الحكومة التونسية تجدد حربها على الفساد بفتح «ملفات ثقيلة»

TT

الحكومة التونسية تجدد حربها على الفساد بفتح «ملفات ثقيلة»

فتحت الحكومة التونسية من جديد ملف الحرب على الفساد، عبر اتخاذ قرارات حاسمة جاءت بعد سلسلة من التحريات حول عدد من المتهمين، أبرزها إحالة 21 موظفاً من قيادات الصف الأول في سلك الجمارك إلى التقاعد الإجباري، بعد أن حامت حولهم شبهات فساد وسوء التصرف في مناصبهم، وارتباط أسمائهم بـ«ملفات ثقيلة».
وأكدت مصادر حكومية أن قرار إحالة هؤلاء الموظفين السامين إلى التقاعد الإجباري يأتي في سياق مواصلة الحملة التي شنها يوسف الشاهد سنة 2017 على عدد من المشتبه بهم، في ظل صعوبات ومعوقات متعددة، كما يمثل «عقوبة إدارية» ورسالة مباشرة لكل موظف تسول له نفسه القيام بأي عمل مخالف للقانون.
واتخذ قرار إحالة هؤلاء الموظفين السامين إلى التقاعد الإجباري محمد عبو، ووزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، بتشاور مع محمد نزار يعيش، وزير المالية، بعد أن أجريا في سرية تامة سلسلة من التحقيقات الإدارية والمالية.
كما أصدر وزير المالية مجموعة من القرارات الفردية النافذة، بحكم أنه يمثل سلطة الإشراف على إدارة الجمارك، ووجهت الحكومة مذكرة للإدارة العامة للجمارك لتنفيذ قرار التقاعد الإجباري بعد أن أعلمتها مساء الأربعاء بنص القرار. لكن بعض الأحزاب السياسية ومنظمات حقوقية طالبت بضرورة إخضاع هؤلاء الضباط إلى المساءلة والمحاكمة القضائية، بدل الاكتفاء بتوجيه عقوبة إدارية لا تتماشى في نظرهم مع حجم الجرم الذي ارتكبوه في حق المال العام.
ووفق ما تسرب من معلومات، فهناك أيضاً موظفات يشتبه بتورطهن في ملفات فساد، وضباط آخرون أحيلوا سابقاً إلى القضاء بسبب شبهات تورطهم في جرائم فساد مالي، من بين الضباط المحالين إلى التقاعد الإلزامي. كما يوجد ضمن القائمة من تورط في قضية تهريب المخدرات، إلى جانب محاكمة 12 ضابطاً منهم في قضايا سرقة حاويات، وبضائع مختلفة من ميناء رادس التجاري، أكبر الموانئ التجارية التونسية.
وتأتي هذه القرارات بعد وقت قصير من منح محمد عبو، وزير الدولة المكلف مكافحة الفساد، تفويضاً حكومياً يخول له الحصول على كل الوثائق والمعلومات من الوزارات المعنية، وذلك في إطار سياسة تهدف إلى الكشف عن منظومات الفساد.
يذكر أن محمد عبو، زعيم حزب التيار الديمقراطي اليساري، بنى حملته الانتخابية السنة الماضية حول شعار أساسي، يتمثل في مكافحة الفساد، والدعوة إلى إحالة المتهمين إلى أنظار القضاء، وهو الخطاب الذي مكنه، حسب مراقبين للشأن السياسي المحلي، من تحقيق نتائج انتخابية غير متوقعة، حيث حصل على 22 مقعداً برلمانياً، محتلاً بذلك المرتبة الثالثة لأول مرة خلف «حركة النهضة» (52 مقعداً)، وحزب «قلب تونس» (38 مقعداً).
في سياق متصل، أكد محسن الدالي، المتحدث باسم المحكمة الابتدائية بالعاصمة التونسية، إصدار حكم بسجن ياسين الشنوفي، المرشح الرئاسي السابق ورجل الأعمال المعروف لمدة 5 سنوات، بعد إدانته في قضايا فساد مالي وغسل أموال. إضافة إلى غرامة مالية قدرها 9 ملايين دينار تونسي (نحو 3 ملايين دولار)، مع إخضاعه للمراقبة الإدارية لمدة 5 سنوات بعد انقضاء فترة الحكم بالسجن.
وجرى توقيف الشنوفي، وهو من أبرز أطر إدارة الجمارك، سنة 2017 خلال فترة حكم يوسف الشاهد، برفقة 10 رجال أعمال تونسيين بارزين، على خلفية اتهامات عدة، من بينها الفساد المالي، والتهريب والتهرب الضريبي.
وفي هذا السياق، ذكر عبد اللطيف المكي، القيادي في «حركة النهضة»، متزعمة المشهد السياسي الحالي، في تصريحات إعلامية، أن الحكومة الحالية «مؤهلة اليوم أكثر من أي حكومة سابقة لفتح ملفات الإصلاح السياسي والاقتصادي، ومحاربة الفساد»، كما كان ملف الفساد من أهم الملفات التي أعلن إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة التونسية الحالية أنه عازم على فتحها، ومحاكمة الضالعين في الفساد.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.