهزاً قبل عامين». يذكر أن اللقاح ضد فيروس «إيبولا» استغرق إنتاجه 5 سنوات. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في 26 أبريل (نيسان) الماضي عن قيام تحالف بين عدد من الحكومات والمؤسسات والمختبرات الكبرى لإنتاج لقاح ضد «كوفيد 19» في فترة قياسية، وتوقعت يومها أن يستغرق الإنتاج فترة سنة أو سنة ونصف السنة على أحسن تقدير.
عالمة الوبائيات الفرنسية، ماري بول كيني، التي أشرفت على البحوث اللقاحية في منظمة الصحة العالمية طوال 10 سنوات، تقول إن «اللقاح قد يكون جاهزاً العام المقبل لمجموعات معيّنة مثل الطواقم الصحية، لكن تبقى أسئلة عديدة من غير أجوبة، مثل: ما فعالية اللقاح؟ وكم تدوم فترة الحماية التي يوفّرها؟ وهل سيمنع سريان الفيروس كما يمنع الإصابة به؟». وتتوقع كيني أن يكون الجيل الأول من اللقاحات محدود الفعالية حتى يتمّ التوصّل إلى اللقاح النهائي، وتذكّر على سبيل المثال بأن اللقاح ضد الإنفلونزا هذا العام لا تتجاوز فعاليته 45 في المائة، وأن فعالية اللقاح لن توقف انتشار الوباء إذا كانت فعاليته دون 60 في المائة.
الطريق إلى لقاح ضد «كوفيد ـ 19» لا تزال طويلة وعسيرة
الطريق إلى لقاح ضد «كوفيد ـ 19» لا تزال طويلة وعسيرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة