«لحفظ ماء الوجه»... إيران غيّرت نهجها في العراق بعد مقتل سليماني

عراقيات يتجمعن في موقع مقتل سليماني والمهندس قرب مطار بغداد (رويترز
عراقيات يتجمعن في موقع مقتل سليماني والمهندس قرب مطار بغداد (رويترز
TT

«لحفظ ماء الوجه»... إيران غيّرت نهجها في العراق بعد مقتل سليماني

عراقيات يتجمعن في موقع مقتل سليماني والمهندس قرب مطار بغداد (رويترز
عراقيات يتجمعن في موقع مقتل سليماني والمهندس قرب مطار بغداد (رويترز

يعكف دبلوماسيان في الخفاء على قيادة جهود إيران، للتأثير على السياسة في العراق، في تحول عن أسلوب فرض الإرادة، الأكثر صرامة، الذي كان ينتهجه القائد العسكري الراحل قاسم سليماني، الذي قُتل في ضربة جوية أميركية.
وكان هدف الأساليب التوافقية هو كسر الجمود السياسي في بغداد؛ حيث تتصارع إيران مع الولايات المتحدة على النفوذ منذ نحو عقدين من الزمن، وأيضاً لتسريع رحيل نحو 5000 جندي أميركي من العراق، وفق ما ذكره 3 مسؤولين إيرانيين بارزين يشاركون في العملية لوكالة «رويترز».
وقال مسؤول إيراني رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن اسمه: «أحياناً ينبغي لك أن تأخذ خطوة إلى الخلف، وتراقب وتخطط بناء على الحقائق على الأرض».
وأضاف: «نحن نريد أن يرحل الأميركيون عن المنطقة. إذا كانت هناك فوضى في العراق... فسيستغلها الأميركيون ذريعة لتمديد بقائهم».
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن لا تتدخل في السياسة العراقية.
واقتربت واشنطن وطهران من حافة الحرب في وقت سابق هذا العام، بعد هجمات صاروخية على قواعد عراقية تستضيف قوات أميركية، وضربات جوية أميركية على فصائل مسلحة، منها ضربة جوية قتلت سليماني في يناير (كانون الثاني) في بغداد.
وكان سليماني قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني يوجّه الحلفاء السياسيين في العراق، ويخوض 4 حروب بالوكالة في الشرق الأوسط، وسعى لفرض إرادته على السياسة في بغداد.
ومنذ مقتله، أجرى المسؤولون الإيرانيون محادثات جادة مع الرئيس العراقي برهم صالح للمرة الأولى منذ سنوات، بهدف بناء الثقة، وضغطوا على حلفاء إيران الشيعة، للتوصل إلى حلّ وسط لإنهاء جمودٍ حال دون تشكيل حكومة مستقرة. غير أن بعض المصادر العراقية حذرت من أن المسؤولين الذين يأتون إلى العراق تربطهم أيضاً صلات بـ«الحرس الثوري»، ويمتلكون سنوات من الخبرة في التعامل مع الشؤون العراقية ونفوذاً كبيراً على كثير من الفصائل السياسية والمسلحة.
ولم يتسنَ لـ«رويترز» الحصول على تعليق من كلٍ من وزارة الخارجية الإيرانية، وسفارة طهران في بغداد، بشأن الاتصالات بين المسؤولين الإيرانيين، والحكومة العراقية، وزعماء الفصائل المسلحة. ولم يتسنَ أيضاً الاتصال بمكتب صالح للتعليق بخصوص دور إيران في العراق.

رئيس وزراء جديد

كانت النتيجة الأبرز على الإطلاق للنهج الإيراني الجديد تعيين البرلمان هذا الشهر رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، مدير المخابرات السابق، الذي تنظر إليه بعض الجماعات المتحالفة مع إيران بعين الريبة، بسبب علاقاته الودية مع الولايات المتحدة. ولم يرد مكتب الكاظمي حتى الآن على طلبات للتعليق من أجل هذا التقرير.
وعانى العراق من اضطراب سياسي شديد، بعدما استقال رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، الذي كانت تدعمه إيران، في نوفمبر (تشرين الثاني)، في مواجهة احتجاجات واسعة على المصاعب الاقتصادية ومزاعم بفساد النخبة الحاكمة.
وقال مسؤول عراقي رفيع إن الرئيس صالح عارض المرشحين المفضلين للأحزاب المتحالفة مع إيران لخلافة عبد المهدي، باعتبارهم مثيرين للشقاق بدرجة كبيرة بالنسبة للسنة والأكراد.
وفي مارس (آذار)، قام علي شمخاني، أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، بزيارة رسمية، تناول خلالها الطعام مع صالح في القصر الرئاسي. وقال مسؤول آخر: «بعد زيارة شمخاني، سارت الأمور أكثر سلاسة». وأضاف: «أظهرت إيران أنها مستعدة للعمل، مع إبداء بعض الاحترام للسيادة العراقية، ومستعدة لترك العراق يختار حكومته». ولم يصدر تعليق من مكتب شمخاني أو المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني.
وبرز اسم الكاظمي، باعتباره الأوفر حظاً لمنصب رئيس الوزراء، على الرغم من أن بعض الفصائل المسلحة المدعومة من إيران لا تزال تعارضه. وجاهر فصيل مسلح بالإشارة إلى أن الكاظمي ضالع في مقتل سليماني، في ضوء توليه رئاسة جهاز المخابرات العراقي الذي أسسه الأميركيون بعد غزو العراق. وقال جهاز المخابرات، في بيان، إن هذا الاتهام باطل.
وفي منزل قيادي شيعي في بغداد، قبل ساعات من تصويت البرلمان على حكومة الكاظمي، أقنع حسن دانائي المسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية، وإيرج مسجدي السفير الإيراني الحالي في العراق، رؤساء أحزاب وقادة فصائل شبه عسكرية بدعم الكاظمي.
وقال مسؤول بفصيل مسلح، مقرب من «منظمة بدر» ذات النفوذ في العراق، تلقى إحاطة بشأن الاجتماع: «كانت رسالة الوفد الإيراني واضحة... الكاظمي هو الخيار الوحيد المتبقي للحفاظ على بعض الاستقرار في العراق ولحفظ ماء الوجه».

المخاطر لا تزال قائمة

قال نائب عن «حزب الدعوة»، الذي هيمن على الحكومة العراقية حتى عام 2018، إن بعض الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق لا تثق في الكاظمي، بسبب تصورات عن قربه من واشنطن، عدو طهران اللدود.
فعلى الرغم من أن دانائي ومسجدي فعلا ما يكفي لكسب الأصوات اللازمة لتنصيب الكاظمي، فإن بعض الفصائل المسلحة تقول إنها لا تزال تشعر بالمرارة ويساورها الشك. وقالت «كتائب حزب الله» التي تدعمها إيران، ووجّهت الاتهام الخاص بمقتل سليماني، إن طهران مارست ضغطاً هائلاً في سبيل الموافقة على الكاظمي.
وشبّه جواد الطليباوي، وهو مسؤول في «عصائب أهل الحق» المدعومة من إيران، الموافقة على الكاظمي، بالإجبار على أكل جيفة.
ويعزو بعض المسؤولين العراقيين موقف إيران الأكثر مرونة إلى ضغوط العقوبات الأميركية، وانتشار فيروس كورونا على نحو مدمر فيها، ومقتل سليماني.
وعندما أصبح الكاظمي رئيساً للوزراء، مدّدت الولايات المتحدة إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على إيران 4 أشهر، ما يسمح لبغداد باستيراد موارد الطاقة الإيرانية، وهو ما يمثل شريان حياة اقتصادياً لطهران. وقالت واشنطن إن هذا التنازل يهدف إلى دعم الحكومة الجديدة.
وذكر مسؤول غربي أن طهران ترغب على ما يبدو في الحدّ من التوتر العسكري مع الولايات المتحدة «في الوقت الحالي»، لكن نزعتها التوسعية في المنطقة حيث يوجد حلفاء لها في لبنان وسوريا واليمن لا تشير إلى تهدئة شاملة للتوتر.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».