توقيف خال البشير بتهمة «التهديد بالعنف»

TT

توقيف خال البشير بتهمة «التهديد بالعنف»

أوقفت السلطات السودانية، أمس، القيادي في النظام السابق الطيب مصطفى، خال الرئيس المعزول عمر البشير، باتهامات بينها التهديد بالعنف لإسقاط الحكومة الانتقالية.
وألقت الشرطة القبض على مصطفى تنفيذاً لدعوى مقدمة من «لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989 وإزالة الفساد»، بحق الرجل الذي اشتهر بأنه أحد عرّابي انفصال جنوب السودان.
وحملت لائحة البلاغات تهديدات بإطلاق يد من أطلق عليهم «المجاهدين» لإسقاط الحكومة الانتقالية، و«إثارة الكراهية ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري، والتشكيك في ذمة أعضاء بلجنة التفكيك»، وهي اتهامات قد تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات. كما ألقت الشرطة القبض على قيادي وناشط إسلامي آخر، حاول الدخول عنوة إلى مقر اللجنة، فاقتادته إلى أحد مراكزها.
ودأب مصطفى، وهو خال البشير، على التقليل من الثورة والتشكيك في رموزها والتهديد بإسقاطها، مستغلاً المساحة المتاحة له في إحدى الصحف اليومية، المملوكة لأحد أقارب القيادي الإسلامي الموقوف نافع علي نافع. ورغم إعلان مصطفى استقالته من «حزب المؤتمر الوطني» المحلول، وتأسيس حزب باسم «منبر السلام العادل»، فإنه عاد وحصل على مقعد في البرلمان المعين من قبل البشير، وترأس لجنة الإعلام التابعة له، بدرجة وزير، حتى سقوط النظام في 11 أبريل (نيسان) 2019.
وقال المتحدث باسم «لجنة تفكيك نظام الإنقاذ» صلاح مناع لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن «الشرطة ألقت القبض على مصطفى وسلمته للنيابة العامة للتحري معه على خلفية مقال نشره في صحيفة (الانتباهة) أهان فيه الدولة، وحث فيه كتائب الدبابين (مجموعات مسلحة موالية لنظام الإسلاميين) على تقويض النظام، وهدد باستخدامهم لتقويض الحكومة الانتقالية، وتغيير النظام بالقوة، إضافة إلى تشكيكه في ذمة أعضاء اللجنة».
وبحسب مناع، فإن مصطفى «اتهم أعضاء في اللجنة بالرشوة، ودعا إلى تقويض النظام الدستوري». وأضاف «هو يتحدث عن القانون وفتحنا له بلاغات بموجب القانون، وسيواجه كل القوانين التي خرقها... سنطبق القانون ولو انطبقت السماء والأرض».
وينتظر أن توجه لمصطفى اتهامات لا تتجاوز عقوبتها السجن 10 سنوات وفقاً لقانون «تفكيك نظام الثلاثين من يونيو». وظهر مصطفى في الحياة السياسية السودانية فجأة إثر تولي ابن أخته الرئيس المعزول عمر البشير الرئاسة بانقلاب الإسلاميين في يونيو 1989، الذي أتاح له تسنم الكثير من الوظائف العامة من دون اختصاص، وشغل منصب مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من دون سابق خبرة، إضافة إلى منصب مدير الهيئة العامة للاتصالات.
وفي 2011، قال مصطفى إنه استقال من «المؤتمر الوطني» احتجاجاً على استشراء الفساد، وأسس ما أطلق عليه «منبر السلام العادل»، ودخل في صراعات الإسلاميين البينية، ما نتج منه إيقاف صحيفته وقتها «الانتباهة» التي اشتهرت بالتأليب ضد جنوب السودان. بيد أنه عاد للعمل مع النظام.
وخلال إدارته هيئة الإذاعة والتلفزيون، وضع قيوداً إدارية متشددة لإجبار العاملات في التلفزيون على ارتداء ما يطلق عليه «الزي الإسلامي»، ومنع عرض أعمال تلفزيونية لا ترتدي فيها النساء هذا الزي. واشتهرت فترته في التلفزيون بما عرفت بـ«شبكة المربعات الصغيرة»، وهي شبكة لحجب ما يراه غير ملائم لمفاهيمه للشريعة الإسلامية، كما شغل مصطفى منصب مدير الهيئة العامة للاتصالات.
واشتهر مصطفى بعدائه ومواقفه العنصرية ضد مواطني جنوب السودان، وعرف بأنه أحد عرّابي فصل جنوب السودان عن السودان، ونقل عنه ذبح «ثور أسود» احتفالاً بفصل جنوب السودان، وهو ما أكسبه عداوات واسعة وسط المواطنين، وصعّد من المطالبات بالقبض عليه باعتباره أحد رموز النظام.
من جهة أخرى، نفى مناع أن تكون للجنته علاقة بإلقاء الشرطة القبض على القيادي بمجموعة «حشد» ذات التوجه الإسلاموي والموالية لنظام الإسلاميين المحلول معمر موسى، وقال إن الأخير «يريد صناعة بطولات بمواجهة شرطة تأمين مقر لجنة التفكيك».
وأوضح أن موسى «حاول دخول مقر اللجنة عنوة وتصوير فيديو لايف من داخله، فتصدت له قوة الشرطة المسؤولة عن التأمين، من دون تدخل من الشرطة، فاضطرت إلى توقيفه وتسليمه لشرطة المقرن، وينتظر أن توجه له اتهامات وفقاً لقانون التفكيك».
ومنذ سقوط نظام الإسلاميين، دأب موسى على تنظيم احتجاجات تطالب بإسقاط الحكومة الانتقالية واستعادة سلطة الإسلاميين، بما في ذلك خرق قوانين الطوارئ الصحية وحظر التجول المفروضة في البلاد، لمواجهة جائحة «كورونا».
ويزعم موسى وتنظيمه «حشد» إحدى واجهات الإسلاميين الجديدة، أن السلطات الانتقالية «تستخدم حظر التجول لتبرير فشلها في معالجة مشاكل البلاد». ونظم مواكب هتفت «ما في كورونا، ما تغشونا». قبل أن تودي الجائحة بحياة أحد قادة الإسلاميين، وتصيب قياداتهم المقبوض عليهم في السجون.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.