باريس تدفع باتجاه وقف النار والتدخلات في ليبيا

ماكرون اتصل بالسيسي للتشاور… ولودريان هاتف السراج

TT

باريس تدفع باتجاه وقف النار والتدخلات في ليبيا

«باريس قلقة من تطور الوضع في ليبيا»، وعناوين قلقها، كما يشرحها مصدر رسمي، كثيرة: أولها تدفق المرتزقة السوريين من المعارضة الموالية لتركيا الذين تدربهم في معسكراتها، وتقودهم إلى ليبيا جواً، مرفقين بتدفق كبير للأسلحة من كل نوع. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن أعداد هؤلاء وصلت إلى 11.5 ألف رجل.
وثاني العناوين تعاظم الدور الروسي، مع  إعلان القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا أنّ موسكو أرسلت إلى ليبيا مؤخراً تسع مقاتلات لدعم المرتزقة الروس الذين يقاتلون إلى جانب قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر.
وبحسب قراءة وزير الخارجية جان إيف لو دريان التي عرضها الأربعاء الماضي على أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، فإن الوضع في ليبيا يعيد استنساخ صورة الحرب في سوريا، أي عملياً يقود إلى «سورنة النزاع»، من خلال هيمنة تركيا وروسيا على مسار الحرب السورية، وتغليب أجندتهما على المصالح الليبية.
وبالتوازي مع تعاظم دور أنقرة وموسكو، فإن مقابله، بحسب باريس، «تراجع الدور الأوروبي»، ما يذكر مجدداً بالملف السوري، حيث لم يعد لأوروبا دور ملموس، وحيث ينحصر التأثير بالأطراف التي لها قوات ميدانية، أكانت روسية أم تركية أم أميركية أم إيرانية.
ورغم هذا التشخيص، فإن باريس ما زالت تريد أن تلعب دوراً في الملف الليبي لأسباب تعدها «استراتيجية» بالنسبة لها. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم المشاورات التي تقوم بها الدبلوماسية الفرنسية على أعلى المستويات، وآخرها الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، والآخر بين وزير الخارجية ورئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج.
وسبق لباريس أن نظمت مؤتمرين في 2017 و2018، سعياً وراء إيجاد أرضية تفاهم بين السراج وحفتر، ولكن لم تصب في مساعيها أي نجاح. وأكثر من مرة، استقبلت الرجلين على انفراد للتشاور وللدفع، كما تقول مصادرها، نحو حل سياسي. وآخر زيارة لحفتر إلى باريس تعود إلى 9 مارس (آذار) الماضي، حيث التقى الرئيس ماكرون. لكن باريس متهمة بدعم حفتر، ومده بالدعم العسكري، والوقوف إلى جانبه سياسياً. إلا أنها تنفي ذلك، وتذكر مصادرها أنها وفرت للسراج «دعماً أمنياً»، من خلال تدريب فرق حمايته الشخصية، كما أنها تعترف بحكومته.
ولم يصدر أي تعليق من الإليزيه عن الاتصال مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم السبت الماضي. إلا أن بياناً صادراً عن الرئاسة المصرية أفاد بأن ماكرون والسيسي اتفقا على «تعزيز التنسيق بينهما» من أجل التوصل إلى تسوية سياسية. وليس سراً أن بين باريس والقاهرة تتقاربان في النظرة إلى الملف الليبي، وأن التشاور بينهما متواصل. وتؤكد المصادر الفرنسية أن باريس «تتفهم» هواجس مصر الأمنية ذات الحدود المشتركة المترامية مع ليبيا. إلا أن بين العاصمتين قاسماً مشتركاً إضافياً، هو النظرة «المتشككة» تجاه الدور التركي في ليبيا والمتوسط، ليس فقط عسكرياً ولكن أيضاً لجهة تبعات الاتفاق الاقتصادي الذي أبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بين السراج والرئيس التركي، والذي أثار قلقاً واسعاً في مصر وفرنسا واليونان وقبرص وإسرائيل. وترى هذه الأطراف أن الاتفاق لا يحترم قوانين البحار، ويفتئت على حقوق دول متوسطية، ويدخل عنصر تهديد للاستقرار في مياه المتوسط الشرقي، بسبب طموحات أنقره النفطية والغازية فيها. أما بالنسبة للاتصال بين لودريان والسراج، فقد صدر بيان عن الخارجية، مساء أول من أمس، جاءت فيه أمور ثلاثة: الأول «ضرورة العمل من أجل وقف سريع للأعمال العدائية»، والثاني «العودة إلى المسار السياسي الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر برلين» بداية العام الحالي، والثالث «وضع حد للتدخلات الأجنبية كافة» في ليبيا. وبالنسبة للعودة إلى الهدنة التي لم تعمر طويلاً، فإن باريس شددت على ضرورة العودة إلى الآلية التي اتفق عليها في برلين، عبر تفعيل اللجنة العسكرية «5 زائد 5»، وبموجب اتفاق 23 فبراير (شباط)، برعاية مبعوث الأمم المتحدة.
واضح اليوم أن أوراق باريس في ليبيا تراجعت فاعليتها إلى حد بعيد. وعقب وصول ماكرون مباشرة إلى الرئاسة، سعى إلى لعب الدور الأول في ليبيا، من خلال الجمع بين حفتر والسراج، في ظل تنافس فرنسي - إيطالي. إلا أن صورة الوضع اليوم تبدلت كثيراً، ودخل العامل التركي - الروسي ليحرف أوروبا عما كانت تطمح إلى القيام به في ليبيا. ويرى دبلوماسي عربي في باريس أن الأوروبيين يتخوفون من أمرين: عودة تيار الهجرات المكثف عبر المتوسط الأوسط، من ليبيا باتجاه إيطاليا، والثاني هو الإرهاب. والحال أن جل ما قام به الاتحاد الأوروبي هو إرسال بعثة «إيريني» لوقف تدفق السلاح نحو ليبيا. والحال أن السلاح والمقاتلين مستمرون بالتدفق على ليبيا، والمدهش أن حكومة الوفاق «غير مرتاحة» للمبادرة الأوروبية التي تراها «جزئية».
ورغم هذا الواقع، لا تريد باريس أن تقف مكتوفة اليدين، أو أن تكتم المخاوف والهواجس من تطورات الوضع في بلد لا يبعد أكثر من 200 كلم من الشواطئ الأوروبية، وبالتالي فإنه يهدد الأمن والاستقرار في شمال أفريقيا وبلدان الساحل، وأوروبا نفسها. وسبق للرئيس الفرنسي أن ندد في مؤتمر برلين، بحضور إردوغان، بالدور التركي في ليبيا، وهو ما عاد إليه لو دريان أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، إذ قال بصراحة تامة إن «حكومة الوفاق الوطني، مدعومة من تركيا، تجلب إلى الأراضي الليبية مقاتلين سوريين بأعداد كبيرة، بآلاف عدّة. ولم يخف لو دريان دور روسيا التي تجلب بدورها مرتزقة سوريين إلى ليبيا، ولكن بدرجة أقل»، ولا دور مرتزقة شركة «فاغنر» الأمنية الروسية التي يشاع أنها قريبة من الكرملين. والخروج من هذا الوضع المعقد يمر بالضرورة عبر تنفيذ ما اتفق عليه في برلين، وثلاثيته: وقف النار، وحظر تدفق الأسلحة، وانسحاب القوات الأجنبية كافة. إنها «وصفة» مثالية، لكن المشكلة تكمن في التنفيذ.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.