القليبي... رحيل سياسي تونسي بارز و{عروبي مخلص}

أدار الجامعة العربية في «فترة حرجة» من تاريخها

الشاذلي القليبي (غيتي)
الشاذلي القليبي (غيتي)
TT

القليبي... رحيل سياسي تونسي بارز و{عروبي مخلص}

الشاذلي القليبي (غيتي)
الشاذلي القليبي (غيتي)

غيّب الموت، أمس، الشاذلي القليبي، أحد أبرز الوجوه السياسية والثقافية في تاريخ تونس الحديث، والأمين العام الوحيد لجامعة الدول العربية، من خارج مصر.
وشغل القليبي، الذي توفي في مقر إقامته بضاحية قرطاج في العاصمة تونس، عن عمر يناهز 94 عاماً، منصب أمين عام الجامعة لنحو 10 أعوام، وُصفت بـ«فترة حرجة» من تاريخ العمل العربي المشترك، وذلك عندما انتقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس عام 1979؛ بسبب توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل.
وأعلنت الجامعة العربية، أمس، الحداد على رحيل القليبي، وقرر الأمين العام أحمد أبو الغيط «تنكيس العلم»، معتبراً أن «الأمة العربية فقدت سياسياً عروبياً مخلصاً، لعب دوراً مهماً في مرحلة استثنائية من تاريخ الجامعة العربية المعاصر، فضلاً عن اضطلاعه بمهام سياسية كبيرة في بلده تونس».
واجه القليبي خلال ترؤس الجامعة العربية العديد من القضايا العربية الساخنة، حتى تقديم استقالته قبيل اندلاع حرب الخليج الثانية لاعتراضه على «التدخل الأجنبي». وتمكن القليبي خلال تلك الفترة من «الحفاظ على استمرارية عمل الجامعة في ظل الظروف الصعبة التي واجهت العمل العربي المشترك في فترة توليه المسؤولية خلال عقد الثمانينات»، بحسب أبو الغيط، الذي أكد في بيان له أن فترة القليبي «عززت من القدرة المؤسسية الكبيرة للجامعة العربية على البقاء والتكيف مع الأزمات، والاستمرار في خدمة الأمة مهما كانت الظروف».
وبحسب الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن القليبي «سلم الجامعة – بعد عودتها للقاهرة - في وضع معقول من النواحي الهيكلية، بعد أن لعب دوراً كبيراً ومهماً في الحفاظ على الكيان، في وقت مضطرب للمنطقة والعالم العربي».
وعُرف السياسي التونسي البارز بمواقفه العروبية والقومية، وحرصه الدائم على العمل العربي المشترك. ويقول المفكر السياسي المصري الدكتور مصطفى الفقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القليبي أسهم بشكل واضح في دفع السياسية التونسية نحو التوجه العربي، بسبب أفكاره القومية القوية، خاصة في فترة نقل مقر الجامعة، واستضافة تونس أيضاً مقر منظمة التحرير الفلسطينية».
والقليبي هو الأمين العام الرابع للجامعة بعد عبد الرحمن عزام، وعبد الخالق حسونة، ومحمود رياض، وأعقبه كل من أحمد عصمت عبد المجيد، وعمرو موسى، ونبيل العربي، والأمين الحالي أحمد أبو الغيط، وكلهم من مصر.
ونعى البرلمان العربي القليبي؛ إذ قال مشعل بن فهم السُلمي، رئيس البرلمان العربي، إن «الأمة العربية فقدت بوفاة القليبي شخصية سياسية، كان لها دور تاريخي بارز في قيادة الجامعة العربية، وفي أدق الظروف التي واجهت الشعوب العربية».
ولعب القليبي دوراً في تكوين لجان لتنقية الأجواء العربية، ودعم التعاون العربي - الأفريقي، ومساعي تحقيق الأمن القومي العربي، والمقاطعة العربية لإسرائيل، ودعم الانتفاضة الفلسطينية.
ينتمي الشاذلي القليبي، الذي ولد في 6 سبتمبر (أيلول) 1925، إلى عائلة مرتبطة بـ«الحركة الوطنية»، التي قادها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. وانتخب عام 1964 عضواً في اللجنة المركزية للحزب الحرّ الدستوري التونسي، وعُين عضواً للديوان السياسي للحزب نفسه في يوليو (تموز) 1968 حتى سبتمبر 1979، كما انتخب نائباً في البرلمان التونسي.
وفي بداية مسيرته السياسية شغل القليبي منصب مدير عام الإذاعة والتلفزة التونسية، كما تقلّد العديد من المناصب الوزارية خلال فترة حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، من بينها منصب وزير الثقافة، وأسس خلال فترة إدارته للوزارة مهرجان قرطاج الدولي سنة 1965، إضافة إلى تقلده وزارة الإعلام ما بين عامي 1961 و1979، ومنصب مدير ديوان رئيس الجمهورية.
ويحمل معظم التونسيين «انطباعاً إيجابياً» عن القليبي على المستوى الوطني، فضلاً عن مساهماته البارزة في معظم الصحف والمجلات، حيث كان ينشر العديد من المقالات السياسية والبحوث، وألقى الكثير من المحاضرات الأدبية، وألّف كتباً عدة. كما أصبح عضواً بمجمع اللغة العربية في القاهرة في فبراير (شباط) 1970.
واشتهر القليبي داخل الأوساط الأدبية والسياسية بأنه صاحب آراء صريحة ومتحررة إزاء المشكلات التي كانت تجابه المجتمع العربي، وكانت له مساهمات بارزة في عدد من القضايا الخلافية، مثل إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، وقضية المرأة العربية، وقضايا النفط، والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، والحوار العربي الأوروبي - الأفريقي.
وعلى المستوى الثقافي كان القليبي، الحاصل على الإجازة في اللغة والآداب العربية، من أهم وأبرز الأصوات الثقافية في تونس، ومثل لمعظم التونسيين أيقونة ثقافية، وعرف بأنه «صانع المؤسسات الأولى لقطاعات الثقافة والإعلام» منذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956.



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».