أحدثت «تسريبات» صحافية عن توصية بإقالة وزير الصحة من منصبه أزمة سياسية بين أطراف الحكومة الانتقالية السودانية، وأدت إلى نشوب «حرب بيانات» بين أطرافها وهياكلها، هددت استمرار الشراكة الهشة التي ظلت تحكم السودان بعد سقوط حكومة نظام الإنقاذ في أبريل (نيسان) 2019.
وبدأت الأزمة بعد أن نسبت «العين الإخبارية» الثلاثاء الماضي إلى «مصادر» أن اجتماعاً لشركاء الحكم (مجلس السيادة، الوزراء، وقوى إعلان الحرية والتغيير)، أوصى بإقالة وزير الصحة أكرم علي التوم، على خلفية إخفاقه في إدارة جائحة «كورونا» المستجد.
لكن قوى إعلان الحرية والتغيير، الحاضن السياسي للحكومة الانتقالية، سرعان ما نفت في بيان صدور توصية بإقالة الوزير المعني، حيث سارع إعلام مجلس السيادة لينشر على منصاته الرسمية خبراً يؤكد صدور القرار عن الاجتماع المشترك، ثم تبعته وكالة الأنباء الرسمية «سونا» ونشرت الخبر هي الأخرى.
ولم تمر دقائق معدودة على نشر الخبر في منصات مجلس السيادة، حتى تم حذفه من الموقع الرسمي على «الإنترنت» و«تويتر» و«فيسبوك»، وقيل وقتها إن أطرافا في العملية تدخلت وطلبت حذفه، وبالفعل اختفى من المنصات الرسمية، واضطرت «سونا» للاعتذار عن حذف الخبر لحذفه من المصدر.
وبعد حذف الخبر المثير للجدل بوقت قليل، أكد رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، بحسب الوكالة الرسمية، عدم وجود توصية من أي جهة بإقالة وزير الصحة، ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم الحكومة، فيصل صالح، «إشادة مجلس الوزراء بأداء وزارة الصحة، والكوادر الطبية في درء جائحة كورونا وحماية المواطنين».
وما إن انتشرت تصريحات رئيس الوزراء الداعمة لوزيره، ونفيه لما ورد عن مجلس السيادة، حتى سارع إعلام المجلس إلى إعادة نشر الخبر المحذوف مجدداً في منصاته الثلاث دون تعديل، وهو ما اعتبر بداية لصراع بين مكونات مجلسي السيادة والوزراء، وعلى وجه الخصوص مع المكون العسكري.
وتعود القصة بحسب رواية وزير الإعلام فيصل محمد صالح، إلى أن اجتماعاً مشتركاً لممثلين عن مجلس السيادة والوزراء، وقوى إعلان الحرية والتغيير، بحث «مصفوفة» تتعلق بقضايا المرحلة الانتقالية، عقد في السادس من مايو (أيار) الماضي، وعقب نهايته أثيرت ملاحظات على أداء وزير الصحة، بل وطلب بعض الحاضرين إقالته، إلاّ أن رئيس الوزراء رد بأن الاجتماع ليس المكان المخصص لبحث قضايا من صميم صلاحيات مجلس الوزراء.
وإثر ذلك انشغلت الخرطوم بحرب البيانات، التي سرعان ما تطورت لمعركة إعلامية «شرسة» ضجت بها منصات التواصل الاجتماعي، واعتبرها مراقبون مهدداً خطيراً للشراكة الهشة بين المدنيين والعسكريين.
وللخروج من الأزمة، سارعت بعض الأطراف بإجراء اتصالات مكثفة بين مجلسي الوزراء والمجلس السيادي، ومن خلفهما قوى الحرية والتغيير، ونقلت «سونا» أن من بينهم عدداً من أعضاء المجلس السيادي ومجلس الوزراء وقيادات قوى الحرية والتغيير، إضافة إلى شخصيات وطنية مستقلة تجري اتصالات بالأطراف لتطويق الأزمة، والحد من مضاعفاتها، والتوصل لتفاهمات تنزع عنها الفتيل.
ونسبت إلى وسيط القول إنه يثق في حس المسؤولية السياسية والوطنية لدى كل الأطراف، وقدرتهم على تجاوز هذه الخلافات حول تفاصيل، يمكن ويجب التوافق عليها، وتابع موضحا: «هذه الأزمة تأتي على خلفية جائحة (كورونا) التي تعطل مظاهر الحياة، وتضع مزيداً من الضغوط على كاهل المواطنين، الذين يعانون أصلا جراء الأزمة الاقتصادية، والصراعات القبلية الجهوية، التي تنشر التوتر والمخاوف في البلاد، ما يتطلب إعلاء حس المسؤولية، وتوحيد الجهود للعبور بالبلاد لبر الأمان».
بالمقابل، هددت «لجان المقاومة»، وهي تنظيمات شعبية في الأحياء، شاركت بفاعلية في إنجاح الثورة وإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بكسر حظر التجوال المفروض لمحاصرة «كورونا»، وتنظيم مواكب ضد المكون العسكري في الحكومة، وقد شهدت بعض الأحياء إحراق إطارات السيارات وسدا للطرقات للتحذير من إقالة وزير الصحة، الذي اكتسب شعبية واسعة بخطابه الشعبوي الحماسي، ووعوده بتوفير الخدمات الصحية المجانية، وإعادة بناء النظام الصحي، الذي هدمه نظام الثلاثين من يونيو (حزيران)، والذي حول الخدمة الصحية بحسب منتقديه لـ«سلعة عزيزة» على الفقراء، يتجر في سوقها محسوبوه ورموزه.
الخرطوم: اتصالات مكثفة لتلافي أزمة بين المدنيين والعسكريين
الخرطوم: اتصالات مكثفة لتلافي أزمة بين المدنيين والعسكريين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة