علاج من الماضي لـ«جرب القمح»

اكتشاف جين واقٍ في أحد الأصناف البرية القديمة

مرض جرب القمح يتسبب في خسائر بملايين الدولارات سنوياً
مرض جرب القمح يتسبب في خسائر بملايين الدولارات سنوياً
TT

علاج من الماضي لـ«جرب القمح»

مرض جرب القمح يتسبب في خسائر بملايين الدولارات سنوياً
مرض جرب القمح يتسبب في خسائر بملايين الدولارات سنوياً

تحتفظ الأصناف القديمة من النباتات، التي تسمى بـ«الأصناف البرية» بمواصفات مقاومة الأمراض، وهي المواصفات التي بدأت تتلاشى في الأصناف الحديثة، الأمر الذي يدفع الباحثين إلى العودة إلى الماضي بحثا عن الصفات المقاومة للأمراض بتلك الأصناف، واستخراج الجين المسؤول عن هذه الصفات.
ويوجد لدى أغلب دول العالم بنوك للجينات تحتفظ داخلها بالأصناف البرية، التي تعد بمثابة ثروة قومية يتم اللجوء لها عند الحاجة بحثا عن علاج لمشكلة طرأت حديثا مع الأصناف الجديدة.
ومن بين أبرز المشكلات التي يعاني منها العالم حاليا مع محصول غذائي مهم وهو القمح، مشكلة مرض «لفحة السنابل»، والذي يعرف باسم «جرب القمح»، ويسببه فطر يسمى «مغزلاوية النجيليات» أو ما يعرف أيضا باسم «الفيوزاريوم»، ويؤدي هذا الفطر إلى مادة (ديوكسي نيفالينول) السامة، التي تسبب عدم صلاحيته للاستهلاك الآدمي، ويسبب ذلك خسائر بمليارات الدولارات كل عام.
ووجد فريق من الباحثين من عدة مؤسسات دولية من الصين وأميركا، جيناً واقياً في عشبة القمح البري يبشر بالخير في وقف هذه الآفة التي تصيب محصول الشعير أيضا. وتصف المجموعة البحثية في بحثها المنشور في مجلة «ساينس» في 9 أبريل (نيسان) الماضي، كيف وجدت الجين ومدى نجاحه في مكافحة الالتهابات الفطرية في محاصيل الاختبار.
وحتى الآن كان المزارعون يجربون مجموعة واسعة من العوامل المضادة للفطريات لتخليص محاصيلهم من العدوى، لكنهم لم يحرزوا تقدماً كبيراً لأن الفطر يهاجم خلال المواسم الرطبة، فيما يغسل المطر بدوره العلاجات. وأحد الأساليب التي شهدت قدراً من النجاح هو هندسة أنواع معينة من القمح وراثياً للتعبير عن الجين الذي وجد أنه يمنح درجة من المقاومة في القمح البري الصيني القديم، ولكنه أثبت حتى الآن أنه يوفر حماية متواضعة فقط.
أما في هذا الجهد الجديد، فقد وجد الباحثون جيناً في عشب بري مقاوم للفطر الذي يقف وراء لفحة السنابل، والذي يبدو أنه يمنح مقاومة أقوى للعدوى. وتضمن العمل دراسة طويلة الأمد لعشب القمح البري (Thinopyrumelongatum)، وهو نوع من الأعشاب معروف باسم عشب قمح طويل القامة، وهي عشبة قديمة في أوراسيا، تم إدخالها إلى أجزاء أخرى كثيرة من العالم، بما في ذلك الأميركتين وأستراليا، ويمكن أن يصل طول هذا العشب المعمر إلى مترين.
واكتشف الباحثون أن هذا العشب في وقت مبكر كان مقاوما للفطر، لكن الأمر استغرق ما يقرب من عقدين لمعرفة أي من جيناته يوفر المقاومة. ووجد الباحثون أن الجين «Fhb7» يوفر المقاومة، وأنه مسؤول عن إنزيم يسمى (الجلوتاثيون S - ترانسفيراز)، المسؤول عن المقاومة.
وتضمنت الخطوة التالية إضافة الجين إلى نباتات القمح في عينات اختبار لمعرفة ما إذا كانت له آثار جانبية غير مرغوب فيها. وحتى الآن، وجد الباحثون أن إضافة الجين إلى نباتات القمح يجعلها أكثر مقاومة للجرثومة، ولا يقلل من كمية المحصول، ولاحظوا أن هناك حاجة لمزيد من الاختبارات لتحديد مدى فعالية الجين في مساعدة النباتات في درء العدوى، وكذلك لمعرفة ما يحدث عند استخدامه مع الجين الآخر المعروف في النبات الموجود في الإرث الصيني.
ويثني الدكتور شعبان أبو حسين، الأستاذ بالشعبة الزراعية بالمركز القومي للبحوث، على النتيجة التي توصل لها الفريق البحثي، مشيرا إلى أنها تعالج واحد من أهم مشكلات القمح، والتي تتسبب في خسائر هائلة كل عام، كما أنها تؤكد على أهمية ما يعرف بـ«بنوك الجينات».
وبنوك الجينات تحتوي على ملايين أو مليارات الأصناف البرية القديمة، ويتم الاحتفاظ بهذه الأصناف في بيئة باردة جدا للجوء إليها، واستخراج ما يفيد منها لمواجهة المشاكل الحالية، كما يؤكد أبو حسين.



مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري
TT

مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري

حتى مع انخفاض أسعار رحلات الفضاء بشكل كبير في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين المقبلة، فإن التكاليف البيئية والمالية المترتبة على استخدام الصواريخ المعبأة بوقود كيميائي للإفلات من جاذبية الأرض، كانت سبباً في إعاقة التوسع البشري إلى القمر وما بعده. كما كان هناك أيضاً غضب واسع النطاق من أن استكشاف الفضاء أصبح حكراً على الأغنياء، ما أدى إلى الرغبة في إضفاء «الطابع الديمقراطي» على الوصول إلى الفضاء.

مصاعد فضائية

كان الحلم، منذ قرون، أن نبني مصعداً فضائياً لنقلنا من الأرض إلى الفضاء من دون استخدام الصواريخ. ولكن كيف يمكن بناؤه، وأين؟ كانت التحديات الهندسية، جنباً إلى جنب مع العقبات السياسية، بالغة الضخامة. وكانت الإجابة تتلخص في قلب الفكرة وبناء خط واصل من سطح القمر إلى مدار الأرض... كل ما عليك فعله هو أن تنتقل من الأرض إلى نهاية الخط الواصل ثم القفز إلى ترام يعمل بالطاقة الشمسية والتحرك على طول المسار إلى القمر.

لكن تظل هناك حاجة إلى الصواريخ للوصول إلى النهاية المتدلية للخط الواصل، ولكن بما أن تلك الصواريخ لن تضطر إلى الإفلات تماماً من جاذبية الأرض، فانها ستحتاج إلى وقود أقل بكثير.

وكتب روان هوب في مجلة «نيو ساينتست» العلمية، وعلى عكس التصميمات التقليدية للمصاعد الفضائية، أن الخط الذي تسير عليه لم يكن بحاجة إلى ثقل موازن عملاق، يكون الضغط على الكابل أقل بكثير، وتكون المواد اللازمة لجعل هذا الأمر حقيقة متاحة، وأصبحت الفكرة قابلة للتطبيق بحلول عام 2040.

بمجرد بنائه، يصبح من الممكن نقل البشر والبضائع من الأرض بواسطة الصواريخ إلى الخط الواصل ثم إلى القمر، مع خفض إجمالي كمية الوقود اللازمة لنقل شيء ما من عالمنا إلى القمر الطبيعي بمقدار الثلثين. وأدى انخفاض الأسعار الناجم عن ذلك إلى تغيير جذري فيما يمكن القيام به في الفضاء ومن يمكنه أن يذهب من البشر.

خط قمري

يتم تصميم قاعدة أول خط قمري واصل بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، على الجانب القريب من القمر، حيث يجري إنشاء العديد من القواعد القمرية في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين للاستفادة من الضوء شبه الثابت في القطب الجنوبي والاحتياطيات الكبيرة من المياه المتجمدة في فوهة «شاكلتون».

على عكس قواعد القمر، التي ترتبط بالشركات الخاصة والدول على الأرض، يعد المصعد مورداً مشتركاً. وقد تم بناؤه بموجب قوانين وضعتها المنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة «من أجل كل أنواع القمر» For All Moonkind ومؤسسة «القمر المفتوح» Open Lunar Foundation، والمنظمات المناظرة في المناطق المساهمة الرئيسية (الهند، واليابان، والصين، والاتحاد الأوروبي).

إن الخط الواصل يتصل بالقمر عبر نقطة «لاغرانج» القمرية «إل 1». هذه هي المناطق في الفضاء حيث تتوازن الجاذبية للقمر والأرض، ولا تكون هناك حاجة إلى الوقود للحفاظ على موضع الجسم.

في الواقع، فإن هذه النقطة هي عبارة مواقف سيارات في الفضاء، ومن ثمّ فهي مواقع مفيدة للغاية للمستودعات والموانئي الفضائية. الخط الواصل - أو السلم القمري Lunar Ladder، أو الممشى القمري MoonWalk، أو «عصا الجبن» Cheese Stick، كما كان يُطلق عليه بشكل مختلف - تم بناؤه في وقت واحد من مستودع فضائي في «إل 1» والقاعدة على سطح القمر. وتم اختيار البوليمر الاصطناعي فائق القوة «إم 5» كمادة، لتسليم آلاف الأطنان منه إلى «إل 1» للبناء.

كل ما عليك فعله هو الانتقال من الأرض إلى نهاية الخط الواصل والقفز إلى الترام الشمسي والتحرك على طوله إلى القمر.

تطورات المصعد القمري التاريخية

أثار هذا المشروع عدة تطورات مفيدة. كانت الصواريخ الكيميائية، التي توفر قوة دفع كافية للخروج من سطح كوكب، لا تزال قيد الاستخدام للوصول إلى مدار الأرض المنخفض، ولكن بعد ذلك، انضمت المحركات الأيونية إلى المصعد، ثم استُخدمت بعد ذلك للتحرك في جميع أرجاء النظام الشمسي. تولد هذه المحركات قوة دفع عن طريق تسريع الذرات المشحونة كهربائياً عبر حقل كهربائي، وكانت تعمل بالطاقة الشمسية، ولقد سمح هذا باستكشاف الكون الواسع على نحو أقل تكلفة وأكثر عمقاً.

يرجع أول اقتراح للمصاعد الفضائية إلى عام 1895، في تجربة فكرية ابتكرها رائد الفضاء الروسي «كونستانتين تسيولكوفسكي». كتب تسيولكوفسكي في عام 1911 يقول: «الأرض مهد الإنسانية، ولكن البشرية لا يمكن أن تبقى في المهد إلى الأبد». وقد أجري أول اختبار لهذه التكنولوجيا عام 2018، مع ظهور مشروع «STARS - Me»: القمر الاصطناعي الآلي المستقل المربوط بالفضاء - المصعد المصغر».

حدث هذا بجوار محطة الفضاء الدولية، باستخدام تصميم من قبل الباحثين في جامعة شيزوكا في اليابان. ويتكون من قمرين اصطناعيين صغيرين متصلين بكابل طوله 11 متراً مع زاحف يتنقل بينهما.

في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، عندما تبدأ بعثات «أرتميس» إلى القمر، سيتم بناء محطة «البوابة الفضائية» في المدار القمري، وأصبح هذا حجر انطلاق لمستودع «إل 1».

إن الخط الواصل يلعب دوراً محورياً في إضفاء الطابع الديمقراطي على الفضاء، إذ يصبح الذهاب إلى القمر للعمل أو قضاء وقت الفراغ شيئاً يمكن لأي شخص تقريباً فعله إذا أراد. ويتبع ذلك تحقيق اختراقات علمية من إنشاء قاعدة أبحاث في «إل 1»، ويتم نقل العمليات المدمرة - مثل التعدين - خارج كوكب الأرض. فقد تم نقل جزء كبير من البنية الأساسية الصناعية الملوثة للأرض - لا سيما منشآت الخوادم التي تدعم الطلب على الكومبيوترات - إلى القمر، حيث يمكن استخدامها بكفاءة أكبر بواسطة الطاقة الشمسية.