مصرف لبنان والقضاء يحاولان محاصرة المضاربات بسعر الدولار

TT

مصرف لبنان والقضاء يحاولان محاصرة المضاربات بسعر الدولار

ساهمت الإجراءات الأمنية والملاحقات القضائية التي طالت العاملين في سوق الصرافة خلال الأسبوعين الأخيرين، بتهدئة الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، ومحاصرة المضاربات في السوق، تمهيداً لفرض سعر مقبول في السوق الموازية، يتراوح بين 3200 و3500 ليرة لبنانية للدولار، في وقت نفى المركزي أن يكون التلاعب في سوق الصرافين ناتجاً عن عملياته.
وتعتمد السلطات اللبنانية مقاربة أمنية وقضائية لتطويق الانفلات في سوق الصرافة الذي رفع قيمة الدولار في السوق السوداء إلى نحو 4300 ليرة، قبل أسبوعين، واستقر التداول أمس عند سعر 4100 ليرة في السوق السوداء بعد سلسلة توقيفات بدأتها السلطات قبل أسبوعين، لمنع تدهور السعر.
وحاصرت الملاحقات القضائية متجاوزي التعليمات والتعاميم التي أصدرها مصرف لبنان لناحية الالتزام بسعر صرف 3200 ليرة للدولار في سوق الصرافة، فيما تحرر المصارف ودائع الناس التي تقل عن 3 آلاف دولار بسعر صرف 3200 ليرة، علما بأن السعر الرسمي لا يزال عند عتبة 1515 ليرة.
وأوقفت السلطات اللبنانية عشرات الصرافين غير الملتزمين بسعر الصرف المحدد عند العتبة التي حددها مصرف لبنان. وتحدثت معلومات صحافية أمس عن مداهمة نفذها الجيش اللبناني ليل الخميس - الجمعة لمنزل أحد الصرافين في منطقة الحدث في ضاحية بيروت الجنوبية، وصادر ملايين الدولارات من منزله إضافة إلى كميات كبيرة من العملات الصعبة.
وقالت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» بأن هذه العملية الأمنية تؤكد أن مصرف لبنان يعمل على محاصرة المضاربات في السوق والحد منها بالتعاون مع القضاء، مشيرة إلى أن المصرف المركزي «لا قدرة له الآن على منع المضاربة كلياً، فإمكانياته لا تسمح بتدخلات واسعة في السوق، لكنه يحاول ضبط السوق من خلال الإجراءات القضائية».
وشرحت المصادر أن المقصود بإمكانيات المصرف المركزي هي احتياطاته من العملة الصعبة التي عادة ما تهدئ الأسواق عندما يضخ المركزي منها في السوق.
وقالت بأن «الاحتياط حاليا بحدود 20 مليار دولار، يخصصها المركزي لشراء السلع الأساسية مثل الطحين والمحروقات والغاز والأدوية»، مشيرة إلى أن المركزي «يستطيع باحتياطاته الموجودة الآن، تغطية شراء الحاجات الأساسية لمدة عامين في حال لم تكن هناك أي ضغوط على الاحتياط لديه، وهو يعزز هذا الاحتياط عبر الاستحواذ على التحويلات المالية عبر المؤسسات غير المصرفية، وصرفها للناس بالعملة المحلية وفق سعر السوق».
ولم تقتصر الملاحقات القضائية على الصرافين، بل طالت سائر المتعاملين معهم والذين ساهموا بتمكينهم في إجراء المضاربات في السوق. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية أن النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم «أمر بتوقيف مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان في ملف التلاعب بسعر صرف الدولار».
واتخذت الهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال أمس قراراً برفع السرية عن العمليات التي جرت مع الصيارفة بغية تزويدها إلى المدّعي العام المالي. وقالت بأنه «بعد مراجعة الوحدة الخاصة في مديرية العمليات النقدية التي تتولى عمليات التداول بالعملات الأجنبية لا سيما الدولار وفقاً لسعر الصرف»، تبين أنه «لم يكن هناك أي تلاعب في سوق الصرافين ناتج عن عمليات مصرف لبنان»، لافتة إلى أن المبالغ المذكورة (12.7 مليون دولار باعها مصرف لبنان واشترى 11.3 مليون دولار) هي لفترة شهر وليست بأحجام التقلبات التي شهدتها أسعار القطع خلال هذه الفترة.
وتعهد «المركزي» اللبناني بمتابعة ضخ الدولارات التي يستحوذ عليها، عبر المصارف لتمويل الاستيراد بسعر 3.200 ليرة للدولار، بهدف تخفيض أسعار المواد الغذائية. وذلك بالإضافة إلى الجهود التي يبذلها للمحافظة على استقرار الأسعار لا سيّما المحروقات والأدوية والطحين، مساهمة منه في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي في هذه الظروف الصعبة. وذلك فضلاً عن الأموال والآليات التي خصصت لتمويل المواد الأولية للصناعة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.