لبنان يبدأ المفاوضات مع «النقد الدولي» اليوم... ولا نتائج في القريب العاجل

TT

لبنان يبدأ المفاوضات مع «النقد الدولي» اليوم... ولا نتائج في القريب العاجل

تنطلق اليوم الجولة الأولى من المفاوضات بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية التي أعدّت مسودّة خطة للتعافي المالي، للحصول منه على تمويل يوقف الانهيار المالي والاقتصادي ويفتح الباب أمام خفض العجز في الموازنة العامة، مع أن هذه الجولة ستكون أقرب إلى التعارف منه إلى الدخول في صلب التدابير والإجراءات الواردة في المسودّة.
وتؤكد مصادر نيابية بارزة لـ«الشرق الأوسط» أن موافقة الصندوق على تمويل الخطة الإنقاذية لن تتم بين ليلة وضحاها وأن الجولة الأولى ستتبعها جولات مكوكية لن تبقى محصورة بالمفاوضات بين الصندوق والحكومة وإنما ستشمل لاحقاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية لما لكل هؤلاء من ملاحظات.
وتلفت إلى أن المسودة ما هي إلا إعلان للنيات وجاءت نسخة طبق الأصل عن البيانات الوزارية السابقة وتضمّنت رزمة من الوعود التفاؤلية وتحديداً في كل ما يتعلق بالأرقام المالية الواردة فيها. وترى أن الحكومة ستخوض مفاوضات ماراثونية لعلها تنتهي إلى موافقتها على دفتر الشروط الذي يتيح للبنان الحصول على قرض مالي، وسيكون أشبه بمذكرة تفاهم.
وتؤكد أن لبنان لم يكن مضطراً للاستعانة بالصندوق لو أن الحكومات السابقة أحسنت الإفادة من الفرص الدولية التي أتاحت له الحصول على دعم مالي سواء من مؤتمرات باريس أو من مؤتمر «سيدر»، وتقول إن الرهان على التمويل لن يكون سهلاً ما لم يأت مقروناً بأفعال ملموسة بدلاً من الأقوال، كما كان يحصل سابقاً، خصوصاً أن الأسباب الكامنة وراء تعطيل مقررات «سيدر» ستحضر بامتياز على طاولة المفاوضات.
وتعتقد أن على الحكومة أن تستعيد ثقة اللبنانيين كأساس لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وتقول إن المسودة في حاجة إلى تعديل ما دام أن «أهل البيت» الداعم للحكومة هو من تصدّر معارضتها في اجتماعات لجنة المال والموازنة. وتكشف بأن مقاربة الصندوق لهذه المسودّة ستقود حتماً إلى السؤال عن مصير التشريعات المطلوبة في ضوء التعديلات المطروحة والتي في حاجة إلى قوننتها في المجلس النيابي، خصوصاً في ضوء تراجع الحكومة عن التعامل مع هذه المسودّة على أنها منزلة وأن ما كُتب قد كُتب ونقطة على السطر.
وتؤكد أن الصندوق سيتوصل مع الحكومة إلى إعداد لائحة بهذه التشريعات في ضوء إصراره على التدقيق في الأرقام المالية الواردة في المسودّة لأنها لا تتطابق والواقع المأزوم في البلد وتحاول القفز فوقه، وتقول إنه سيصر على أن تعدّ الحكومة خطة متكاملة لاعتماد الحلول الدائمة لتوليد الكهرباء مدعومة بتشكيل الهيئات الناظمة لخفض العجز في هذا القطاع الذي تفوح منه حالياً رائحة الفيول المغشوش.
وتضيف أن الصندوق سيقترح إعادة تشكيل المجلس المركزي لمصرف لبنان، وترى أن لا جدوى من الترخيص لـ5 مصارف جديدة. كما تقترح المسودّة بذريعة أن تأسيسها يفتح الباب أمام الحصول على تحويلات طازجة بالعملات الصعبة مع أن الحكومة تصر على إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وتسأل المصادر عن موقف «حزب الله» من طلب قرض تمويلي من الصندوق؟ وهل لديه القدرة على وضع شروطه؟ وما هي الخطة البديلة لصرف النظر عن التعاون معه؟ وتقول إنه من السابق لأوانه الحديث عن الدعم الدولي ليس بسبب اجتياح وباء فيروس «كورونا» للعالم الذي يعطي الأولوية لمحاصرته وإنما لأن المعبر الوحيد للحصول عليه يتوقف على مبادرة الصندوق إلى إطلاق الضوء الأخضر.
لذلك ستخوض الحكومة مفاوضات مديدة مع الصندوق، وبالتالي لن يكون هناك من نتائج في القريب العاجل لحصول لبنان على التمويل وقد يستعاض عنه بتزويده بجرعة مالية تقدّر بمئات ملايين الدولارات تحت غطاء مساعدته لمكافحة وباء «كورونا» ومنع انتشاره ما يسمح له في الصمود إلى أن يتقرّر مصير التمويل.
لكن المسودة الإنقاذية ستضع الحكومة أمام مساءلة دولية حول تغييب البند السيادي منها الذي سيكون محور إصرار من الصندوق لجهة وقف التهريب وإقفال المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا وصولاً إلى ترسيم الحدود لضبط حركة المرور في الاتجاهين، إضافة إلى التدقيق في حجم الاستيراد اللبناني من الخارج الذي تبيّن بأنه يفوق احتياجاته وأن «الفائض» يصدّر إلى سوريا بلا حسيب أو رقيب.
لذلك، فإن البند السيادي سيكون موضع إلحاح من المجتمع الدولي لأن إغفاله سيلحق الضرر بلبنان، إضافة إلى إطلاق إشارة إيجابية باتجاه الدول العربية القادرة على مساعدة لبنان إذ لا يمكن أن تطلب منها المساعدة من دون التزام بسياسة النأي بالنفس.



مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
TT

مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)

عقب «موافقة مبدئية»، يواصل مجلس النواب المصري (البرلمان)، مناقشة مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي»، الذي قدَّمته الحكومة، بهدف «توسيع مظلة الدعم النقدي» للفئات الفقيرة.

وأقرَّ «النواب»، مبدئياً مشروع القانون، الأحد الماضي، في حين واصل أعضاؤه مناقشة نصوصه، على مدار يومَي الاثنين والثلاثاء. وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، مايا مرسي، إن «القانون يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، ويستهدف مأسسة منظومة الدعم النقدي، بتحويل المنظومة من مجرد برنامج ومبادرات مثل (تكافل وكرامة) إلى حق ينظمه القانون»، وفق بيان لوزارة التضامن.

وأقرَّت الحكومة المصرية عام 2015، برنامجاً للحماية الاجتماعية باسم «تكافل وكرامة» لتقديم دعم نقدي بشكل شهري للفئات الأكثر فقراً. ويصل عدد المستفيدين منه 21 مليوناً، جرى تخصيص 41 مليار جنيه مصري لهم، في موازنة العام المالي، وفق وزارة التضامن المصرية (الدولار يوازي 49.6 جنيه مصري).

ووفق البيان، عدَّدت وزيرة التضامن، أهداف التشريع الجديد، ومنها «استدامة دعم الفئات الأكثر احتياجاً، وحوكمة الدعم، والتحقق من المستفيدين سنوياً»، إلى جانب «ضمان أن يكون الدعم مقدماً من موازنة الدولة، وليس من خلال قروض ومنح مؤقتة».

وأشارت إلى أن «التشريع الجديد، يلتزم بمعايير حقوق الإنسان، بتوفير الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي لكل شخص بالمجتمع».

ومن المواد التي أقرَّها مجلس النواب، الثلاثاء، أن «لكل مواطن تحت خط الفقر القومي، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، الحق في التقدم للحصول على دعم نقدي»، كما أقرَّ نصّاً بشأن «درجة الفقر للأفراد والأسر بناء على خريطة الفقر والمؤشرات الدالة عليه»، على أن تحدد اللائحة التنفيذية للقانون درجات الفقر، والإجراءات المتبعة لمَن يستحق الدعم النقدي.

ووفق تقرير للبنك الدولي، في مايو (أيار) الماضي، ارتفع معدل الفقر في مصر، من 29.7 في المائة في العام المالي 2019 - 2020، إلى 32.5 في المائة عام 2022.

ويمثل مشروع القانون، «استحقاقاً دستورياً»، وفق وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي بمصر، المستشار محمود فوزي، الذي أشار إلى أن «التشريع يستهدف مدَّ مظلة الضمان الاجتماعي، واستكمال الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بشبكة الأمان الاجتماعي، والتوسع في مفهوم الفئات الأولى بالرعاية والحماية، باستحداث وضم وشمول فئات جديدة، لم تكن مستفيدة»، وفق إفادة لوزارة الشؤون النيابية.

وكانت الحكومة المصرية، أحالت التشريع الجديد، إلى البرلمان، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وحسب تقرير لجنة التضامن بالبرلمان المصري، فإن القانون يستهدف «حماية الأسر الأفقر، والأقل دخلاً»، إلى جانب «كفالة حقوق ذوي الإعاقة، وكبار السن، والأيتام»، بجانب «إلزام الأسر المستفيدة من الدعم، بالاستثمار في صحة الأطفال، وانتظامهم في التعليم»، ولا يتوقف القانون عند تقديم الدعم، ولكنه يهدف إلى «التمكين الاقتصادي لهذه الفئات، للخروج تدريجياً من الفقر».

بدوره، يرى عضو البرلمان المصري ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، أن «التشريع الجديد سيسهم في تحسين شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع مظلته، لتشمل جميع الفئات الأولى بالدعم، وكفالة حقوقهم»، مشيراً إلى أن «القانون يتسق مع خطوات الإصلاح الاجتماعي التي تسعى لها الحكومة المصرية حالياً».

وينصُّ مشروع القانون على نوعين من المساعدات النقدية: الأول، يشمل دعماً نقدياً مشروطاً (تكافل)، ويُقدَّم للأسر الفقيرة، بما فيها الأسر التي لديها أبناء، أما الدعم الثاني فهو غير مشروط (كرامة)، ويُقدَّم للأفراد الفقراء من ذوي الإعاقة والمرضى وقدامى الفنانين والرياضيين والأدباء، وأسند القانون، لرئيس الوزراء، قرار تحديد قيمة الدعم النقدي، على أن تتم مراجعة القيمة كل 3 سنوات.

وقال محسب لـ«الشرق الأوسط»، إن «التشريع الجديد، يمهِّد الطريق أمام الحكومة المصرية، للتحول إلى نظام الدعم النقدي بدلاً من العيني». وأعاد ذلك إلى أن «القانون ينص على حوكمة برامج الدعم المُقدَّمة للحماية الاجتماعية، ويعتمد على قواعد بيانات دقيقة يتم تحديثها بشكل دوري، وسيتم ربطها بالمتغيرات الاقتصادية مثل معدلات التضخم»، عادّاً أن تلك الإجراءات، «من بين خطوات تطبيق الدعم النقدي».

وتتزامن مناقشات التشريع الجديد، مع مناقشات أخرى أعلنتها الحكومة المصرية، داخل «الحوار الوطني» (الذي يضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين)، مع خبراء ومتخصصين، لبحث التحول من نظام الدعم العيني إلى نظام الدعم النقدي للفئات الأولى بالرعاية.

وتتطلع الحكومة المصرية لبدء تطبيق منظومة الدعم النقدي، مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده قد تبدأ في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية، إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة، للفئات الأولى بالرعاية»، وربط البدء في التطبيق «بالتوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في الحوار الوطني».

وتُطبِّق الحكومة المصرية منظومةً لدعم السلع الضرورية منذ عقود طويلة، بهدف خفض نفقات المعيشة للفئات الأولى بالرعاية، ويحصل المواطن على السلع المدعمة من خلال منظومة البطاقات التموينية، لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لمنظومة الدعم على الموازنة العامة، في ظل التوسع في عدد السلع المدعمة خلال السنوات الماضية.

من جهته، ينظر مدير «مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية»، عبد المنعم السيد، إلى مشروع القانون بوصفه «منظماً لسياسات الحماية الاجتماعية في مصر»، مشيراً إلى أن «القانون يختلف في نصوصه عن تشريعات مماثلة في دول أخرى، وفق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في مصر».

ويرى السيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التشريع «يحقق مرونة أمام الحكومة المصرية في تقديم الدعم النقدي خلال الأزمات والكوارث الطبيعية والأوبئة، كما حدث في جائحة (كورونا)»، مضيفاً أنه «يشمل تحت مظلته، فئات تتضرر بشكل مفاجئ مثل العاملين في القطاعات غير الرسمية، والذين يفقدون وظائفهم».