«في مدح الكسل»!

«في مدح الكسل»!
TT

«في مدح الكسل»!

«في مدح الكسل»!

«لقد درجتُ، شأني في ذلك شأن معظم الجيل الذي أنتمي إليه على المثل القائل: بأن (اليدّ البطالة نجسة)، ولمّا كنتُ طفلاً يتحلى بأسمى الفضائل، كنتُ أصدق كل ما كان يُقال لي... واكتسبتُ ضميراً ما زال يدفعني إلى العمل الشاق حتى اللحظة الراهنة... ولكن بالرغم من أن ضميري ما زال يسيطر على (أفعالي)، إلا أن (آرائي) قد اجتاحتها ثورة... فأنا أعتقد أن العمل الذي ينجز في العالم يزيدُ عمّا ينبغي إنجازه بكثير، وأن ثّمة ضرراً جسيماً ينجم عن الإيمان بفضيلة العمل...».
بهذه الكلمات، بدأ الفيلسوف البريطاني برتراند راسل كتابه المثير «في مدح الكسل»، الذي يؤكد الحاجة إلى الكفّ عن إرهاق الناس في أعمال مضنية تحولهم إلى آلات إنتاج، والاعتماد أكثر على تحفيز قدراتهم الذهنية والفكرية والإبداعية... فثمة فائض في العمل، وليس ثمة فائض في مستوى جودة الحياة.
يجادل راسل، أن الكسل كان في وقت من الأوقات «ضرورة»، لكي تنتعش الحضارة الإنسانية، حيث وفرّت للسادة رفاهية مكنتهم من التفرغ للعلم والفنّ والمنطق والفلسفة والعلوم العقلية، وتركت العناء للعبيد يكدحون لتحقيق تطلعات وأفكار السادة. لكن مع الثورة الصناعية وتطور الآلة، والتقدم التقني، تلاشت هذه الطبقيات القائمة على استعباد الإنسان للإنسان، وأصبح الجميع الحصول على متسع من الوقت للترفيه والتفكير والتأمل والإبداع الذهني، أو لمجرد الاسترخاء... وهو ضرورة قصوى لكي نضمن صفاءً ذهنياً ونفسياً محفزاً لتطوير الأداء، ولكي نرفع من جودة الحياة.
فكرة راسل، وإن بدت ترفاً في بعض البلدان، خصوصاً تلك التي يكدح العامل في نوبات عمل متواصلة ومضنية من أجل توفير الحدّ الأدنى من المعيشة، إلا أنها تثبت أن انغماس الناس في الأعمال الشاقة المتواصلة لم يؤدِ بالضرورة، لا إلى تحسين الاقتصاد، ولا إلى مستوى معيشي أفضل.
كتاب برتراند راسل «في مدح الكسل»، صدر في عام 1935، وفي ذلك الوقت لم تكن التكنولوجيا قد وصلت إلى ما هي عليه اليوم، حيث وفرت وسائل الاتصال وتقنيات الجيل الرابع منصات رقمية تدير عمليات واسعة من التجارة العالمية، ونحن على مشارف عصر الجيل الخامس الأكثر إبهاراً وتطوراً؛ وسائل الإنتاج هذه خلقت نظاماً أكثر مساواة بين العاملين، من حيث الجهد ومستوى الدخل أيضاً، وأصبح الجميع بحاجة إلى «الفراغ»، لكي يبدعوا أكثر، ويقرأوا، ويسافروا، ويحصلوا على إثراء معرفي، ويمنحوا عائلاتهم مزيداً من التفرغ والاستمتاع.
لا غرابة إذن أن تصبح الدول الأكثر تقدماً في مؤشر السعادة على المستوى العالمي، أكثرها تقليصاً لساعات العمل، وأكثر النظم التعليمية تقدماً تلك التي لا ترهق التلاميذ بعناء لا يطاق من الواجبات المنزلية.
يسرد راسل في هذا الكتاب، قصة المسافر في نابولي بإيطاليا، الذي رأى اثني عشر شحاذاً مستلقين في الشمس، فعرض أن يقدم ليرة لأكثرهم كسلاً، فهبّ أحد عشر رجلاً لتلقي الليرة، ولكنه نفحها للرجل الثاني عشر الذي بقي مستلقياً لا يتكلف عناء السعي لتلقي الجائزة.
لكنّ راسل، يمتدح الرجل الثاني عشر هذا قائلاً: «الكسل في البلاد التي لا تستمتع بشمس البحر الأبيض الساطعة أكثر مشقة، ولا بد من دعاية ضخمة لإرساء قواعده»..!



«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
TT

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)

يستعيد الفيلم الوثائقي المصري «البحث عن رفاعة» سيرة أحد رواد النهضة الفكرية في مصر ببدايات القرن الـ19، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دور مهم في التعليم والترجمة، ويستضيف الفيلم المركز الثقافي بيت السناري بحي السيدة زينب (وسط القاهرة)، التابع لمكتبة الإسكندرية، الأربعاء.

يتتبع الفيلم مسيرة رفاعة الطهطاوي عبر رؤية سينمائية تدمج المكان بالأحداث بالموسيقى، ويتناول شخصية وأفكار رفاعة الطهطاوي، أحد رواد النهضة الفكرية في مصر، ويُقدم رؤية سينمائية تجمع بين التاريخ والواقع، مسلّطاً الضوء على إسهاماته في تشكيل الوعي العربي الحديث، وفق بيان لمكتبة الإسكندرية.

ويُعدّ رفاعة الطهطاوي من قادة النهضة العلمية في مصر خلال عصر محمد علي، وقد ولد في 15 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1801، في محافظة سوهاج بصعيد مصر، والتحق بالأزهر ودرس على يد علمائه علوم الدين مثل الفقه والتفسير والنحو، ومن ثَمّ سافر إلى فرنسا في بعثة علمية وعاد ليضع خطة لإنشاء مدرسة الألسُن، ووضع كتباً عدّة من بينها «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، و«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، و«المرشد الأمين في تربية البنات والبنين»، وتوفي رفاعة الطهطاوي عام 1873، وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

بيت السناري في القاهرة (بيت السناري)

جدير بالذكر أن الفيلم وثائقي طويل، تبلغ مدته 61 دقيقة، وأخرجه صلاح هاشم، وقام بالتصوير والمونتاج المصور اللبناني سامي لمع، والمنتج المنفذ نجاح كرم، والموسيقي يحيى خليل، وهو من إنتاج شركة سينما إيزيس.

وأوضحت «سينما إيزيس» المنتجة للفيلم أنه عُرض لأول مرة في 2008 بجامعة لندن، قسم الدراسات الشرقية. وشارك في مهرجانات عربية وعالمية عدّة، من بينها «كارافان السينما العربية والأوروبية» في عمّان بالأردن، و«متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية» في مارسيليا بفرنسا، تحت عنوان «الطهطاوي... مونتسكيو العرب».

وكان مخرج الفيلم قد تحدّث في ندوة بجامعة لندن عقب العرض الأول له، عن تصوير أكثر من 20 ساعة بين القاهرة وأسيوط وطهطا (بلد رفاعة)، وأن مونتاج الفيلم استغرق نحو 6 أشهر بين مدن أوروبية، موضحاً أن الهدف من صنع الفيلم هو التحفيز على التفكير في فكر رفاعة ومعتقداته بخصوص مفاهيم ومعاني النهضة والتقدم.

ولفت إلى أنه أراد تقديم رؤية لرفاعة بأسلوب موسيقى الجاز، وهو ما ظهر في إيقاع الفيلم، موضحاً أن الفيلم أيضاً أراد أن يبعث برسالة مفادها بأن السينما ليست مجالاً للتسلية أو الترفيه فقط، بل يمكن أن تكون أداة للتفكير في الواقع ومشاكل مجتمعاتنا، كما يمكن أن تكون وسيلة للمحافظة على ذاكرتنا.

ويُعدّ بيت السناري الذي يستضيف عرضاً جديداً للفيلم من المراكز الثقافية التي تعتمد على تقديم الأنشطة المتنوعة، والمركز التابع لمكتبة الإسكندرية، هو بيت أثري يعود لنهايات القرن الـ18، وكان مقراً لعلماء وفناني الحملة الفرنسية على مصر بين 1798 و1801م.