سكان كولومبيا الأصليون يكافحون من أجل الحفاظ على أراضيهم

رصد ارتفاع أعداد القتلى في صفوفهم وشبهات بتورط جماعات تدافع عن مصالح رجال الأعمال

جندي كولومبي يقوم بدورية في أحد شوارع كالي (أ.ف.ب)
جندي كولومبي يقوم بدورية في أحد شوارع كالي (أ.ف.ب)
TT

سكان كولومبيا الأصليون يكافحون من أجل الحفاظ على أراضيهم

جندي كولومبي يقوم بدورية في أحد شوارع كالي (أ.ف.ب)
جندي كولومبي يقوم بدورية في أحد شوارع كالي (أ.ف.ب)

في منطقة ريفية في جنوب غرب كولومبيا هناك منطقة خصبة مليئة بالأشجار والشجيرات، في تناقض مع الصفوف الرتيبة لعيدان قصب السكر الممتدة على طولها.
وقال وليام، وهو أحد أفراد جماعة «ناسا» التي تضم السكان الأصليين لكولومبيا، الذي لا يريد نشر اسمه الحقيقي: «لقد قمنا بإعادة تشجير الأرض، بينما تقوم شركة المحصول الواحد، وهو قصب السكر، بالتسبب في جفاف الحقول».
ويعيش هذا الرجل، متوسط العمر، في محمية لوبيز أدينترو على مساحة 2237 هكتاراً، التي تضم حوالي ألفين من أفراد «ناسا» الذين يزعمون أن جزءاً من منطقة زراعة قصب السكر هو أرضهم، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
ويأتي حوالي 100 من أفراد «ناسا» بانتظام لاحتلال 115 هكتاراً، حيث يقومون بقطع عيدان قصب السكر. وتتجول الكلاب والديوك بين الأكواخ التي تقطنها 15 أسرة من الأشخاص الذين امتلكوا الأرض بوضع اليد، والذين يقومون بزراعة الكاسافا والذرة، وغيرهما من المحاصيل التي تهدف لإحياء التربة التي تم استنزافها.
ووفقاً لمجلس «كاوكا» الإقليمي للسكان الأصليين، فإن مقاطعة كاوكا تشهد 9 عمليات مماثلة للاستيلاء على الأراضي التي تخص مزارع أو ملاكاً آخرين لها. وتتمتع المنطقة الفقيرة التي ابتليت بالعنف، والتي تقع في شمالها محمية لوبيز أدينترو، بحركة من أكثر حركات السكان الأصليين نشاطاً في كولومبيا. وفي مناطق أخرى في كولومبيا هناك عشرات من جماعات السكان الأصليين تحاول أيضاً استعادة الأراضي التي تقول إنها سرقت منها، على الرغم من أنها عادة تلجأ للقنوات القانونية والمؤسساتية.
وهذه الجماعات لا تريد الأراضي للعيش والزراعة فقط، ولكن أيضاً لتعزيز أسلوب بيئي للحياة، على عكس النظام الاقتصادي السائد. وقالت ديانا لوسيا كويرا، وهي خبيرة في شؤون البيئة في محمية توتوريز في شمال شرقي كاوكا للوكالة الألمانية: «نحن منهمكون في حركة مقاومة واسعة النطاق ضد النموذج الرأسمالي». وفي محمية لوبيز أدينترو، تحتل جماعة «ناسا» أرض شركة قصب السكر منذ عام 2015. ويقول وليام: « كنا نستخدم المناجل والعصي والحجارة ضد شرطة مكافحة الشغب التي تحاول طردنا بالغاز المسيل للدموع. وقد قُتل أحد النشطاء في أثناء الاشتباكات في عام 2018»، وأضاف: «الآن، لم تعد الشرطة تضايقنا».
ولم تضع جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) نهاية لعمليات استعادة الأراضي في شمال كاوكا. وتحدثت وسائل الإعلام المحلية، وجماعة «تحرير الأرض الأم»، عن وقوع عدة حوادث. وشملت هذه الحوادث اشتباكات مع الشرطة، ومقتل أحد العاملين في المزارع على يد مسلحين مجهولين، واحتجاز نشطاء لجنود ورجال شرطة لفترة وجيزة. وأحياناً يتم اتهام السكان الأصليين باستخدام العنف، ولكنهم أيضاً يخاطرون بحياتهم عندما يشاركون في عمليات استعادة الأراضي، أو في الاحتجاجات الأخرى، أو عندما يحاولون حماية أراضيهم ضد الأنشطة الإجرامية.
ووفقاً للمنظمة الوطنية للسكان الأصليين في كولومبيا، فقد قتل ما مجموعه 134 من السكان الأصليين في الشهور الــ15 الأولى من حكم الرئيس إيفان دوكي حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. كما تردد أنه تم اغتيال العديد من السكان الأصليين في أثناء جائحة فيروس كورونا.
وينسب كثير من عمليات القتل لجماعات شبه عسكرية تدافع عن مصالح رجال الأعمال، وكذلك لرجال حرب عصابات ومجرمين يحاولون تهريب الكوكايين أو معادن المناجم في أراضي السكان الأصليين. وزاد العنف بعد أن قامت حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) بتسريح 7 آلاف من مقاتليها في أعقاب اتفاق سلام في عام 2016، مما أدى إلى سعى جماعات مسلحة أخرى للسيطرة على مناطق انسحبت منها. وارتفع عدد القتلى من السكان الأصليين بنسبة 52 في المائة في عام 2019 في كاوكا، وذلك وفقاً لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي سجل أكثر من 65 عملية اغتيال لأشخاص من جماعة «ناسا» هناك العام الماضي.
وأرسلت الحكومة الآلاف من القوات إلى كاوكا، ولكن ممثلي السكان الأصليين يتهمونها بــ«إضفاء الطابع المسلح» على المنطقة للحفاظ على السيطرة على المحميات التي تسعى للحصول على الحكم الذاتي. وتقول الجماعات إنها تريد استعادة أسلوب معيشتها التقليدي الذي يشمل رؤية الأرض بصفتها كائناً بشرياً. وقال وليام أمام مسكنه المتواضع المحاط بالخضرة: «إن وقوع زلزال يعني أن الأرض تهز نفسها. كما أن الرعد يقول لنا شيئاً». وترى جماعات السكان الأصليين أن الأنشطة الزراعية والتعدين والسدود أفسدت الطبيعة. وقام سكان بلدية توتوريز في مقاطعة كاوكا، على سبيل المثال، بإعادة تشجير مئات الهيكتارات من الأراضي، وتوزيع البذور المحلية، وإنتاج 91 من الأدوية العشبية.
ووفقاً للبيانات الرسمية، فإنه تم تحديد حوالى 1.9 مليون من الكولومبيين على أنهم أفراد في 115 جماعة من جماعات السكان الأصليين، وهي جماعات تعيش في أكثر من ألف محمية تتراوح بين محميات كبيرة مثل ناسا (تضم 250 ألف نسمة) ومحميات صغيرة مثل توتوريز (تضم حوالى 9 آلاف نسمة).
ويقول السكان الأصليون إن المستعمرين الإسبان والمستوطنين المحليين سرقوا أراضيهم من خلال العنف والخداع. وفي محميات كاوكا، كثير من السكان يملكون فقط نحو هيكتار من الأرض القابلة للزراعة. وقال ميلادي ديكوي من مجلس كاوكا الإقليمي للسكان الأصليين: «لقد أثبتت الطرق القانونية عدم جدواها لأن المحاكم تحابي ملاك الأراضي». وذكر البرنامج الإخباري نوتسياس أونو أن السكان الأصليين تقدموا للحكومة بحوالي 1200 طلب يتعلق بالأراضي حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن تم حسم 43 منها فقط في مطلع فبراير (شباط) الماضي.
واتهم الرئيس دوكي سكان منطقة كاوكا بتقديم طلبات مبالغ فيها بالنسبة للأراضي، وفي الوقت نفسه تسعى جماعات السكان الأصليين إلى تعزيز ثقافتها لمواصلة نضالها. وتقدم جامعة السكان الأصليين الثقافية (UAIIN) في بوبايان، عاصمة كاوكا، مقرراً يحمل اسم «إحياء الأرض الأم». وقد غيرت عبارة «الموارد الطبيعية» التي توحي بالاستغلال، لتحل محلها عبارة «الفضاءات وأساليب الحياة». وقال وليام: «ليس فقط البشر هم الذين يحتاجون لمساحة للعيش هنا، ولكن أيضاً الطيور والماء والأرواح».



قمة «كوب29» تتوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لتمويل المناخ

كان من المقرر اختتام قمة «كوب29» أمس الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي (رويترز)
كان من المقرر اختتام قمة «كوب29» أمس الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي (رويترز)
TT

قمة «كوب29» تتوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لتمويل المناخ

كان من المقرر اختتام قمة «كوب29» أمس الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي (رويترز)
كان من المقرر اختتام قمة «كوب29» أمس الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي (رويترز)

اتفقت دول العالم بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ، وفقاً لاتفاق صعب تم التوصل إليه في قمة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب29) في باكو بأذربيجان.

ومن المزمع أن يحل الهدف الجديد محل تعهدات سابقة من الدول المتقدمة بتقديم تمويل مناخي بقيمة 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة بحلول عام 2020. وتم تحقيق الهدف في 2022 بعد عامين من موعده وينتهي سريانه في 2025.

واتفقت الدول أيضاً على قواعد سوق عالمية لشراء وبيع أرصدة الكربون التي يقول المؤيدون إنها ستؤدي إلى استثمارات بمليارات الدولارات في مشروعات جديدة داعمة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.

وكان من المقرر اختتام القمة أمس الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي مع سعي مفاوضين من نحو 200 دولة للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة التمويل المناخي العالمية في العقد القادم.

ورفضت الدول النامية أمس الجمعة اقتراحاً صاغته أذربيجان التي تستضيف المؤتمر لاتفاق ينص على تمويل قيمته 250 مليار دولار، ووصفته تلك الدول بأنه قليل بشكل مهين. وتعاني الدول النامية من خسائر مادية هائلة نتيجة العواصف والفيضانات والجفاف، وهي ظواهر ناجمة عن تغير المناخ.

وكشفت محادثات كوب29 عن الانقسامات بين الحكومات الغنية المقيدة بموازنات محلية صارمة وبين الدول النامية، كما جعلت الإخفاقات السابقة في الوفاء بالتزامات التمويل المناخي الدول النامية متشككة في الوعود الجديدة.

وبعد إعلان الاتفاق، أشاد المفوض الأوروبي فوبكه هوكسترا، بـ«بداية حقبة جديدة» للتمويل المناخي، وقال المفوض المسؤول عن مفاوضات المناخ «عملنا بجدّ معكم جميعا لضمان توفير مزيد من الأموال على الطاولة. نحن نضاعف هدف الـ100 مليار دولار ثلاث مرات، ونعتقد أن هذا الهدف طموح. إنه ضروري وواقعي وقابل للتحقيق».

من جهته، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن مشاعر متباينة حيال الاتفاق، حاضاً الدول على اعتباره «أساساً» يمكن البناء عليه.

وقال غوتيريش في بيان «كنت آمل في التوصل إلى نتيجة أكثر طموحاً... من أجل مواجهة التحدي الكبير الذي نواجهه»، داعياً «الحكومات إلى اعتبار هذا الاتفاق أساسا لمواصلة البناء عليه».