نفى متحدث في قسم السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن تكون العقوبات الغربية هي سبب المصاعب الاقتصادية التي يشعر بها السوريون، قائلاً إن «النظام السوري يتحمل مسؤولية كبيرة عن الأزمة الإنسانية والاقتصادية». وقال بيتر ستانو، المتحدث باسم جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية الأوروبية لـ«الشرق الأوسط» أمس: «هذا يشمل الرفض المتعمد للمساعدات الإنسانية لمناطق سوريا كجزء من الاستراتيجية المناهضة للمعارضة، أو تجاهلها الصارخ للقانون الإنساني الدولي، كما يتجلى في الهجمات الكيمياوية ضد السكان، وكذلك استهداف الطائرات العسكرية للبنى التحتية المدنية، بما في ذلك المرافق الصحية». وقال مصدر آخر إنه منذ الخريف الماضي يتم إلقاء اللوم على العقوبات الغربية في انهيار الاقتصاد السوري؛ حيث يدعي البعض أن الاتحاد الأوروبي يشن حرباً اقتصادية على سوريا: «والانهيار الاقتصادي حقيقي، ولكن يجد أسبابه في تعطيل معظم القنوات التجارية والمالية عبر لبنان، بسبب استمرار الأزمة المصرفية الحادة هناك». وقرر الاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات على النظام السوري والمتعاونين معه لمدة عام ينتهي مع مطلع يونيو (حزيران) من العام القادم. وأدان مصدر في وزارة الخارجية السورية القرار الأوروبي. وقال بيتر ستانو، إن العقوبات الأوروبية على النظام السوري والمتعاونين معه: «ليست مرتبطة بالعقوبات الأميركية، ويتم تحديد العقوبات وتنفيذها في إطار مسار منفصل تماماً لا يرتبط بما تتخذه واشنطن من عقوبات في هذا الملف». وهي بدأت منذ 2011، رداً على القمع العنيف الذي يمارسه النظام السوري على السكان المدنيين. ولمح المتحدث الأوروبي في الوقت نفسه إلى أنه في إطار نهج الاتحاد الأوروبي المستهدف لاستخدام العقوبات، فقد جرى تصميم العقوبات ضد النظام السوري لتجنب إعاقة توريد المساعدات الإنسانية، ونتيجة لذلك لا يخضع تصدير الأغذية أو الأدوية أو المعدات الطبية لعقوبات الاتحاد الأوروبي. وعن الشروط السياسية المطلوبة لإلغاء هذه العقوبات، اعتاد التكتل الأوروبي الموحد على قول إن استمرار الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات مرتبط باستمرار القمع ضد المدنيين في سوريا. وقال: «تماشياً مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا، فإن التكتل الموحد قرر الإبقاء على التدابير التقيدية ضد النظام السوري وأنصاره، ورجال الأعمال الذين يمولونهم ويستفيدون من علاقتهم بالنظام ومن اقتصاد الحرب». وأشار البيان إلى أن الاتحاد الأوروبي أزال من قائمة العقوبات شخصين متوفيين، وأصبحت تضم الآن 273 شخصاً، يشملهم حظر السفر وتجميد الأصول، بالإضافة إلى 70 كياناً.
طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».
ثغرات تسهل الخرق
ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).
ظروف صدور القرار
فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».
صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.
وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».
هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟
يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».
سيناريو 2006
وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».
وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».
وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».