انبعاث سوري لـ«داعش» في بلاد «البعث»

انبعاث سوري لـ«داعش» في بلاد «البعث»
TT

انبعاث سوري لـ«داعش» في بلاد «البعث»

انبعاث سوري لـ«داعش» في بلاد «البعث»

منذ هزيمة «داعش» جغرافياً والقضاء على آخر معاقله في الباغوز شرق سوريا قبل أكثر من سنة، كان هناك تركيز من الخبراء والمسؤولين على نقطتين: الأولى، أن القضاء على «الخلافة» المزعومة لا يعني انتهاء مخاطر هذا التنظيم في العالم. الثانية، «الخلايا النائمة» غرب العراق وشرق سوريا، تنتظر توفر الظروف لعودة جديدة.
التقدير، وقتذاك، كان مبنياً على أن الانقسام السياسي وغياب التمثيل الطائفي والمشاكل الاقتصادية والفوضى والتجاذبات الإقليمية والدولية في سوريا والعراق، عوامل توفر بيئة خصبة لـ«داعش» وإخوته، كي يدعي «اهتمامه» بهموم الناس للتوغل في المجتمعات المحلية.
ومع ملاحظة، أن هذه العوامل بقيت مستمرة، بل إن بعضها تعمق منذ هزيمة «داعش» في العراق قبل ثلاث سنوات وفي سوريا قبل سنة. المفاجأة، كانت أن وباء «كورونا» أطل برأسه الرهيب من البوابة الإيرانية إلى هذين البلدين، فكشف عورات الهيكلية السياسية والاقتصادية والمجتمعية. بذلك، اكتملت مكونات المعادلة الكيماوية لخروج «داعش» من الكهوف والمخابئ والخنادق إلى «ساحات الوغى». كأن «الغزوات» الأولى للتنظيم، فيها استعادة لما أعلنه «داعش» بعد إعلان «الخلافة» المزعومة، بحيث إن الضربات الأولى كانت تتم على جانبي الحدود السورية - العراقية. تلك الخطوط، التي كان «داعش» محاها من الخريطة، معلنا «ولاية الفرات» التي تضم مناطق على جانب النهر في البلدين العربيين.
ففي العراق، ضاعف «داعش» هجماته ضد قوات الأمن ومؤسسات حكومية، مستغلاً «كورونا» والانشغال بمشاورات تشكيل الحكومة والتوترات الداخلية التي يرتبط بعضها باغتيال أميركا الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
أما في سوريا، التي كان «داعش» يسيطر على نصف مساحتها في 2015، فإن الأسابيع الماضية، شهدت موجتين من هجمات التنظيم: الأولى، في بداية أبريل (نيسان)، إذ جرت اشتباكات عنيفة في بادية السخنة في ريف حمص الشرقي، إثر هجوم مباغت أسفر عن مقتل حوالى 30 عنصرا من قوات النظام والموالين، ما استدعى تدخل طائرات روسيا التي كانت رئيسها فلاديمير بوتين أعلن مرارا «النصر» على «داعش» لدى طرد التنظيم من مدينة تدمر التاريخية. الثانية، حصلت الخميس الماضي، بشن «داعش» هجوما جديدا في البادية بين السخنة وريف دير الزور، قتل فيه 11 من قوات النظام.
الواضح أن التنظيم الذي تنشر «خلاياه» في البادية السورية المترامية المساحة وتمتد من شرق حمص إلى حدود العراق، لا يزال قادراً على تجميع قواه للهجوم وتنفيذ عمليات خطف ووضع عبوات واغتيالات وهجمات انتحارية تطال أهدافاً مدنية وعسكرية. وركز هجماته على منشآت للنفط والغاز قرب السخنة في ريف حمص، التي كان فقد السيطرة عليها في 2017.
هذا في مناطق النظام، أما في شرق الفرات حيث تنشر قوات التحالف الدولي، فإن «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية تشن من وقت لآخر ضربات استباقية على «خلايا» التنظيم في جيوب قريبة من نهر الفرات والصحراء، كما أن الجيش الأميركي يقوم بإنزالات جوية بحثا عن قياديين في التنظيم. هنا، لا يزال ملف آلاف المعتقلين العرب والأجانب، المتهمين بالانتماء إلى «داعش»، ملفاً عالقاً حيث تسعى «الإدارة الكردية» للحصول على دعم سياسي من بوابة إجراء محاكمات محلية، ما دام أن الدول الأجنبية رافضة لتسلم «دواعشها».
في سوريا، لا يكتمل الحديث من دون الإشارة إلى منافسي «داعش» الساعين لوراثته: «القاعدة» في إدلب شمال غربي سوريا، حيث القلق كبير من تفشي «كورونا»، خصوصاً «هيئة تحرير الشام»، التي تضم «جبهة النصرة»، التي تضم المحليين من المقاتلين و«حراس الدين» التي تضم «المهاجرين» منهم، إضافة إلى فصائل أخرى متشددة بينها «الجيش الإسلامي التركستاني» الذي يضم مقاتلين من «الأويغور» الصينيين.
لم يكن ينقص الخراب السوري وتحدياته وانقساماته وتجاذباته، سوى وباء مثل «كورونا» جاء «هدية» إلى أولئك «النائمين» الراغبين في خطف مصير الناس إلى أنفاق مجهولة النهاية والانبعاث من تحت الركام في بلاد «البعث».


مقالات ذات صلة

جيش مالي يعتقل قيادياً في «داعش» ويقتل بعض معاونيه

أفريقيا مواطنون ماليون يحتفلون بعودة جنود من الجيش من معارك ضد الإرهاب (الجيش المالي)

جيش مالي يعتقل قيادياً في «داعش» ويقتل بعض معاونيه

نفذ الجيش المالي عملية عسكرية «خاصة» على الحدود مع النيجر، أسفرت عن اعتقال قيادي بارز في «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».