أوروبا تمضي قدماً في «خطة إنقاذ» بـ750 مليار يورو

«نصيب الأسد» لإيطاليا وإسبانيا

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلين خلال مناقشات البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلين خلال مناقشات البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس (إ.ب.أ)
TT

أوروبا تمضي قدماً في «خطة إنقاذ» بـ750 مليار يورو

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلين خلال مناقشات البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلين خلال مناقشات البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس (إ.ب.أ)

خطا الاتحاد الأوروبي أمس الأربعاء خطوة تاريخية بموافقة المفوضية الأوروبية على برنامج الإنقاذ الاقتصادي من أزمة «كوفيد - 19» بقيمة 750 مليار يورو، منها 500 مليار يورو على شكل مساعدات وهبات غير قابلة للسداد، و250 مليارا من القروض الميسّرة للدول التي تضرّرت من الوباء. وتحصل إيطاليا على حصة الأسد من هذه المساعدات بقيمة 81 مليار يورو، تليها إسبانيا التي ستحصل على 75 مليارا.
هذه الخطوة التي تدفع الاتحاد، للمرة الأولى في تاريخه منذ 60 عاماً، إلى الاقتراض من أسواق المال بنسبة عالية جداً من موازنته وتخصيص 66 بالمائة من هذه القروض كهبات إلى الحكومات المتضررة من الكارثة الوبائية، استقبلتها عواصم الجنوب الأوروبي بالارتياح والتفاؤل، فيما أطلقت صفّارات الإنذار في بعض العواصم الشمالية التي تعترض على مبدأ منح مساعدات غير مشروطة للدول الأعضاء. وقالت مصادر المفوضية إن القروض لن تخضع لنظام الحصص المعمول به في الاتحاد، لكنها ستُمنح وفقاً لضمانات تحول دون الإفراط في استخدامها.
وقبل أن تعرض رئيسة المفوضية الخطة أمام البرلمان الأوروبي ظهر أمس الأربعاء، كان مفوّض الشؤون الاقتصادية والرئيس السابق للحكومة الإيطالية باولو جنتيلوني، الذي كان أحد الدعاة الرئيسيين لهذه الخطة، قد كشف عن حجمها المالي عبر حسابه على تويتر تحت عنوان «الجيل المقبل من الاتحاد الأوروبي».
لكن هذه الخطة، على ضخامة حجمها المالي، ما زالت بعيدة عن الاقتراح الذي تقدّم به البرلمان الأوروبي مطلع هذا الشهر بأن تكون بقيمة تريليوني يورو. وبعد أن تمرّ هذه الخطة في غربال البرلمان، لا بد أن تحظى بموافقة حكومات الدول الأعضاء، حيث من المتوقع أن تدور معركة حادة بين دول الجنوب وصقور الشمال. الموعد الأول المرتقب لهذه المعركة سيكون في قمّة الشهر المقبل، لكن الموافقة على صيغتها النهائية يرجّح أن تحصل في يوليو (تمّوز) خلال القمة الأولى التي ستنعقد تحت الرئاسية الألمانية للاتحاد.
هذه «القفزة النوعيّة في التضامن الأوروبي»، كما وصفها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بورّيل، تثير مخاوف عميقة لدى بعض دول الشمال الأوروبي التي تخشى أن تكون بداية لما سموه «اتحاد الديون»، بينما ترى فيها دول الجنوب مؤشراً يبعث على الأمل وتعويضاً منصفاً للحفاظ على السوق الداخلية الأوروبية التي ترجح كفتها بقوة نحو الشمال، والتي يمكن أن تنهار كليّاً من غير هذه المساعدات للخروج من أزمة «كوفيد - 19».
وتجدر الإشارة إلى أن المساعدات الحكومية التي سمحت بها المفوضية في بداية الأزمة تقارب تريليوني يورو، لكن نصفها تقريباً قدّمتها الحكومة الألمانية للشركات الوطنية، فيما لم تبلغ هذه المساعدات في إيطاليا وإسبانيا 5 بالمائة. وهذا ما دفع برلين إلى تعديل موقفها في الأسابيع الأخيرة أمام الخشية من أن يؤدي هذا الخلل إلى انهيار السوق الداخلية الأوروبية إذا لم تتمكن المؤسسات من التنافس على قدم المساواة.
ولتمويل هذه الخطة ستلجأ المفوضية إلى أسواق المال، كما سترفع مؤقتاً سقف الموارد الخاصة في الموازنة العادية من 1.2 بالمائة إلى 2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي لبلدان الاتحاد.
وتقوم هذه الخطة التي قدمتها أورسولا فان در لاين على محاور ثلاثة: الأول بقيمة 80 بالمائة من المجموع يخصّص للاستثمارات والإصلاحات في قطاعات أساسية يتمّ تحديدها بإشراف خبراء الاتحاد، والثاني لاستئناف النشاط الاقتصادي من خلال اجتذاب الاستثمارات من القطاع الخاص. أما المحور الثالث فيقتصر على قطاع الصحة والدفاع المدني بقيمة 9.4 مليار يورو.
وبينما شدّدت رئيسة المفوضية في مداخلتها أمام البرلمان الأوروبي على أن «أحداً لن يتمكّن من الخروج وحده من هذه الأزمة»، قال ناطق بلسان الحكومة الهولندية إن المفاوضات حول الصيغة النهائية للخطة ستكون طويلة وعسيرة.
وفي سياق ذي صلة، يتوقع البنك المركزي الأوروبي تراجعا اقتصاديا حادا في منطقة اليورو بسبب تداعيات جائحة «كورونا». وقالت رئيسة البنك، كريستين لاغارد، خلال مناقشة عبر الإنترنت مع شباب أمس الأربعاء، إنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد في منطقة اليورو هذا العام بنسبة تتراوح بين 8 إلى 12 بالمائة، موضحة أن سيناريوهات التوقعات، التي افترضت انكماشا أقل، صارت قديمة حاليا، مضيفة أنه من المتوقع أن تكون هناك نظرة أفضل للوضع الاقتصادي مطلع يونيو (حزيران) المقبل.
ومن المنتظر أن ينشر البنك المركزي الأوروبي بعد ذلك توقعات جديدة بشأن النمو والتضخم في إطار اجتماعه لتحديد أسعار الفائدة. ويعتقد محللون أنه من الممكن أن يقوم البنك المركزي بتوسيع برنامج شراء السندات المالية «بي إي بي بي» عن حجمه الحالي الذي يبلغ 750 مليار يورو. وقدم رئيس البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دي غالهاو ومديرة البنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل مؤخرا اقتراحات في هذا الاتجاه.
وأعربت لاغارد عن ثقتها في أن منطقة اليورو لن تنزلق إلى أزمة ديون جديدة مثلما حدث ابتداء من عام 2010،على الرغم من الارتفاع الحاد في الدين الحكومي. مبررة ذلك بتكاليف الفائدة «المنخفضة للغاية» حاليا. وأوضحت أنه لمكافحة أزمة «كورونا» لا يُنصح فقط باستخدام الديون، بل إن ذلك هو الطريق السليم.



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).