وسائل التواصل تخلط بين أخبار «كوفيد ـ 19» العاجلة... والكاذبة

وسائل التواصل تخلط بين أخبار «كوفيد ـ 19» العاجلة... والكاذبة
TT

وسائل التواصل تخلط بين أخبار «كوفيد ـ 19» العاجلة... والكاذبة

وسائل التواصل تخلط بين أخبار «كوفيد ـ 19» العاجلة... والكاذبة

في الماضي كانت الأخبار العاجلة تذاع في النشرات التلفزيونية المسائية أو تنشر في عناوين صحف اليوم التالي. أما الآن فإن ما يحدث في قرى نائية يبث فورا على وسائل التواصل الاجتماعي وينتشر فورا حول العالم. ولكن المعرفة الفورية بما يحدث في أركان المعمورة تشوبها نواقص خطيرة، منها بث الأخبار الكاذبة والإشاعات وعرض المعلومات أحيانا بلا مهنية ومن جانب واحد وبشرح يفتقد إلى الحرفية.
وهكذا تكون السرعة في نقل الأخبار أحيانا على حساب المصداقية ويتعين على القارئ أن ينتظر تأكيد الأخبار ونشرها مرة أخرى من مصادر موثوقة. ويقرأ المتصفح للإنترنت يوميا عشرات الوصفات لعلاج «كوفيد - 19» التي قد يكون ضررها أكثر من نفعها.
وفي عصر الأخبار السريعة، انتهت أيام انتظار الأخبار العاجلة في صحف صباح اليوم التالي ومعرفة أخبار نجوم المجتمع من المجلات الفنية. فالقارئ اليوم يعتمد على تطبيقات الهاتف الجوال والحصول على المعلومات رقميا من الإنترنت ومن وسائل التواصل الاجتماعي في معظم الأحيان.
ولأن الإنترنت مصدر المعلومات الأول لعدد يفوق 2.4 مليار مستخدم يوميا، فإن نسبة 65 في المائة من المستخدمين يتلقون هذه المعلومات من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وسنابشات وإنستغرام. وفي إحصاء ميداني، اعترف نصف المستخدمين أنهم عرفوا عن الأخبار العاجلة من وسائل التواصل قبل إعلانها من محطات ومواقع الأخبار الرسمية. ويتفوق فيسبوك بنشر 43 في المائة من الأخبار العاجلة لجمهور عريض حول العالم يتعرف عليها فورا من أجهزة محمولة.
بعد الاطلاع على عناوين الأخبار العاجلة يذهب المهتمون بها إلى مواقع الأخبار، من الصحف والوكالات، للتعرف على المزيد من التفاصيل. وفي حالات الأخبار المهمة يرتفع الإقبال على مواقع الأخبار بنسبة تفوق 50 في المائة عن المعدل المعتاد.
ومع ذلك، فإن النسبة الكبرى المقبلة على مواقع الأخبار لا تتعدى في قراءتها العناوين والفقرة الأولى ثم تنتقل إلى موضوعات أخرى. ففي العصر الحديث لم يعد هناك وقت لقراءة مقالات طويلة على الإنترنت فالمجال الأصلح لها هو الصحف والمجلات الدورية. ويقضي القارئ العادي في المتوسط 15 ثانية فقط في قراءة الخبر و10 ثوان في مشاهدة فيديو الأخبار التي تبث على الإنترنت.
وعلى عكس الاعتقاد السائد اجتماعيا، فإن وسائل التواصل لديها الآن درجة من التحكم في الأخبار التي تنشر على مواقعها، وهي تقوم عمليا بمهمة «مدير التحرير» في الإعلام التقليدي. فالأخبار التي تنشر يجب أن تحصل على العديد من المشاركات والـ«لايكات» من المستخدمين قبل أن تنشرها مواقع التواصل على نطاق واسع بين جمهورها العام.
وتتنافس أيضا مواقع الأخبار الكاذبة بعناوين جذابة لجلب اهتمام القراء لدواعي زيادة الإقبال عليها وضمان الدخل الإعلاني. ولا يعرف المستخدم العادي الفارق بين الأخبار الحقيقية والكاذبة إلا بعد إجراء بحث متعدد المصادر، وهو ما لا يقوم به معظم المستخدمون.
ولكن الملاحظ أن الأخبار الكاذبة بعناوينها المثيرة وقصصها الغريبة تنال قسطا أوفر من الانتشار بين القراء الذين يكتفون بقراءة عناوينها ولا يتحققون من صحتها.
وبالإضافة إلى الأخبار الكاذبة المنتشرة على الإنترنت هناك أيضا مواقع مشهورة بعرض الأخبار السريعة والعاجلة قبل غيرها وإرسالها إلى المشتركين في خدمتها. وأحد النماذج موقع «بزفيد» الذي يتمتع باشتراك 17.2 مليون مشترك. ويحقق الموقع إقبالا إعلانيا من الشركات التي تريد لمنتجاتها وخدماتها أن تحصل على أكبر قدر من المشاهدة على الإنترنت.
يساهم الوقع السريع للأخبار على كثافة المتابعة، خصوصا في عصر «كوفيد - 19» الذي يتلهف القراء فيه على متابعة آخر تطوراته حول العالم وأي إشارات لوجود تطعيم فعال ضده.
وجراء التطور التقني، يستطيع أي شخص يحمل جوالا أن يصور ما يحدث في الشارع ويبثه على الإنترنت. هذا الصحافي المواطن يختلف تماما عن الصحافي المحترف في أنه قد لا يتحرى الدقة ولا يهتم بالمصادر ولا بالموضوعية وأحيانا أيضا لا يلتزم بأخلاقيات المهنة.
يشير كتاب «الإعلام العربي في عالم مضطرب» لمجموعة من الخبراء إلى أن الصحافي المواطن قد يتسبب في نتائج غير متوقعه مثلما حدث في عام 2008 عندما ذكر أحد الأخبار الكاذبة أن ستيف جوبز مؤسس أبل أصيب بنوبة قلبية، وتلا ذلك هبوط سريع في أسهم الشركة.
وعلى المستوى العربي لم تعد وسائل الإعلام تحتكر نشر وبث الأخبار العاجلة، ولكنها تحتفظ بأعلى قدر من المصداقية لأنها ما زالت تحافظ على القيم الصحافية وتلتزم بالكفاءة المهنية التي لا تراعيها مصادر الأخبار السريعة الأخرى. فالمواطن الصحافي يأخذ لمحات سريعة من العالم، وينشرها بلا تدقيق أو تمحيص في زمن قياسي، بينما يعيش الصحافي المحترف أعماق وأبعاد الأخبار التي تنشر متكاملة وموثوقة ولكن بعد حين.
يدعو خبراء إلى تكامل وربما دمج نوعي الإعلام الفردي والمحترف في قالب واحد للنشر السريع من ناحية والتمحيص من ناحية أخرى. ومثل هذا النموذج يمكنه أن يتلافى أخطاء نظم الإعلام الموجهة التي كانت سائدة في حقبة سابقة.
وأبرز نموذج على الأخبار الكاذبة التاريخية ما بثته إذاعة «صوت العرب» المصرية أثناء حرب عام 1967 بتعداد سقوط الطائرات الإسرائيلية خلال أول ثلاثة أيام من الحرب في الوقت الذي كان سلاح الطيران المصري قد انتهى قبل أن يغادر المطارات. وتراجعت المحطة بعد ذلك مع ابتكار لفظ «النكسة» لوصف هزيمة عسكرية مأسوية.
هذا النموذج التاريخي لاحتكار الأخبار لا يمكن أن يتكرر في الوقت الحاضر، حيث المصادر المتعددة والبث الفوري. كما أن الكذب في مسار الأحداث ينكشف فورا وليس بعد عدة أيام. فالواقع الحالي للأخبار لا يسمح باحتكار وسائل إعلام رسمية للأخبار ولا استبدال الوقائع من خلال أخبار وهمية.
من الملاحظات الأخرى في ركوب موجة الأخبار العاجلة في المنطقة العربية في بعض الأحيان أنها قد لا تتميز بالاحتراف في تقديم الأخبار. وتلهث معظم المواقع وراء زيادة مرور المشاهدين من أجل الحصول على دخل إعلاني. ويمكن لأي باحث عن موضوع معين أن يرصد عشرات المواقع المضللة التي تجذب القارئ إليها بعناوين مداخلها قبل أن يكتشف أنها خاوية المحتوى.
من النماذج الحالية، البحث عن مسلسلات رمضان المشهورة هذا العام مثل «البرنس» أو «الاختيار». سوف يجد الباحث على يوتيوب مئات المواقع التي تدعي نشر الحلقات بأرقامها، ولكنها في الواقع مواقع كاذبة تنشر محتويات مغايرة وتطلب «الاشتراك في القناة من أجل المزيد». وتتسم بعض مواقع الأخبار العاجلة العربية بتهويل الأحداث وأحيانا في صيغتها بتحيز يخدم أطرافا معينة وتحاول بها خداع المتلقي.
الأخبار العاجلة أضحت جزءا حيويا من الإعلام في عالم اليوم وهي ما يسعى المتابع للاطلاع عليها. ولعل السباق اليومي للتعرف على آخر أخبار فيروس «كوفيد - 19» ومدى انتشاره وهل من تطعيم ضده هو أكبر دليل على أهمية البث السريع للأخبار العاجلة الحيوية.
ففي حين يتعرف القارئ على إحصاءات الإصابة والوفاة اليومية والإجمالية ومقارنتها بدول العالم الأخرى، إلا أنه يطلع أيضا على أخبار عاجلة لا مصداقية لها مثل اكتشاف علاجات طبيعية او كيميائية للمرض ووصفات للحماية منه. وهذا الجانب من الأخبار العاجلة له أضرار على الصحة العامة وقد يؤدي إلى زيادة الإصابات وليس إلى تحجيمها.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.