«كوفيد ـ 19» يكبّد الشركات الإعلامية خسائر قياسية حول العالم

«إمبراطورية» مردوخ تخسر مليار دولار في 3 شهور

TT

«كوفيد ـ 19» يكبّد الشركات الإعلامية خسائر قياسية حول العالم

تواجه الشركات الإعلامية العالمية أخطر تهديد وجودي لها منذ الأزمة الاقتصادية الكبرى في عام 2008 بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد. وأعلنت «نيوز إنترناشيونال» وهي الشركة القابضة لإمبراطورية الإعلام التي يملكها الملياردير الأسترالي روبرت مردوخ أن خسائرها التي تراكمت منذ بداية العام الجاري بلغت رقما قياسيا قدره مليار دولار خلال الربع الأول من العام.
من ناحية أخرى أعلنت الشركة القابضة «ريتش» التي تنشر صحفا بريطانية منها «دايلي إكسبرس» و«دايلي ميرور» و«ستار» أن الإيرادات تراجعت بنسبة 30 في المائة خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي بما في ذلك الإيرادات من مواقعها على الإنترنت رغم ارتفاع معدلات الاطلاع عليها.
وتتوقع شركات مردوخ المزيد من الخسائر خلال العام الجاري واعترف المدير التنفيذي للشركة روبرت تومسون أن المجموعة مقبلة على المزيد من إجراءات خفض التكاليف منها مراجعة جذرية للصحف الأسترالية قد تشمل تقليص عددها وخفض عدد العاملين فيها. وأضاف تومسون أنه تنازل عن ثلاثة أرباع مكافآته المالية بينما تنازل روبرت مردوخ، رئيس مجلس الإدارة، عن مكافآته لهذا العام بالكامل.
وعلل تومسون هذا الحجم الهائل من الخسائر بقرار الشركة خفض تقييم قطاع خدمات التلفزيون الأسترالي «فوكس تل» التي تعاني من تراجع الاشتراكات فيها بعد تزايد المنافسة من خدمات أخرى أفضل في المحتوى مثل «يوتيوب» و«نتفلكس» وغيرهما. كما باعت الشركة فرعها الأميركي «نيوز أميركا ماركتنغ» للتخلص من قطاعات ضعيفة الإنجاز.
وبالإضافة إلى حجم الخسائر، تراجع الدخل العام لمجموعة مردوخ «نيوز إنترناشيونال» بنسبة 8 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي إلى 2.27 مليار دولار بسبب تراجع الإعلانات والاشتراكات من ناحية وتراجع الدولار الأسترالي من ناحية أخرى.
وتعتمد الشركة في الفترة الصعبة الحالية على احتياطاتها المالية التي يبلغ حجمها 1.4 مليار دولار بالإضافة إلى قدرتها على اقتراض 750 مليون دولار عند الحاجة. وتقوم الشركة بعملية إعادة هيكلة بعد التخلص من الشركة الأميركية «نيوز أميركا ماركتنغ» وإعادة النظر في العمليات الأسترالية من صحف واشتراكات تلفزيونية. وتركز المجموعة حاليا على الأصول القوية في بريطانيا وعلى توسيع عملياتها الرقمية على الإنترنت.
وتلوم الشركة انتشار إصابات كورونا حول العالم في تحول مناخ الأعمال بوجه عام. واعترف تومسون أن آثار الوباء سوف تبقى لفترة طويلة وسوف تؤثر على عمليات المجموعة سلبيا خلال هذا العام. ولذلك تعمم «نيوز إنترناشيونال» برنامجا لخفض الإنفاق للتعامل مع تداعيات المدى القصير على نشاطاتها.
وكان من نتائج الأزمة اضطرار مجموعة «نيوز إنترناشيونال» إلى إغلاق 60 صحيفة محلية في أستراليا بعد جفاف الإعلانات المحلية من شركات العقار والمطاعم والأعمال الصغيرة. وفي شهر مارس (آذار) الماضي حذر رئيس عمليات المجموعة في أستراليا مايكل ميللر العاملين في المجموعة بأنه لا مناص من تقليص عدد الوظائف. ومن أجل خفض التكاليف طلبت إدارة المجموعة من بعض الموظفين الحصول على عطلات غير مدفوعة أو العمل لساعات قصيرة شهريا.
ولكن تبقى النقطة المضيئة الوحيدة هي زيادة الاشتراكات في صحيفة «وول ستريت جورنال» الاقتصادية، حيث حققت الصحيفة رقما قياسيا في عدد المشتركين بوصولهم إلى ثلاثة ملايين مشترك منهم 2.2 مليون مشترك في الخدمات الرقمية على الإنترنت.
وفي بريطانيا، تسبب الحجر المنزلي في هبوط نسب الإعلان في قطاع المطبوعات في مجموعة «ريتش» الإعلامية بنسبة 31.8 في المائة منذ أول شهر من الحجر. وفي حالة المنشورات الرقمية على الإنترنت تراجع الدخل بنسبة 22.5 في المائة رغم ارتفاع نسبة التصفح مقارنة بالعام الماضي بنسبة 57 في المائة. وهذه هي المرة الأولي التي يفشل فيها تزايد التصفح والإقبال في زيادة نسبة الإعلانات.
وتمتلك المجموعة مئات من الصحف المحلية مثل «مانشستر ايفنينغ نيوز» و«سكوتيش دايلي ريكورد» بالإضافة إلى الصحف الكبرى مثل «ديلي ميرور» و«دايلي اكسبرس» و«دايلي ستار».
ولاحظت المجموعة أن المعلنين يلجأون إلى منع إعلاناتهم من الظهور في المقالات التي تتناول كلمات مثل «فيروس كورونا» سواء كانت التغطية سلبية أو إيجابية. ويمكن بالتقنية الرقمية وضع عبارات أو كلمات في قائمة سوداء بحيث تتجنبها الإعلانات خوفا من الترابط الشرطي بين العلامة التجارية والوباء.
وتحاول الحكومة البريطانية إنقاذ الموقف بمساندة الصحف إعلانيا بحملات حجمها 45 مليون إسترليني (56 مليون دولار) كما كتبت توصيات مباشرة إلى أكبر مائة معلن في البلاد من أجل دعم الصحف إعلانيا.
وتعترف الصحف البريطانية أن معدلات التوزيع ما زالت أقل منها قبل فرض الحجر الصحي والعزل في المنازل. وهي ترى أن مستويات الإعلان لن تتحسن في المدى القصير خصوصا في الصحف المحلية التي تعاني أكثر من غيرها. وتقول المجموعة بأنها تعتمد حاليا على رصيدها المالي الذي يصل إلى حوالي 33 مليون إسترليني (41 مليون دولار) مع تسهيلات ائتمانية متاحة لها تصل إلى 40 مليون إسترليني (50 مليون دولار).
من التداعيات الأخرى التي تشترك فيها مؤسسات الإعلام مع الشركات الأخرى، انتقادات نقابات العمال لها بسوء معاملة العاملين في الصحف أثناء الأزمة. ففي الشهر الأخير قررت مؤسسة «ريتش» التخلي عن 940 عاملا وصحافيا، أي 20 في المائة من حجم العمالة، وإحالتهم إلى الدعم الحكومي الذي يدفع لهم 80 في المائة من أجورهم على سبيل الإنقاذ المؤقت حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل على الأقل، كما أعلن موقع «بز فيد» الإخباري الأسبوع الماضي عن تقليص ضخم يشمل إغلاق مكاتبه في كل من بريطانيا وأستراليا.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».