سوق البالة... من هنا يستعد السوريون لعيد الفطر

طاولة في إحدى أسواق البالة في دمشق (أ.ف.ب)
طاولة في إحدى أسواق البالة في دمشق (أ.ف.ب)
TT

سوق البالة... من هنا يستعد السوريون لعيد الفطر

طاولة في إحدى أسواق البالة في دمشق (أ.ف.ب)
طاولة في إحدى أسواق البالة في دمشق (أ.ف.ب)

بين كومة من الثياب المبعثرة على طاولة في إحدى أسواق البالة في دمشق، تفتِّش «شام» بتأنٍّ عن قميص تشتريه لترتديه خلال عطلة عيد الفطر، من دون أن تتكبد مبلغاً كبيراً وسط أزمة معيشية خانقة في سوريا.
خلال سنوات الحرب، ازدهرت أسواق الثياب المستعملة في دمشق ومناطق أخرى، وباتت الخيار الوحيد لاقتناء ملابس جديدة، على وقع ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة بشكل يحول دون تمكن شريحة واسعة من السوريين من تحمّله، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وتقول شام علوش (28 عاماً)، الموظفة في شركة طيران خاصة: «البالة ملاذي الوحيد لارتداء ملابس جديدة في العيد». وتضيف: «لولا هذه السوق، ما تمكَّنت من شراء الثياب أبداً».
وسط سوق القنوات، تعرض عشرات المحال بضاعتها على طاولات وعربات، أو تعلقها على منصات على جانبي الطريق، حتى يتمكن الزبائن من معاينتها. بين عشرات القطع الملونة، تسحب شام قميصاً أصفر اللون وتشتريه مقابل ثلاثة آلاف ليرة سورية (دولاران وفق سعر صرف السوق).
بعد تسع سنوات من الحرب التي استنزفت الاقتصاد والبنى التحتية، تشهد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية أزمة معيشية خانقة، فاقمتها تدابير التصدي لوباء «كوفيد- 19». وتترافق الأزمة مع تدهور قيمة الليرة، ما انعكس سلباً على القدرة الشرائية للسوريين الذين يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر.
وتلحظ شام التي تتردّد إلى السوق سنوياً قبل العيد ارتفاعاً في الأسعار هذا الموسم. وتقول: «تشكيلة الملابس قليلة هذه السنة، وسعرها أغلى؛ لكنها مع ذلك تبقى أرخص بكثير من الملابس الجديدة». وتضيف: «نوعية ملابس البالة جيدة، وسعرها مقبول ومتناسب مع ذوي الدخل المحدود».
ويمكن شراء قميص من سوق البالة بدءاً من ألف ليرة (أقل من دولار) بينما يبدأ سعره في المحال الجاهزة من تسعة آلاف.
كذلك، تتوجه دانة شوكة (28 عاماً) صباح كل سبت إلى سوق البالة؛ بحثاً عن قطع ملابس مميزة وبخسة الثمن، لدرجة باتت تحفظ وجوه التجار، والعكس صحيح.
وتقول للوكالة الفرنسية للأنباء: «بات التسوُّق من البالة والبحث عن الثياب الرخيصة والجميلة أشبه بالعادة قبل العيد أو أي مناسبة أخرى». وتقول: «بثمن قطعة جاهزة يمكنني شراء ثلاث أو أربع قطع من البالة».
وسوق البالة في القنوات واحدة من ست أسواق للملابس المستعملة في دمشق وضواحيها. وكان بعضها موجوداً قبل الحرب، بينما ازدهر البعض الآخر خلالها. وتوجد أسواق مماثلة في المحافظات بينها حلب وحماة.
وتنسحب أزمة الليرة على أسعار المنتجات المحلية والمواد الغذائية والأجهزة الكهربائية وسواها، إضافة إلى تأثر أسواق الملابس المستعملة التي تستورد من الخارج وبالعملة الأجنبية. وتخطى سعر صرف الليرة في السوق الموازية خلال الأيام القليلة الماضية عتبة 1700 مقابل الدولار، بينما السعر الرسمي 700 ليرة، في انخفاض غير مسبوق. وكان الدولار يعادل 48 ليرة قبل اندلاع النزاع عام 2011.
وأقر مصرف سوريا المركزي ليل أول من أمس (الثلاثاء) بتراجع سعر صرف الليرة «على نحو كبير خلال الفترة الأخيرة»، محذراً المتلاعبين بسعر الصرف. ويربط محللون بين تدهور الليرة السورية والأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان المجاور وشُحِّ الدولار.
داخل محله في سوق القنوات، رتَّب مالك أبو العطا (52 عاماً) المئات من قطع الملابس أملاً بجذب الزبائن، بعدما أقفل محلَّه لأسابيع، استجابة لقرار الحكومة بإغلاق الأسواق والمؤسسات، في إطار التدابير الوقائية من فيروس «كورونا» المستجد.
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «البالة هي شبَّاك العيد للمواطنين الذين لا يستطيعون تحمل نفقات شراء ملابس جديدة. فالراتب الشهري للموظف لا يكفيه لشراء بنطالين وقميص».
ويضيف أبو العطا الذي اعتمر قبعة سوداء وقميصاً أزرق اللون: «أحفظ وجوه زبائني جيداً؛ لكني ألحظ في هذا العيد كثيراً من الوجوه الجديدة».
على بعد عشرات الأمتار من أبو العطا، يعبِّر التاجر غسان طباع عن خيبة أمله، بعدما أمل بموسم يعوِّض خسارته جراء الإغلاق لأكثر من شهر.
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية إنه ينتظر منذ ساعات دخول زبون، مضيفاً: «هذا أسوأ موسم عيد يمرُّ علينا مقارنة مع السنوات الماضية. نبيع القطعة بـ500 ليرة سورية، ولا أحد يشتري».
ويتحسَّر على أيام كان فيها عدد زبائنه كبيراً، بين فقراء «يشترون أي شيء يسترهم»، وطبقة وسطى «تبحث عن ماركات عالمية».
أما اليوم، فقد «بات الطعام أولوية الجميع، والملابس أمراً ثانوياً، لا أحد يشتري إلا للضرورة».
ودفع الوضع الصعب طباع إلى وضع محله بـ«رسم البيع» منذ أيام قليلة لأسباب عدَّة، بينها انخفاض المدخول اليومي وارتفاع تكاليف البيع والشراء. ويتوقَّع أن «يضطر كثير من التجار لبيع محالهم إذا استمر الوضع على حاله».
وشكَّل إغلاق الحدود بين سوريا والدول المحيطة بها مع تفشي فيروس «كورونا»، عائقاً جديداً يُضاف إلى قائمة العراقيل التي يواجهها التجار بشكل عام في عمليات الاستيراد. فهم يعانون من صعوبة بالغة في تحويل الأموال، والالتفاف على العقوبات الغربية.
ويلقي مسؤولون اللوم في الأزمة الخانقة على الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تفرضها دول غربية على دمشق منذ سنوات.
ويقضي طباع وقته في قراءة الأخبار عبر هاتفه الخلوي، متتبعاً الأخبار وتطورات الأوضاع الاقتصادية.
ويقول: «لا يوجد عيد هذه السنة أيضاً. لم نر العيد منذ نحو عشر سنوات».



رجل إطفاء يتحوَّل «بابا نويل» لإسعاد الأطفال المرضى

بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
TT

رجل إطفاء يتحوَّل «بابا نويل» لإسعاد الأطفال المرضى

بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)

زَرَع رجل إطفاء البهجة في نفوس عدد لا يُحصى من الأطفال خلال عطلة عيد الميلاد على مرّ السنوات، لكنَّ ديفيد سوندرز (50 عاماً)، يقول إنّ القيام بدور «بابا نويل» يُرخي أثراً سحرياً عليه أيضاً. بالنسبة إلى سوندرز المقيم في مقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا، فإنّ أداء دور «بابا نويل» يتجاوز التقاليد: «إنه مَهمَّة شخصية عميقة مستوحاة من العائلة وتغذّيها الرغبة في نشر الفرح». بدأ سوندرز، وهو والد لـ5 أطفال، ذلك العمل الموسميّ منذ 16 عاماً. في ذلك الوقت، كان ابنه البالغ 6 سنوات يعاني مرضاً تسبَّب بتنقّله بين المستشفيات. نقلت عنه «فوكس نيوز» قوله لشبكة «إس دبليو إن إس»: «في كل مرّة كنّا نقصد المستشفى، كان يرى جميع الأطفال المرضى. وخلال المغادرة راح يقول لي: (أتمنّى لو نستطيع فعل شيء لطيف لهم). كنتُ أجيبه: (اكتشف ما تريد فعله، وسنحاول)».

مَهمَّة شخصية عميقة مستوحاة من العائلة (مواقع التواصل)

تحوَّلت هذه الرغبة دعوةً غير متوقَّعة للأب والابن، اللذين بدآ في ارتداء زيّ «بابا نويل» وجنّيته المساعدة لإسعاد المرضى الصغار. حالياً، يُنجز سوندرز بين 100 إلى 150 زيارة منزلية كل عام؛ مُرفقةً ببعض الإعلانات التجارية وفيلمين لعيد الميلاد. قال: «أحبُّ إسعاد الناس. أستمتعُ برسم البسمة على وجوههم». وكلّ عام، كان يرى أطفالاً اعتاد رؤيتهم منذ أن كانوا رضَّعاً: «استمتعتُ بمراقبتهم وهم يكبرون. تحملهم بكونهم أطفالاً، ثم تشاهدهم يكبرون. أحياناً تعتقد أنهم لن يرغبوا في عودتك هذا العام، لكنَّ أمهاتهم أو آباءهم يتّصلون دائماً ويقولون: (إنهم لا يريدون أن يمرَّ عيد الميلاد من دونك)». ورغم أنّ دور «بابا نويل» مبهج عموماً، فإنَّ سوندرز أقرّ بمواجهة تحدّيات: «أرى بعض الأطفال المرضى أو الذين ليس لديهم الكثير. أحياناً يكون الأمر مُرهقاً عقلياً».

بدأ سوندرز عمله الموسميّ منذ 16 عاماً (مواقع التواصل)

وبعد 30 عاماً من كونه رجل إطفاء، يتطلَّع الآن إلى تحويل عمله الجانبي وظيفةً بدوام كامل. تابع: «عملي رجل إطفاء وظيفة رائعة. إنه أيضاً أحد تلك الأشياء المُرهِقة عقلياً وجسدياً، لكنْ كانت لديَّ مهنة جيّدة. جسدي يؤلمني، وأنا أكبُر في السنّ؛ لذلك حان الوقت للمضيّ قدماً. آمل أن تنمو هذه التجارة أكثر». سحرُ عيد الميلاد هو ما يستمرّ في إلهام سوندرز لإسعاد الأطفال والكبار على السواء: «أعتقد أنّ جميع الأطفال، وحتى البالغين، يريدون شيئاً يصدّقونه، خصوصاً في هذا العيد».