بعد «العزلة المنزلية»... الناس في حاجة إلى سحر كرة القدم

لقد مر أكثر من عشرة أسابيع منذ آخر مرة لعبت فيها مباراة لكرة القدم في إنجلترا، وهو ما يعد أطول توقف للعبة منذ انطلاق بطولة الدوري الإنجليزي في عام 1888. وحتى خلال الحروب، لم تتوقف كرة القدم لهذه الفترة الطويلة. وفي ظل استئناف الدوري الألماني الممتاز لمبارياته، وعمل الدوري الإنجليزي الممتاز بكل قوة من أجل استئناف نشاطه، يتعين علينا التفكير في أسباب ضرورة عودة النشاط الكروي في الوقت الحالي. قد تكون العوامل المالية هي القوة الدافعة الرئيسية لعودة النشاط الرياضي، لكن لم يكن هذا هو الحال دائماً؛ لأنه منذ اختراع كرة القدم، كانت هناك رغبة دائمة في إقامة المباريات وعدم إيقافها لأي سبب من الأسباب.
وفي الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1939، قامت ألمانيا بغزو بولندا. وفي اليوم التالي، كان هناك برنامج كامل لمباريات الدوري الإنجليزي الممتاز. وبعد يوم واحد، أعلنت المملكة المتحدة الحرب على ألمانيا، وتم تعليق التجمعات العامة الكبيرة، كما تم إلغاء الموسم. لكن في غضون شهرين، أقيمت مسابقات الدوري على المستوى الإقليمي. وسحق آرسنال، على سبيل المثال، سندرلاند بخمسة أهداف مقابل هدفين في الثاني من سبتمبر، ثم فاز على تشارلتون بثمانية أهداف مقابل أربعة في المباراة الافتتاحية لدوري القسم الجنوبي في 21 أكتوبر (تشرين الأول). قد يكون من الصعب التأكد من عدد الحضور الجماهيري في تلك المباريات، لكن أكثر من 10 آلاف متفرج حضروا لمشاهدة مباراة آرسنال أمام وستهام يونايتد.
وحضر المباراة النهائية لـ«كأس الحرب»، التي أقيمت في الثامن من يونيو (حزيران) عام 1940 وانطلقت في الساعة السادسة والنصف مساءً على الرغم من المخاوف من التعرض لغارات حربية – 42300 متفرج على ملعب ويمبلي الشهير، ورُفعت القيود المفروضة على التجمعات العامة منذ فترة طويلة. وربما كان أكثر شيء جدير بالملاحظة فيما يتعلق بكرة القدم خلال الحرب العالمية الثانية هو عدد المسابقات التي واصلت منافساتها على الرغم من ويلات الحرب. ففي ألمانيا، استمرت المنافسات الرياضية حتى نهاية أبريل (نيسان) 1945. وفي فرنسا، كان يتم الإعلان عن بطل دوري الحرب كل عام، على الرغم من أن موسم 1943 - 1944 لم يكتمل. ولم تلغ هولندا إلا موسماً واحداً فقط، في حين ألغت إيطاليا موسمين.
وتم غزو المجر مرتين، أولاً من قبل الألمان ثم من قبل السوفيات، ومع ذلك لم تتوقف كرة القدم أبداً. وفي السادس من ديسمبر (كانون الأول) 1944. وفي ظل احتلال النازيين العاصمة بودابست تحت قصف من الجيش الأحمر، قام المدير الفني لنادي أوبيست المجري، غيزا كيرتيز، الذي كان يعمل مع مجموعة مقاومة كانت تمد الولايات المتحدة بتفاصيل عن تحركات القوات، بالإشراف على حصة تدريبية ثم عقد مؤتمراً صحافياً يتحدث فيه عن تفاصيل لقاء الديربي القادم أمام نادي فيرينكفاروس. وفي مساء ذلك اليوم، تم اعتقاله على أيدي الفاشيين المحلين الذين سلموه إلى جهاز شرطة الدولة السرية المعروف بـ«الغستابو». وبعد ذلك بشهرين تم إعدامه، بينما كان الألمان يستعدون للتراجع.
فما الذي نستخلصه من كل ذلك بالضبط؟ أولاً، هو أن كرة القدم لعبة تتسم بالمرونة ويمكنها أن تواصل أنشطتها في أصعب الظروف، سواء كان ذلك عن طريق إعادة تنظيم المسابقات واللوائح أو عدد اللاعبين الأجانب أو عدد الحضور الجماهيري. ثانياً، هو أن كرة القدم دائماً ما يكون عليها طلب كبير من قبل السلطات والجمهور على حد سواء.
وبعد الغزو الألماني لأوكرانيا، انطلقت مسابقة الدوري بسرعة كبيرة، كجزء من عملية «التطبيع» - وهو ما أدى في النهاية إلى إقامة «مباراة الموت» بين فريق «ستارت» الذي كان يضم عدداً من لاعبي دينامو كييف السابقين، وفريق يمثل القوات الجوية الألمانية. وكان المنطق الذي شجع السلطات المجرية على مواصلة كرة القدم هو نفسه الذي دفع الحكومة البريطانية إلى إلغاء القيود المفروضة على التجمع الجماهيري حتى يتمكن الناس من التجمع لمشاهدة مباريات كرة القدم. وهذا هو بالطبع التأثير الكبير الذي تتركه كرة القدم على الروح المعنوية.
لكن الشيء المؤكد أيضاً هو أن هناك فرقاً واضحاً بين اللعب في وقت الحرب واللعب في وقت تفشي فيروس من الممكن أن ينتقل بسهولة أثناء اللعب. وكان اللاعب الإنجليزي داني روز محقاً عندما أعرب عن قلقه من إجبار اللاعبين على العودة قبل الأوان. وكان هناك الكثير من النقاش حول استطلاع للرأي أشار في وقت سابق إلى أن 73 في المائة من الناس لا يتوقعون أن استئناف مسابقات كرة القدم سيؤدي إلى رفع معنوياتهم. لكن 19 في المائة ممن جرى استطلاع آرائهم قالوا عكس ذلك، وهو ما يعني أن شخصاً من بين كل خمسة أشخاص – أي نحو 13 مليون بريطاني - يعتقدون أنهم سيكونون أكثر سعادة عندما يعودون لمشاهدة مباريات كرة القدم، وربما الأهم من ذلك إجراء مناقشات حول هذه المباريات.
من الممكن أن تكون المباريات التي ستلعب خلال الفترة المقبلة تتسم بالملل وعدم الإثارة، وقد يغلب عليها الشعور بالتصنع، وقد يشكل غياب الجمهور ضربة قوية للعبة، لكن بمجرد أن يحسم ليفربول فوزه بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى منذ 30 عاماً، سوف نرى منافسة شرسة بين الأندية التي تتجنب الهبوط، وصراعاً قوياً بين الأندية التي تسعى لاحتلال المراكز الأربعة الأولى المؤهلة لدوري أبطال أوروبا، حتى في ظل الشكوك حول موعد إقامة النسخة المقبلة من دوري أبطال أوروبا، أو إقامتها من الأساس! من ناحية أخرى، قد تستأنف أيضاً مباريات كأس الاتحاد الإنجليزي.
وبطبيعة الحال، فإننا ندرك أن الأمور صعبة ومعقدة للغاية. لكن إذا انخفض معدل العدوى بفيروس كورونا، وإذا أصبحت الموارد متاحة، وإذا كان من الممكن خلق بيئة آمنة، فلماذا لا تفكر كرة القدم في استئناف أنشطتها؟ ويجب أن نعرف أن كل القطاعات الصناعية الأخرى تقوم الآن بتقييم كيفية إعادة التشغيل عندما يتم تخفيف إجراءات الإغلاق، فلماذا لا تفعل كرة القدم الشيء نفسه؟
من المؤكد أن استئناف مباريات الدوري الألماني الممتاز ستكون بمثابة اختبار كبير يمكن التعويل عليه. وقال المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، كارستين كرامر، إن بروتوكولات حماية اللاعبين تتجاوز إجراءات السلامة في معظم الصناعات الأخرى. وبالتالي، لا يوجد أي سبب لعدم تطبيق الدوري الإنجليزي الممتاز لهذه المعايير. لكن كرامر أشار أيضاً إلى أنه بالإضافة إلى التكلفة البشرية، فإنه «إذا فشلنا، فستكون المشاكل التي تواجهها كرة القدم بعد ذلك أكبر من ذي قبل».
لقد كانت كرة القدم محقة تماماً عندما قررت تجميد أنشطتها في ذلك الوقت، لكن من المناسب الآن أن تفكر في موعد وكيفية استئناف أنشطتها.
وقد أكد الكاتب البريطاني الراحل كلايف ستابلز لويس على أن النصوص الأدبية موجودة لكي تذكرنا بأننا لسنا بمفردنا. وأعتقد أن كرة القدم تؤدي وظيفة مماثلة لذلك؛ نظراً لأنها تشهد قدراً كبيراً من التفاعل الاجتماعي. لقد أدركت الحكومات هذه الحقيقة خلال أوقات الأزمات طوال القرن العشرين، لكن كرة القدم لم تكن يوماً ما أكبر وأكثر أهمية مما هي عليه الآن. وبعد أسابيع من عزلة الناس في منازلهم بسبب إجراءات مواجهة «كورونا»، ربما يكون هذا هو أهم وقت لتذكيرنا بأننا لسنا بمفردنا. يمكن أن تكون كرة القدم لعبة تهتم بنفسها في المقام الأول، لكن الشيء المؤكد هو أنها يمكن أن تساعدنا كثيراً في الوقت الحالي.