إيران بعد مفاوضات فيينا: ضغوط متصاعدة على روحاني

طهران تريد الحفاظ على ماء الوجه والدول الست تريد ضمانات ملموسة

إيران بعد مفاوضات فيينا: ضغوط متصاعدة على روحاني
TT

إيران بعد مفاوضات فيينا: ضغوط متصاعدة على روحاني

إيران بعد مفاوضات فيينا: ضغوط متصاعدة على روحاني

حل موعد التوصل إلى اتفاق نووي وحتى اليوم الأخير لا تزال جميع الأطراف المعنية تعرب عن أملها في إمكانية التوصل إلى الاتفاق رغم صعوبة المفاوضات، ورغم أن كل جانب يقول إن مسؤولية التوصل إلى اتفاق نهائي تقع على عاتق الطرف الآخر.
ويذكر أن الأزمة النووية القائمة منذ عقد بين إيران من ناحية والأعضاء الخمس دائمي العضوية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بجانب ألمانيا من ناحية أخرى بلغت مرحلة حاسمة يتعين خلالها التوصل إلى تسويات صعبة، لكن عملية. وتنتظر قوى عالمية من إيران أن تثبت على مدى المستقبل المنظور أن برنامجها النووي سيظل مقتصرا على الاستخدام السلمي، ولن يتحول إلى الاستخدام العسكري.
وفي المقابل، تبدو إيران عاقدة العزم على الحفاظ على ماء الوجه عبر الإبقاء على مستوى معين من القدرات النووية يتضمن عددا كبيرا من معدات الطرد المركزي العاملة، لكنها توافق على إخضاعها لقيود في ظل معاهدة حظر الانتشار النووي، بيد أن الغرب يعتبر أن التزام طهران بمعاهدة حظر الانتشار النووي والبروتوكول الإضافي الملحق بالمعاهدة والذي يسمح بعمليات تفتيش من دون قيد للمنشآت النووية غير كافٍ، نظرا لتوجسهم من إمكانية وجود مواقع أخرى أو برامج بحثية سرية.
وكانت فيينا قد شهدت جهودا وتحركات دبلوماسية مكثفة من قبل وزراء ومسؤولين أجانب من مختلف الأطراف، حيث عقدوا اجتماعات بالعاصمة النمساوية مع وفود إيرانية بهدف التغلب على الخلافات وإقرار أرضية مشتركة. ومع ذلك ظلت الفجوة بين الجانبين كبيرة بخصوص قضيتين رئيسيتين: أولاهما المستوى المسموح به لإيران بالنسبة إلى تخصيب اليورانيوم، وثانيهما وتيرة رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
من جهته، قال علي خورام، مستشار وزير الخارجية الإيراني، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يوحي الحضور النشط لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خلال الجولة الأخيرة من محادثات فيينا بتراجع الولايات المتحدة قليلا عن موقفها غير العملي الذي اتخذته في مسقط واستعدادها لمناقشة صيغة أخرى بديلة أكثر عملية للتعامل مع إيران».
والمعروف أن حكومة روحاني تتعرض لضغوط هائلة من العناصر المحافظة والراديكالية داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب ما يعتبرونه موقفها المتساهل تجاه «مطالب الغرب المتغطرسة والمفرطة». في الوقت ذاته، تواجه إدارة أوباما مهمة بالغة الصعوبة تتمثل في ضمان أن التوجه الساعي للتعاون مع إيران سيقنع الجمهوريين بالداخل ويهدئ المخاوف الإسرائيلية حيال البرنامج النووي الإيراني.
من جانبه قال محمد حسيني، العضو البارز بـ«جبهة المقاومة»، وهي فصيل شديد المحافظة على صلة بآية الله مصباح يزدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه «إذا أخفقت المفاوضات، ستتعين محاسبة روحاني من قبل المرشد الأعلى والأمة بأسرها». وأضاف أنه «حال عدم التوصل إلى اتفاق وتوقف المفاوضات فلن تخسر إيران بذلك شيئا وستستأنف نشاطاتها النووية بذات المستوى السابق لاتفاق جنيف المؤقت».
من ناحية أخرى، قال فايز زاهد، المحلل الإصلاحي في طهران، لـ«الشرق الأوسط» إنه «يبدو بعد عام كامل من المفاوضات المكثفة أن جميع الأطراف ستتمكن من الاتفاق على صيغة عملية لتمديد المفاوضات بغية الوصول إلى اتفاق نهائي. أما انهيار المفاوضات فسيحمل تبعات كارثية على حكومة روحاني ولن يخدم سوى الراديكاليين، حيث سيمكنهم من استعادة زمام المبادرة السياسية».
من ناحية أخرى، قالت فرح دخل الله، المتحدثة باسم الخارجية البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه «بينما تحقق تقدم في غالبية جولات المحادثات الأخيرة، لا تزال مواقف الطرفين بعيدة عن بعضها في ما يخص قضايا محورية». وفي الوقت الذي توجه وزير الخارجية البريطاني، فيليب هوموند، إلى فيينا للمشاركة في المفاوضات، تمسكت الحكومة البريطانية بموقفها الصارم الذي يقضي بأن «الاتفاق سيصبح ممكنا فقط إذا وافقت إيران على فرض قيود حقيقية على برنامجها النووي. حينئذ فقط سيصبح لدى العالم ثقة بأن برنامجها سلمي تماما. في المقابل، فإن الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا على استعداد للموافقة على تخفيف كبير ومبكر للعقوبات».
الملاحظ أنه من بين الدول الأوروبية الثلاث المعنية بالمفاوضات (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا)، تبدو ألمانيا الأكثر حرصا على التوصل سريعا إلى اتفاق نووي مع إيران بالنظر إلى صلاتها الاقتصادية والتجارية التاريخية القوية معها.
من جانبها، ترى نورا مولر، مديرة قسم الشؤون الدولية بمؤسسة كوبر في برلين، أن «اهتمام ألمانيا الرئيس ينصب على تسوية الصراع النووي مع إيران وإعادة طهران تحت مظلة المجتمع الدولي. وكعضو في مجموعة الدول المتفاوضة مع إيران، تبقى برلين ملتزمة ببنود اتفاق جنيف المؤقت».
ومن بين التداعيات الخطيرة المترتبة على انهيار المفاوضات إلحاق الضعف بحكومة روحاني داخليا قبل دورتي انتخابات على درجة بالغة من الأهمية، إحداهما تخص البرلمان والأخرى تتعلق بمجلس الخبراء من المقرر عقدهما نهاية العام المقبل. والجدير بالذكر أن ظريف تعرض لانتقادات حادة داخل إيران من جانب المحافظين بسبب تعليقاته حول عواقب عدم التوصل إلى اتفاق خلال لقاء أجري معه في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي. ودارت وجهة نظر ظريف حول أن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق سيمكن الراديكاليين من استعادة السلطة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
وبالفعل اعترفت مولي بأن «الفشل في العودة إلى طهران باتفاق مقبول سيضعف بدرجة بالغة موقف وزير الخارجية ظريف وكذلك موقف الرئيس روحاني على صعيد توازن القوى السياسية داخل طهران. ومن أجل وفائه بتعهداته بتحسين الوضع الاقتصادي المتردي بالبلاد فإن روحاني في حاجة ماسة للتخفيف من حدة القيود. وإذا خرج خالي الوفاض من المفاوضات فإن هذا سيقوي موقف المحافظين».
يذكر أن طهران تضغط بشدة لرفع جميع العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن فور إقرار أي اتفاق، بيد أن القوى الغربية ترى هذه العقوبات جزءا محوريا من الجهود الدولية لمكافحة الانتشار النووي، ولا ينبغي رفعها إلا بعدما تثبت طهران الطابع السلمي لبرنامجها النووي، عبر الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك الالتزامات المرتبطة بمعاهدة حظر الانتشار النووي والبروتوكول الإضافي المرفق بها والمطالب الأميركية والأوروبية.
ويتمثل الموقف الرئيس للقوى الغربية في أنه «حال انهيار المحادثات ستتوقف إجراءات التخفيف المحدود للقيود التي استفادت منها إيران حتى الآن، وستواجه الأخيرة مزيدا من الضغوط الدولية. وقد يجري النظر في فرض مزيد من العقوبات»، حسبما أخبرت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية البريطانية «الشرق الأوسط».
المعروف أن جميع الأطراف متفقة على أن وجود الرئيس الأميركي باراك أوباما وروحاني في السلطة يتيح فرصة نادرة للتوصل إلى اتفاق والتغلب على أكبر أزمة سياسية ونووية يشهدها القرن الـ21 حتى الآن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.