حميدتي والكباشي... «صديقان» تحت نيران الانتقال السوداني

هل تُخرج نزاعات القبائل «الدعم السريع» من الخرطوم؟

محمد حمدان دقلو (حميدتي)
محمد حمدان دقلو (حميدتي)
TT

حميدتي والكباشي... «صديقان» تحت نيران الانتقال السوداني

محمد حمدان دقلو (حميدتي)
محمد حمدان دقلو (حميدتي)

لا تزال الهزات الارتدادية لحديث نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي)، والذي كشف فيه دور قواته (الدعم السريع) في الثورة والتغيير، ووجّه خلاله اتهامات لأعضاء في المجلس العسكري الانتقالي المنحل (لم يذكرهم) بارتكاب مؤامرة ضد قواته و«شيطنتها»، تلقي بظلالها على المشهد السياسي في البلاد.
وكان حميدتي قد طالب بسجن مسؤولين بسبب الإدلاء بمعلومات غير صحيحة عن اعتقال أحد أشقاء الرئيس السابق عمر البشير. كما قال في أول أيام عيد الأضحى، في مقابلة على فضائية «سودانية 24»، إن قواته (الدعم السريع) وُوجهت بعميات «شيطنة» من المجلس العسكري الانتقالي، ووعد بكشف الضالعين فيه بالاسم لاحقاً، وإن قواته أسهمت في التغيير بإيقافها قوات مدرعة غير نظامية كانت تستهدف فض الاعتصام بالقوة.
وطالب حميدتي بتقديم من أعلنوا القبض على العباس البشير (شقيق الرئيس المعزول)، والذي اتضح لاحقاً أنه هرب خارج البلاد بمساعدة أفراد لم يسمهم، بقوله: «من المفروض أن الذي قال هذا الكلام يحاسب ويعتقل محل العباس ولو كان عضواً في المجلس العسكري أو الأمن أو الاستخبارات، مفروض».
وسبقت ذلك رسالة من حميدتي في بريد أشخاص يسعون لإبعاد قواته من العاصمة الخرطوم، بإثارة النزاعات الإثنية والقبلية، وتشتيتها شرق وغرب البلاد وجنوبها، لحسم النزاعات العرقية التي ما أن تنطفئ نار إحداها تشتعل نيران الأخرى.
وقال عضو المجلس السيادي الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، أثناء زيارته لولاية جنوب كردفان لاحتواء نزاع بين قوات تابعة للجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، قتل خلاله 56 شخصاً، وجرح 41 آخرون بين مدني وعسكري، واتخذ طابعاً إثنياً بين ميليشيات تابعة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع: «المجرم أصبحت له قبيلة ومؤسسة تحميه من الحساب والمساءلة (….) وتشير الدلائل إلى تورط عناصر من القوات النظامية في الجريمة، ووجّهنا بقبض الجناة وتقديمهم للعدالة، وعقد محاكم ميدان للعسكريين». وأشار الكباشي إلى وقوف القبيلة أمام تحقيق العدالة والقبض على المجرمين، بقوله: «المجرم أصبحت له قبيلة ومؤسسة»، وهو ما فهم بأنه تلميح إلى قوات «الدعم السريع».
وخلقت التصريحات المتضاربة التباساً في فهم مغزاها، إذ اعتبرها كثيرون، بناء على تحليلات ذات صفة رغائبية «رسائل مبطنة» لكل منهما في بريد الآخر، بيد أن المحلل السياسي منتصر إبراهيم رفض هذا التحليل، وقال: «رسالة حميدتي موجهة لجهة توفير المعلومات للمجلس، وتحديداً شخصية استخباراتية بعينها، ورساله لفلول النظام المعزول من الإسلاميين، لأن الكباشي من أقرب المقربين لحميدتي».
وذكر مصدر رفض كشفه، أن طبيعة توازن القوى داخل مجلس السيادة، تحول دون مواجهات مباشرة بين أطرافه، لكن التصريحات أياً كان المقصود منها، تكشف «أزمة ثقة» عميقة بين الأطراف، وتستبطن إبعاد «الدعم السريع» من لعبة توازن القوى داخل التكوين الانتقالي الهش.
ويرى الكاتب الصحافي عبد الله رزق أن الجيش و«الدعم السريع» ليس جسماً واحداً، رغم أنف تصريحات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، بأنها ولدت من رحم القوات المسلحة، فهي أنشئت في ظروف الحرب الأهلية في دارفور، وتم تطويرها مع نهايات عمر نظام البشير، لتكون بديلاً للقوات المسلحة، لتردع أي تحرك من الجيش والأمن ضد النظام، في وقت تصطرع فيه مكونات النظام.
ويشير رزق إلى محاولات دمج «الدعم السريع» في الجيش، بقوله: «بدأت بمحاولة دمجها في جهاز الأمن وفشلت، ثم فشل دمجها في القوات المسلحة، وفي آخر أيام البشير تحولت لقوة مستقلة تابعة لرئاسة الجمهورية، ما مكّنها من لعب دور في إزاحة البشير». وتابع: «أصبح لـ(لدعم السريع) موقفه المتميز بين القوات الأخرى، فأصبح جزءاً من صراعات اللجنة الأمنية، ما أتاح له الإسهام في إطاحة البشير».
ويرى رزق أن قوات الدعم السريع أصبحت قوة نافذة، وينتظر أن يلعب قائدها «حميدتي» دوراً سياسياً مستقبلياً قد يصل إلى حكم السودان، ما قد يفجر صراعاً بينه ومجموعات «الأسود والنمور»، التي تفتعل النزاعات في أطراف البلاد، وإشغال قواته بها لإبعاده عن مركز السيطرة في الخرطوم. ويسند رزق إلى حميدتي قوله بالمحاولات المستمرة لتوريط «الدعم السريع» في جريمة فض اعتصام القيادة العامة، ويعتبرها السبب الأساسي لبروز بوادر صراع خفي، دفع الرجل للقول: «فض الاعتصام فخ تم نصبه لقوات الدعم، من قبل جهات تنتحل صفته وسمته، وترتدي أزياءه».
ويستطرد: «وجد حميدتي نفسه في موقف الدفاع عن نفسه وقواته، بمواجهة أطراف داخل القوات المسلحة، بما في ذلك عناصر تم ضمها لـ(الدعم السريع) للقضاء على (حرس الحدود) بقيادة موسى هلال».
ويضع رزق الحديث المنسوب للكباشي في إطار المواجهة بين قوات «الدعم السريع»، وقوات تم ضمها للقوات المسلحة شكلياً ضمن عملية سلام وترتيبات أمنية، وظلت محتفظة باستقلالها، ما جعل الأمر يبدو صراعاً إثنياً بين مجموعتين، ينتمي كلا الطرفين لواحدة منهما، ويتابع: «يبدو أن الفريق كباشي متأرجح بين انتمائه للمجموعة التي اقتتلت مع (الدعم السريع)، وانتسابه للقوات المسلحة التي تنتمي لها المجموعة».



اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
TT

اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)

طالبت السلطة المحلية في محافظة مأرب اليمنية (شرق صنعاء) صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوسيع تدخلاته في المحافظة مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني للنازحين، وقالت إن المساعدات المقدمة تغطي 30 في المائة فقط من الاحتياجات الأساسية للنازحين والمجتمع المضيف.

وبحسب ما أورده الإعلام الحكومي، استعرض وكيل محافظة مأرب عبد ربه مفتاح، خلال لقائه مدير برنامج الاستجابة الطارئة في صندوق الأمم المتحدة للسكان عدنان عبد السلام، تراجع تدخلات المنظمات الأممية والدولية ونقص التمويل الإنساني.

مسؤول يمني يستقبل في مأرب مسؤولاً أممياً (سبأ)

وطالب مفتاح الصندوق الأممي بتوسيع الاستجابة الطارئة ومضاعفة مستوى تدخلاته لتشمل مجالات التمكين الاقتصادي للمرأة، وبرامج صحة الأم والطفل، وبرامج الصحة النفسية، وغيرها من الاحتياجات الأخرى.

ومع إشادة المسؤول اليمني بالدور الإنساني للصندوق في مأرب خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها استجابته الطارئة لاحتياجات الأسر عقب النزوح، بالإضافة إلى دعم مشاريع المرأة ومشاريع تحسين سبل العيش للفئات الضعيفة والمتضررة، أكد أن هناك احتياجات وتحديات راهنة، وأن تدخلات المنظمات الدولية غالباً ما تصل متأخرة ولا ترقى إلى نسبة 30 في المائة من حجم الاحتياج القائم.

وحمّل وكيل محافظة مأرب هذا النقص المسؤولية عن توسع واستمرار الفجوات الإنسانية، وطالب بمضاعفة المنظمات من تدخلاتها لتفادي وقوع مجاعة محدقة، مع دخول غالبية النازحين والمجتمع المضيف تحت خط الفقر والعوز في ظل انعدام الدخل وانهيار سعر العملة والاقتصاد.

آليات العمل

استعرض مدير برنامج الاستجابة في صندوق الأمم المتحدة للسكان خلال لقائه الوكيل مفتاح آليات عمل البرنامج في حالات الاستجابة الطارئة والسريعة، إلى جانب خطة الأولويات والاحتياجات المرفوعة من القطاعات الوطنية للصندوق للعام المقبل.

وأكد المسؤول الأممي أن الوضع الإنساني الراهن للنازحين في المحافظة يستدعي حشد المزيد من الدعم والمساعدات لانتشال الأسر الأشد ضعفاً وتحسين ظروفهم.

النازحون في مأرب يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة (إعلام محلي)

وكانت الوحدة الحكومية المعنية بإدارة مخيمات النازحين قد ذكرت أن أكثر من 56 ألف أسرة بحاجة ملحة للغذاء، وأكدت أنها ناقشت مع برنامج الغذاء العالمي احتياجات النازحين وتعزيز الشراكة الإنسانية في مواجهة الفجوة الغذائية المتزايدة بالمحافظة، ومراجعة أسماء المستفيدين الذين تم إسقاط أسمائهم من قوائم البرنامج في دورته الأخيرة، وانتظام دورات توزيع الحصص للمستفيدين.

من جهته، أبدى مكتب برنامج الأغذية العالمي في مأرب تفهمه لطبيعة الضغوط والأعباء التي تتحملها السلطة المحلية جراء الأعداد المتزايدة للنازحين والطلب الكبير على الخدمات، وأكد أنه سيعمل على حشد المزيد من الداعمين والتمويلات الكافية، ما يساعد على انتظام توزيع الحصص الغذائية في حال توفرها.

خطط مستقبلية

بحث وكيل محافظة مأرب، عبد ربه مفتاح، في لقاء آخر، مع الرئيس الجديد لبعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، عبد الستار يوسف، الوضع الإنساني في المحافظة، وخطط المنظمة المستقبلية للتدخلات الإنسانية خصوصاً في مجال مشاريع التنمية المستدامة والتعافي المجتمعي والحاجة لتوسيع وزيادة حجم المساعدات والخدمات للنازحين واللاجئين والمجتمع المضيف، وتحسين أوضاع المخيمات وتوفير الخدمات الأساسية.

وكيل محافظة مأرب يستقبل رئيس منظمة الهجرة الدولية في اليمن (سبأ)

وطبقاً للإعلام الحكومي، قدّم الوكيل مفتاح شرحاً عن الوضع الإنساني المتردي بالمحافظة التي استقبلت أكثر من 62 في المائة من النازحين في اليمن، وزيادة انزلاقه إلى وضع أسوأ جراء تراجع المساعدات الإنسانية، والانهيار الاقتصادي، والمتغيرات المناخية، واستمرار النزوح إلى المحافظة.

ودعا الوكيل مفتاح، المجتمع الدولي وشركاء العمل الإنساني إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية في استمرار دعمهم وتدخلاتهم الإنسانية لمساندة السلطة المحلية في مأرب لمواجهة الأزمة الإنسانية.

وأكد المسؤول اليمني أن السلطة المحلية في مأرب ستظل تقدم جميع التسهيلات لإنجاح مشاريع وتدخلات جميع المنظمات الإنسانية، معرباً عن تطلعه لدور قوي وفاعل للمنظمة الدولية للهجرة، إلى جانب الشركاء الآخرين في العمل الإنساني في عملية حشد المزيد من الموارد.

حريق في مخيم

على صعيد آخر، التهم حريق في محافظة أبين (جنوب) نصف مساكن مخيم «مكلان»، وألحق بسكانه خسائر مادية جسيمة، وشرد العشرات منهم، وفق ما أفاد به مدير وحدة إدارة المخيمات في المحافظة ناصر المنصري، الذي بين أن الحريق نتج عن سقوط سلك كهربائي على المساكن المصنوعة من مواد قابلة للاشتعال، مثل القش والطرابيل البلاستيكية.

مخيم للنازحين في أبين احترق وأصبح نصف سكانه في العراء (إعلام محلي)

وبحسب المسؤول اليمني، فإن نصف سكان المخيم فقدوا مساكنهم وجميع ممتلكاتهم، بما فيها التموينات الغذائية، وأصبحوا يعيشون في العراء في ظل ظروف إنسانية قاسية. وحذر من تدهور الوضع الصحي مع زيادة انتشار الأوبئة وانعدام الخدمات الأساسية.

وطالب المسؤول السلطات والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية بسرعة التدخل لتقديم الدعم اللازم للمتضررين، وفي المقدمة توفير مأوى طارئ ومساعدات غذائية عاجلة، إلى جانب المياه الصالحة للشرب، والأغطية، والأدوية.