اللبنانيون المقيمون في إسرائيل... عملاء أم ضحايا إهمال الدولة؟

قانون عفو لإعادتهم بعد 20 عاماً

TT

اللبنانيون المقيمون في إسرائيل... عملاء أم ضحايا إهمال الدولة؟

تقول رجاء بشارة، من قرية دير ميماس في قضاء مرجعيون في الجنوب اللبناني، إن ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي» اغتالت شقيقها خالد، مطلع ثمانينات القرن الماضي؛ لأنه كان ناشطاً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويسهل هروب الرافضين الالتحاق بالخدمة العسكرية. لذا اغتالوه، وفخخوا حول جثته ليمنعوا أي محاولة لسحبه ودفنه، وكانوا يدعون حينها أنه فلسطيني الجنسية... «حرقوا قلب أمي». فهي لا تنسى أنهم قتلوه، وبقي ثلاثة أيام حتى تمكن رفاقه من سحبه.
ويقول شاب لبناني من أبناء بلدة القليعة لـ«الشرق الأوسط»، متحفظاً عن ذكر اسمه، إن «عمتي جميلة التي كانت تخدم في المنازل منذ عمر 13 عاماً لتمويل ذهاب أشقائها إلى المدرسة، وتزوجت في السادسة عشرة من عسكري، استشهد خلال قصف إسرائيلي لفدائيين فلسطينيين في الجنوب اللبناني، لم تجد سوى عائلة إسرائيلية تقيها الفقر والحاجة، فعملت لديها منذ ثمانينات القرن الماضي، وهي اليوم تصنف عميلة، في حين يسرح كبار العملاء ممن أصبحوا أثرياء، ولا أحد يسائلهم».
هذا الشاب كما رجاء، هما مسيحيان يساريان، يرفضان التعامل مع إسرائيل. ولكل منهما وجهة نظر تستحق التوقف عندها بشأن اللبنانيين الذي غادروا إلى إسرائيل عشية تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو (أيار) من عام 2000، المتزامنة ذكراه العشرين مع السجال المرافق لمشروع قانون العفو، وتحديداً البند السادس من المادة الأولى، الذي ينص على «العفو للذين لم ينضووا عسكرياً وأمنياً، بمن فيهم عائلات المواطنين من ميليشيا (جيش لبنان الجنوبي)، عن جُرمي دخول أراضي بلاد العدو واكتساب جنسيته، شرط التنازل أو التخلي عنها قبل عودتهم إلى لبنان».
و«جيش لبنان الجنوبي» (جيش لحد)، تأسس في عام 1976 في منطقة مرجعيون الجنوبية، على يد الضابط سعد حداد المنشق عن الجيش اللبناني. ليتسلم القيادة الضابط في الجيش اللبناني أيضاً، أنطوان لحد، في عام 1984. وقام بأعمال قتل وتعذيب بحق لبنانيين وفلسطينيين، وتلقى الدعم العسكري واللوجيستي من وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وفي غياب الأرقام الرسمية لعدد اللبنانيين الذين فروا إلى إسرائيل مع التحرير، فإن عددهم كان يقدر بنحو 8 آلاف شخص، بينما يتراوح عدد الباقين منهم في إسرائيل اليوم بين 3000 و3500 شخص، إذ تمكن بعضهم من الهجرة إلى دول أخرى. ويرفض البعض الآخر العودة بعد 20 عاماً، حصل خلالها على الجنسية الإسرائيلية، واندمج في المجتمع، وخدم في الجيش الإسرائيلي. ومنهم من وُلد وترعرع في إسرائيل، ولا يعرف وطناً آخر.
ويتحدث ابن القليعة، عن «ابن عائلة هربت إلى إسرائيل، وكان في السابعة من عمره، لم يحتمل الحياة هناك. هرب وعاد إلى لبنان متسللاً، وعاش لدى أقاربه. وعندما أصبح شاباً استرد منزل أهله ويقيم فيه».
وتقول رجاء بشارة إن «الحديث عن قانون العفو يعيدنا إلى عام 1976 عندما أسس سعد حداد (جيش لبنان الحر) تحت عنوان (حماية المسيحيين من الفلسطينيين)، مستفيداً من (أخطاء) الكفاح الفلسطيني المسلح في جنوب لبنان، وهجومهم على قريتي العيشية ومشقية، وتهجير الأهالي منهما».
وتوضح بشارة أن «الإسرائيليين حرصوا حينذاك على تبييض صفحتهم، إذ كانوا يعملون على التطبيع. حولوا الحدود إلى (جدار طيب) وفتحوها أمام اللبنانيين مدعين مساعدتهم. وهنا تتحمل الأحزاب اليسارية والقومية والفلسطينية مسؤولية كبيرة؛ لأنها لم تتوقف عند الهدف الحقيقي للإسرائيليين في منطقة فقيرة ومهملة من الدولة».
وتشير إلى أن «بعض الأهالي حرص على نقل ذاكرة مجازر الإسرائيليين بحق قرى المنطقة إلى أولادهم. وبعضهم فضل التعايش مع واقعه الجديد في غياب تام للدولة ومؤسساتها، وفي ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية. ولم يجد الشباب إلا إسرائيل ليعملوا فيها مقابل أجور جيدة، قياساً إلى الركود الاقتصادي. كذلك فرض (جيش لحد) التجنيد الإجباري في صفوفه على الشباب من كل الطوائف. واللواء الركن فرنسوا الحاج (كان مدير العمليات في الجيش اللبناني، واغتيل قرب بيروت بعد قيادته معارك مخيم نهر البارد في عام 2007) من بلدة رميش، فر حينذاك من المنطقة؛ لأنهم أرادوا إرغامه على الخدمة في ميليشيا العملاء. إلا أن عائلات كثيرة لم تكن لديها الفرصة للهرب إلى بيروت، فبقيت وخدم أولادها».
وتضيف بشارة: «ليلة التحرير، فتح المطران إلياس الكفوري المطرانية في مرجعيون. وكل من لم يخف ولم يهرب ممن تعاملوا مع إسرائيل لجأ إليها، وتسلمتهم الدولة اللبنانية. وأكبر حكم لم يتجاوز أربعة أعوام بالسجن. لم تكن المحاسبة بحقهم قوية. بعضهم كان يعذب المعتقلين في سجن الخيام ويغتصب المعتقلات، تم إبعاده عن القرية فترة، وهو اليوم يحضر متى يشاء، ولا أحد يحاسبه. أما العائلات التي فضلت الدخول إلى إسرائيل، فبعضها عاد. في الأساس لم يبعدها أحد».
وترى بشارة أنه «لا يمكن تعميم تهمة العمالة، فأحد سجاني الخيام لم يؤذِ أحداً من المعتقلين أو يعذبهم، وكان يهرِّب إليهم الطعام، وكان يقصد أهلهم في قرى الشريط الحدودي ليلاً، ليطمئنهم إلى وضع أولادهم. وليلة التحرير قصد معتقلون محررون منزله، وطمأنوا زوجته بأنهم سيحافظون على أمانها. أكثر من ذلك، زاروه في السجن بعد الحكم عليه، وحملوا إليه الحلوى وشكروه على إنسانيته. وشطبوا اسمه من اللائحة التي تحمل أسماء عملاء جيش لحد». وعن قانون العفو الذي يتم التداول فيه حالياً، تقول بشارة: «لا أعرف كيف يمكن أن يشمل العفو من لجأ إلى دولة عدوة؟ وبعد إقامته فيها طوال عشرين عاماً، هل يعتبرها عدوة؟ وهل يتحول إلى مواطن لبناني الذي ذهب صغيراً أو ولد هناك؟ ثم من يضمن عدم تجنيد إسرائيل لمن قد يعودوا بموجب قانون العفو؟ هذا الطرح هدفه التوازنات الطائفية والشعارات الانتخابية، ولا شيء آخر».
ابن القليعة المتحفظ عن ذكر اسمه، يوافق رجاء في أن «قانون العفو ظالم جداً، وفيه إنكار لمفهوم الخيانة، وتحديداً لمن كان في موقع مسؤولية واختار أن يرتكب جرائمه. وتجب محاسبته بحزم وتشدد. أما من كان فقيراً ومرغماً على الانخراط في (جيش لحد) أو يسجن، ومن عمل في إسرائيل ليأكل، هذا تجب مساعدته وتأهيله».
ويعود إلى حكاية عمته التي «تبلغ اليوم الرابعة والسبعين من عمرها، ولديها ضمان شيخوخة وضمان صحي ومنزل ورعاية، ولا اتصال معها أو مع أولادها، في حين لا يزال هناك عدد من ضباط الميليشيا، ممن عملوا في التهريب وجمعوا ثروات كبيرة. وفي حين برأت المحكمة العسكرية العميل عامر فاخوري (كان آمر سجن الخيام، وعاد قبل أشهر إلى لبنان بجنسية أميركية، فسجن بدعاوى أسرى سابقين؛ لكن أبطلت عنه التعقبات بعد مساعٍ أميركية لإطلاقه؛ لأنه أميركي ومريض بالسرطان) من الجرائم الجنائية الخطيرة المنسوبة إليه. وأنا لا أستطيع أن أعلن اسمي؛ لأن عمتي جميلة (عميلة) بسبب فقرها وعدم وجود دولة لبنانية تؤمن لها الحد الأدنى من الحياة الكريمة. وتشردت عائلتها، عندما فر ابنها الكبير إلى روسيا هرباً من الالتحاق في (جيش لحد)، وسجن ابنها الثاني للسبب ذاته، ليختفي وتغيب آثاره حتى اليوم».



تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.


هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
TT

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)

لجأ عناصر وقادة حوثيون إلى ممارسة الابتزاز، والمساومة للحصول على شهادات الماجستير، والدكتوراه، في ظل تنافس أجنحة الجماعة على المناصب، والموارد، بينما يغرق التعليم الأكاديمي بالتمييز، والتطييف، واستغلال مؤسساته، وموارده لتقوية شبكات الولاء، والسيطرة على المجتمع.

ويساوم الحوثيون الملتحقون ببرامج الماجستير والدكتوراه طلاباً حاليين، وسابقين، لمساعدتهم في إعداد رسائلهم، من خلال إجراء البحوث، والدراسات، ويساهم القادة المعينون في مواقع قيادية في تلك الجامعات في عمليات الابتزاز من خلال اختيار الطلاب المتفوقين، والتنسيق بينهم، والقادة الساعين للحصول على المساعدة.

وكشف أحد الطلاب الملتحقين بدراسة برنامج للماجستير في كلية الآداب في جامعة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن منعه من دخول الحرم الجامعي بعد رفضه الاستجابة لضغوط شديدة، وإغراءات للقبول بمساعدة اثنين من القادة الحوثيين في إعداد الدراسات والأبحاث الخاصة بهما، وتضمنت الإغراءات إعفاءه من بعض الرسوم المطلوبة، ووعود بتوظيفه عند الانتهاء من الدراسة.

وأضاف الطالب الذي طلب التحفظ على هويته، حفاظاً على سلامته، أن عدداً من زملائه وافقوا على إعداد رسائل الماجستير لقادة وعناصر حوثيين مقابل حصولهم على بعض الامتيازات، والمكافآت المالية، في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها السكان في مناطق سيطرة الجماعة.

طالبات في جامعة صنعاء خلال حفل تخرج (غيتي)

وأكّد أن إقبال عناصر الجماعة على الالتحاق بالجامعات للحصول على مختلف الشهادات الجامعية أصبح ظاهرة ملحوظة في جامعة صنعاء، واصفاً ذلك بالتهافت، والذي يرى أنه يأتي في سياق التنافس على المناصب في المؤسسات العمومية التي تسيطر عليها الجماعة.

اختراق المجتمع

تسعى الجماعة الحوثية، وفقاً لمصادر أكاديمية، إلى نفي تهمة العبث بالتعليم الأكاديمي، بإلزام عناصرها وقياداتها الملتحقين بالدراسة في مختلف الجامعات بالحصول على شهادات أكاديمية من خلال إعداد دراسات وأبحاث حقيقية وفقاً للمعايير العلمية، بعد أن تعرضت، خلال الفترة الماضية، للتهكم، بسبب حصول عدد من قادتها على شهادات عليا بسبب نفوذهم، وتحت عناوين تفتقر لتلك المعايير.

وأعلنت الجماعة الحوثية، في فبراير (شباط) الماضي، حصول مهدي المشاط، رئيس مجلس الحكم الحوثي الانقلابي، على درجة الماجستير، في واقعة أثارت استنكاراً واسعاً، وكثفت من الاتهامات لها بالعبث بالتعليم العالي، والإساءة للجامعات اليمنية.

الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

وتتنافس تيارات وأجنحة داخل الجماعة الحوثية للسيطرة على القطاعات الإيرادية بمختلف الوسائل، ويسعى قادة تلك الأجنحة إلى بسط نفوذهم من خلال تعيين الموالين لهم في مختلف إداراتها.

وتقول المصادر الأكاديمية لـ«الشرق الأوسط» إنه بسبب هذا التنافس بين هذه الأجنحة لجأ عدد من القادة الحوثيين إلى إطلاق معايير مختلفة للتعيينات، ولم يعد الولاء لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي حكراً على أحد داخلها، وتراجع معيار تقديم التضحيات من خلال القتال في الجبهات، أو إرسال الأبناء والأقارب إليها، بعد توقف المواجهات العسكرية مع الحكومة الشرعية.

ولجأ قادة الجماعة إلى المزايدة على بعضهم بالشهادات الجامعية التي حصلوا عليها، وتبرير استحقاقهم للمناصب بما يملكون من مؤهلات علمية، خصوصاً أن غالبيتهم لم يتلقوا تعليماً بسبب انتمائهم للجماعة، وانشغالهم بالقتال في صفوفها، إلى جانب أن العديد من العناصر التحقوا بها للحصول على النفوذ، وتعويض حرمانهم من التعليم.

وتطلب الجماعة من عناصرها الالتحاق بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية المستحدثة، للحصول على شهادة البكالوريوس تحت مبررات مختلفة، منها تعزيز «الهوية الإيمانية» لهم، وتأهيلهم في مواجهة «الغزو الفكري».

احتفالية حوثية في جامعة صنعاء في الذكرى السنوية لقتلاها (إعلام حوثي)

ويرى أكاديميون يمنيون أن الغرض من إنشاء هذه الجامعة وإلحاق آلاف العناصر الحوثية بها هو تطييف التعليم، واستغلال مخرجاته في تمكين الجماعة من إغراق المؤسسات العامة بعناصر موالية لها لإدارة شؤون المجتمع بالمنهج الطائفي، وتبرير منحهم المناصب القيادية العليا في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها.

تمييز وفساد

يتلقى الطلاب في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية التابعة للجماعة الحوثية، بحسب مصادر مطلعة، تلقيناً حول إدارة المجتمع بمنهجية مستمدة مما يعرف بـ«ملازم حسين الحوثي»، وهي مجموعة من الخطب والمحاضرات التي ألقاها مؤسس الجماعة، وتعدّ مرجعاً لتوجيه الأتباع، وغرس أفكارها في المجتمع.

في غضون ذلك، أبدى عدد من طلاب جامعة صنعاء استياءهم من الفساد التعليمي، والتمييز الذي تمارسه الجماعة، بمنح المنتمين إليها درجات عالية في مختلف المواد والمقررات الدراسية رغم عدم حضورهم، أو تلقي الدروس، والاكتفاء بحضور الامتحانات.

أساتذة في جامعة صنعاء انتفضوا سابقاً ضد الممارسات الحوثية وتعرضوا للإقصاء (إعلام محلي)

وبَيَّن عدد من الطلاب لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة خصصت 10 درجات في كل مادة لكل طالب يشارك في فعالياتها التعبوية، وكلفت بعض الموالين لها من زملائهم بإعداد كشوفات لتسجيل حضور ومشاركة الطلاب في تلك الفعاليات.

وطبقاً لهؤلاء الطلاب، فإن المكلفين بمراقبة الحضور والمشاركة في الفعاليات لا يحضرون إلى قاعات الدراسة، ولا يشاركون في الدروس العملية، ولا يمكن مشاهدتهم إلا خلال فعاليات التعبئة.

وبسبب هذا التمييز والفساد يضطر عدد من الطلاب إلى الانضمام للجماعة للحصول على تلك الامتيازات، وضمان النجاح دون مجهود دراسي، والحصول مستقبلاً على وظيفة دون عناء.