انقسام المعارضة الجزائرية حول «مسودة الدستور الجديد»

جدل واسع حول السلطات الكبيرة لرئيس الجمهورية

TT

انقسام المعارضة الجزائرية حول «مسودة الدستور الجديد»

أحدثت مسودة تعديل الدستور، التي عرضتها الرئاسة الجزائرية على الطبقة السياسية، في السابع من الشهر الجاري، انقساماً حاداً داخل كتلة المعارضة، التي تتكون من إسلاميين وعلمانيين وليبراليين. علماً بأن الرئاسة تعهدت بالأخذ بجميع الانتقادات والملاحظات، قبل اعتماد الصيغة النهائية للوثيقة، لعرضها على البرلمان للمصادقة، ثم على استفتاء شعبي.
وأبدى سفيان جيلالي، رئيس «جيل جديد» (حزب نخبوي ليبرالي) في تصريحات للصحافة، ارتياحاً لمضمون مسودة الدستور، مؤكداً أنه «يتضمن عناصر إيجابية»، ذكر من بينها «تعزيز حرية الصحافة، وذلك بمنع أي شكل من أشكال الرقابة عليها»، وقضية تأسيس جمعيات بمجرد إيداع طلب بذلك للسلطات العمومية، بعكس ما هو معمول به باشتراط موافقة وزارة الداخلية قبل البدء في النشاط. كما أشاد جيلالي بتخلي الرئيس عن التشريع بأوامر في فترة إجازة البرلمان، وبإعادة منصب رئيس الحكومة بدل وزير أول، حتى لو كانت صلاحياته محدودة.
وكان جيلالي من أشد معارضي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكنه غيّر موقفه المعادي للسلطة منذ وصول عبد المجيد تبون إلى الحكم بنهاية العام الماضي، وسانده في «الإصلاحات» التي أطلقها، لكنه تعرض لانتقاد شديد بسبب «سكوته» ع نسجن نشطاء الحراك الشعبي.
في المقابل، قال: «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (معارضة علمانية راديكالية)، إنه «غير معنيٍّ بدستور السلطة»، معلناً رفضه «الترقيعات التي يراد إدخالها على الدستور في محاولة لإنقاذ النظام». وندد بـ«أجواء تصفية الحسابات بين الأجنحة المتصارعة في النظام، بغرض السيطرة على أجهزة القمع السياسي والاجتماعي». كما انتقد «الأحكام المقيدة للحريات، خصوصاً ما تعلق بالمناضلين الذين يحتجون على الممارسات التعسفية». في إشارة إلى إجراءات اتخذتها السلطات قبل الإعلان عن مسودة الدستور، أهمها تشديد العقوبات في القانون الجنائي ضد من تقدر السلطات أن منشوراته على شبكة التواصل الاجتماعي، مسيئة لرموزها.
من جهته، ذكر ناصر حمدادوش، قيادي الحزب الإسلامي المعارض «حركة مجتمع السلم»، أن وثيقة الدستور «تزوِّر التاريخ القريب، الذي صنعه أغلب الشعب الجزائري في الحراك الشعبي، عندما تختزل طموحاته ومطالبه في مجرد إحداث تحوّلات اجتماعية عميقة، كأن هذه الثورة الشعبية هي ثورة خبز وزيت وسكر، أو مجرد حركة احتجاجية على مطالب اجتماعية أو فئوية أو مهنية».
وانتقد حمدادوش بشدة احتفاظ رئيس الجمهورية بصلاحيات كبيرة في المسودة، والتي كان محل رفض شديد في عهد الرئيس بوتفليقة. وأشار إلى وعود تبون في حملة انتخابات الرئاسة بالتنازل عن كثير من صلاحياته لصالح البرلمان والحكومة. مؤكداً أن المسودة «لا تختلف عن دستور بوتفليقة».
يشار إلى أن المتحدث باسم الرئاسة محمد السعيد، أكد الاثنين الماضي في مؤتمر صحافي، أن المسودة «لا تعدو أن تكون مقترحات طُرحت للنقاش وهي قابلة للتعديل»، وفُهم من كلامه أن الرئاسة ستتخلى عن بعض أفكار ومقترحات محل رفض واسع.
وبينما رفضت «جبهة القوى الاشتراكية»، (أقدم حزب معارض)، دستور الرئيس الجديد بالصيغة التي تلقتها، والتي عدّتها «بعيدة عن طموحات الشعب الجزائري في تغيير شامل»، رحبت «حركة البناء الوطني» (إسلامية) بالمسعى، وقالت إنها تنظر إليه «ضمن إصلاحات كبرى وحوار عميق». وأكدت أنها «سجّلت ملاحظات أولية على المسودة، تتعلق بالأمن القومي والقضايا المرتبطة بعقيدة الشعب وقيمه». مشيرة إلى أن الجزائريين «يتطلعون لدستور يعكس روح الحراك الشعبي في الانتقال إلى ديمقراطية حقيقية مستقرة».
وأطلقت غالبية أحزاب المعارضة أرضية مشتركة عام 2014، سُميت «الانتقال الديمقراطي»، تتضمن تعزيز الحريات، واستقلال القضاء، وفتح وسائل الإعلام الحكومية على كل الحساسيات السياسية. لكن السلطة آنذاك رفضت المبادرة، وحاربتها عن طريق وسائل إعلام تابعة بها. وقد حدث أول شرخ في المعارضة، عام 2016 عندما أطلقت الرئاسة مشاورات حول تعديل للدستور، رفضتها أحزاب مثل «جيل جديد»، فيما أيّدتها أخرى، كان أبرزها «مجتمع السلم».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.