تقرير أممي يتهم جماعات مسلحة بأعمال قتل وخطف رافقت احتجاجات العراق

تحدث عن مقتل 490 ناشطاً وإصابة أكثر من 7 آلاف و«اختفاء» 25 شخصاً

معتصمون في ساحة التحرير ببغداد (أ.ب)
معتصمون في ساحة التحرير ببغداد (أ.ب)
TT

تقرير أممي يتهم جماعات مسلحة بأعمال قتل وخطف رافقت احتجاجات العراق

معتصمون في ساحة التحرير ببغداد (أ.ب)
معتصمون في ساحة التحرير ببغداد (أ.ب)

نشرت الأمم المتحدة، أمس، تقريرها الرابع المتعلق بالاحتجاجات العراقية التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وما رافقها من إصابات وعمليات قتل واختطاف وحالات تعذيب طالت الناشطين من قبل القوات الأمنية الرسمية أو بعض الفصائل والجماعات المسلحة. ويغطي التقرير الجديد الأحداث التي وقعت بين أواخر أكتوبر 2019 وحتى 21 مارس (آذار) 2020.
واستند التقرير الجديد إلى ما وثقه مكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي). وفيما أظهر التقرير أرقاماً جديدة لأعداد المصابين والقتلى من الناشطين لا تتطابق مع المعلن في الإحصاءات السابقة، تؤكد مصادر حقوقية عراقية، أن «المهم محاسبة المتورطين وتعويض الضحايا ما دامت عمليات القتل والاختطاف والتعذيب ثابتة».
وذكر التقرير الأممي المطول أنه سجّل «123 حالة لأشخاصٍ اختفوا في الفترة ما بين 1 أكتوبر وحتى 21 مارس 2020، وتم العثور على 98 شخصاً، بينما لا يزال 25 شخصاً في عداد المفقودين».
وأضاف أنه «منذ اندلاع المظاهرات في أوائل شهر أكتوبر، أكّدت الأمم المتحدة وفاة 490 ناشطا وإصابة 7.783 شخصاً وأن غالبية المتظاهرين من الشباب العاطلين عن العمل وكانوا يطالبون باحترام حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وقد استمرت المظاهرات حتى بعد تفشّي فيروس (كوفيد - 19) في البلاد».
واعتبر التقرير أن «استمرار غياب المساءلة حول هذه الأفعال لا يزال يسهم في تفشّي ظاهرة الإفلات من العقاب فيما يخص التقارير بشأن الانتهاكات والتجاوزات».
ونقل التقرير عن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس - بلاسخارت، قولها إن «قيام الحكومة الجديدة بتشكيل لجنة عُليا لتقصي الحقائق للتحقيق في الخسائر البشرية والأضرار ذات الصلة هي خطوة حاسمة نحو العدالة والمساءلة وإن التزام الحكومة بتوفير العلاج الطبي للمتظاهرين المصابين وتعويض أسر الضحايا هو أمر مشجع».
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أمر الأسبوع الماضي بتشكيل لجنة تتولى وضع قائمة دقيقة بأسماء الشهداء والجرحى والمعاقين من الذين سقطوا في الاحتجاجات الشعبية، سواء من المحتجين أو قوات الأمن، وأناط بلجنة متخصصة مرتبطة بمكتبه مهمة وضع هذه القائمة بالتعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة والمنظمات العراقية والدولية الرصينة لضمان دقة المعلومات الواردة فيها.
وحول عمليات الاختطاف والاختفاء التي طالت ناشطين، يشير التقرير الأممي، إلى أن «عمليات الاختطاف والاختفاء وقعت في خضمّ العديد من الحوادث التي تنطوي على انتهاكات وتجاوزات إضافية استهدفت الناشطين والمتظاهرين، بما في ذلك عمليات القتل المتعمد، وإطلاق النار وهجمات باستخدام السكاكين، والتهديد والترهيب، والاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة في مواقع المظاهرات».
وأشار التقرير إلى أن «أيا من الذين تمت مقابلتهم لم يكن على معرفة بهوية المسؤولين عن اختطافهم، رغم أن معظمهم تكهن بتورط ميليشيات وأنهم لا يعتقدون أن قوات الأمن العراقية كانت مسؤولة بشكل مباشر، ولا العصابات الإجرامية العادية هي الملومة».
ولا يتكهن التقرير حول طبيعة المتورطين بعمليات الاختطاف، لكنه يؤكد «تورط جهات مسلحة ذات مستويات عالية من التنظيم والموارد والإمكانيات». ويخلص التقرير إلى تقديم مجموعة توصيات إلى الحكومة العراقية لمعالجة هذا الملف، ضمنها «بذل جهود فورية للامتثال لالتزاماتها وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك بذل كل الجهود للعثور على أولئك المتظاهرين والناشطين الذين ما زالوا في عداد المفقودين واتخاذ إجراءات فورية لحماية المتظاهرين والناشطين من الاختطاف». كذلك طالب الحكومة بـ«اتخاذ إجراءات فورية للتحقيق في جميع مزاعم حالات الاختطاف والاختفاء والتعذيب ومحاكمة المسؤولين عنها والإعلان عن هوية ما يسمى القوة المجهولة أو المجاميع المسلحة أو (الميليشيات) المسؤولة عن حالات الاختطاف».
وبينما ترى أوساط حقوقية أن أعداد الجرحى الواردة في التقرير الأممي «محل شك لأن المعلن من أعداد الضحايا سابقاً أكثر من ذلك بكثير»، رأى عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي أن «التقرير الذي اطلعت عليه يشير في جانب منه إلى أن عدد الإصابات لا يشمل أولئك الذين تعرضوا لإصابات بقنابل مسيلة للدموع ويذكر أن العدد الحقيقي أكثر من هذا». ويقول البياتي لـ«الشرق الأوسط»: إن «تقارير سابقة للأمم المتحدة تحدثت عن إصابة 15 ألف ناشط، في اعتقادنا أن الإصابة بالغازات المسيلة للدموع التي أغفلها التقرير الجديد خطيرة هي الأخرى وتتسبب في مشاكل في الرئة وفقدان الوعي لساعات وتداعياتها تستمر لأسابيع». ويضيف «المشكلة ليست في أعداد المصابين والمقتولين، وبإمكان لجان من الحكومة والقضاء ومفوضية حقوق الإنسان التحقق منها، إنما الأهم من ذلك هو محاسبة المتورطين في الانتهاكات وحالات القتل وتقديم الجناة للمحاكم وإنصاف الضحايا، خاصة بعد ثبوت تلك الجرائم بالأدلة والوقائع».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.