أحاديث التسوية تشعل صراع أجنحة داخل القيادات الحوثية

TT

أحاديث التسوية تشعل صراع أجنحة داخل القيادات الحوثية

مع كل تحرك أممي لتحقيق التسوية في اليمن تشتعل المنافسة بين الأجنحة التي تقود الحوثيين كمجموعات ومكوناتها الجهوية، لتعكس حالة الانقسام الذي تعيشه هذه الجماعة وحرصها على استمرار الحرب لتجنب الصراع كما يبين ذلك تاريخ الصراع بين دعاة الإمامة في المناطق الواقعة إلى شمال العاصمة صنعاء.
وإذ بات من المعلوم أن القيادة الفعلية لميليشيا الحوثي تحتكرها محافظة صعدة في الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية، فإن ذلك لم يكن كافيا لغياب الصراع وزيادة التطلعات مع أي خطوة للحل السياسي، وزاد ظهور هذا الصراع بعد مقتل صالح الصماد رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى وهو السلطة الشكلية للحكم في مناطق سيطرة الحوثيين.
وإذ حسم زعيم الميليشيا الأمر ودفع بمدير مكتبه السابق مهدي المشاط إلى الموقع الأول في المجلس، فإن ذلك لم يؤد لاحتواء التنافس الحاد بين الجناح الذي يتزعمه عمه عبد الكريم الحوثي الذي يشغل حاليا موقع وزير الداخلية في الحكومة غير المعترف بها، بعد أن أزيح من موقعه كمشرف على العاصمة ومتحكم بعائداتها الضخمة وما فيها من شركات وعقارات وممتلكات لخصوم الجماعة جرت السيطرة عليها، فيما يقود الجناح الآخر محمد علي الحوثي رئيس ما كانت تسمى اللجنة الثورية العليا التي حكمت تلك المناطق عقب الانقلاب مباشرة وقبل تشكيل ما يسمى المجلس السياسي.
ومع أن اللجنة الثورية لم تكن تمتلك السلطة الفعلية في مناطق سيطرة الحوثيين لأن ما يعرف بالمشرفين هم أصحاب القرار الفعلي ويتم تعيينهم مباشرة من زعيم الميليشيا، لكن الإطاحة بهذه اللجنة ومن ثم حلها ومحاولة إبعاد قادة الفريقين إلى مجلس الشورى الذي يعرف في اليمن بأنه مجلس التقاعد المبكر فشلت فاضطر زعيم الميليشيا لتعيين زعيم الجناح الأول وزيرا للداخلية والثاني عضوا في المجلس السياسي الأعلى.
ولأن محمد علي الحوثي أظهر مرونة كبيرة في التعامل مع المنظمات الأممية، ومع من ينتقدون فساد المشرفين وحاول الظهور باعتباره صاحب الكلمة الأقوى في المجلس، فإن حدة الصراع ما تزال تشكل كابحا أمام مساعيه لتصدر المشهد.
وعقب الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة لوقف لإطلاق النار وتوحيد الجهود لمواجهة فيروس كورونا المستجد برز محمد الحوثي ليتولى تمثيل الميليشيا في المناقشات مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث وعقد معه عدة لقاءات غير مباشرة توجها بتسليم ما قال إنها خطتهم للحل الشامل، واستمر في تصدر المشهد حتى الأسبوع الماضي حيث عاد عبد السلام فليته الشهير باسم محمد عبد السلام والذي أصبح واحدا من القيادات التي تدير شركات تجارة النفط إلى جانب شبكة متعددة من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، إلى جانب أنه رئيس مجلس إدارة قنوات المسيرة التي تبث من الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية.
وبعد لقاءين افتراضيين مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن خرج عبد السلام والذي عادة ما يمثل الجناح المتطرف وشديد الالتزام بتعليمات «حزب الله» اللبناني ليقول إنهم ناقشوا القضايا السياسية والإنسانية في اليمن مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولم ينس الحديث عن «حرصنا على السلام»، مستندا إلى ما سماها مبادرات آخرها الرؤية السياسية وقبلها المبادرة الرئاسية، لكن أهم ما جاء في تعليقه هو «الحرص على استمرار النقاش مع المبعوث الأممي من أجل وقف الحرب».
وعقب تلك التصريحات الإيجابية ظهر محمد علي الحوثي ليقلل من أهمية ما دار مع منافسيه وقال: «رغم الأخذ والرد عبر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة فإننا لم نلمس الجدية الحقيقية التي تثبت الرغبة في إنهاء الحرب ورفع الرقابة على تهريب الأسلحة». وأضاف: «كل ما يحصل تقديم مقترحات شكلية لا تمس جوهر القضية ولا تقدم حلولا واقعية لجائحة كورونا المستجدة، فكيف بحرب امتدت لسنوات»، وتبعه في ذلك حسين العزي نائب وزير خارجية الحكومة التي لا يعترف بها أحد إذ بدا متعنتا وكانت مهمته هي إيصاد الطريق أمام حديث للحل السياسي فقال إنه «عندما يلج الجمل في سم الخياط والدجاجة تبيض أقراصا من الذهب والدماء التي في العروق تجمد حينئذ يمكن لهادي أن يعود».
وإذا كان العزي واحدا من القيادات الحوثية التي أجرت محادثات مباشرة مع التحالف فهو أحد الأطراف التي شاركت في إبرام اتفاق ظهران الجنوب أثناء محادثات السلام في الكويت عام 2016، فإن موقفه الذي يأتي قبل لقاء مرتقب بين المبعوث الأممي وقائد الميليشيا يعكس مستوى الصراع في أوساط القيادات الحوثية التي تدرك أن أي وقف للحرب سيؤدي بالضرورة إلى صراع داخلي على المكاسب السياسية والمناصب والنفوذ والحفاظ على المصالح الكبيرة التي أوجدها اقتصاد الحرب.
والى جانب ذلك، فإن احتكار المتحدرين من محافظة صعدة لكل المواقع المهمة والأساسية في تشكيلة الميليشيا السياسية والعسكرية تثير حنق المنتمين للجماعة في صنعاء تحديدا والذين يوصفون بسكان (الطيرمانة) وهي أعلى غرفة في البنايات في صنعاء وتستخدم لجلسات القات، كتعبير عن مستوى الرفاهية التي يعيشها هؤلاء في مقابل القادمين من الجبال.


مقالات ذات صلة

غارة أميركية تنهي حياة أحد أهم قيادات «القاعدة» في اليمن

العالم العربي عناصر من «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» باليمن (إعلام محلي)

غارة أميركية تنهي حياة أحد أهم قيادات «القاعدة» في اليمن

قُتل القيادي البارز في تنظيم «القاعدة» أبو محمد الصنعاني إثر استهدافه بغارة أميركية في موقع للتنظيم بوادي عبيدة في مأرب بالتزامن مع محاكمة عدد من عناصر التنظيم

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي اجتماع قيادات حوثية في وقت سابق لإقرار خطة التعبئة والتجنيد (إعلام حوثي)

«أسبوع الشهيد» الحوثي... غطاء الجماعة لحملة تجنيد واسعة

أطلقت الجماعة الحوثية حملة تجنيد واسعة في ريف صنعاء مستغلة ما تسميه «أسبوع الشهيد»، ولجأت إلى الضغط والابتزاز المالي لإجبار القبائل على تجنيد المزيد من أبنائها.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مسلحون حوثيون على متن عربة في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

تحركات حوثية لمصادرة أراضي السكان في ريف صنعاء

أطلق الحوثيون حملةً جديدةً لمصادرة نحو مليونين و660 ألف متر مربع من أراضي السكان في مديرية همدان شمال غربي صنعاء، بحجة تبعيتها لهم، وسط غضب مجتمعي.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
خاص الأمم المتحدة أجلت موظفيها الأجانب من صنعاء وتركت الموظفين المحليين (إعلام محلي)

خاص معاناة الموظفين الأمميين تتفاقم في سجون الحوثيين

يواجه عشرات من موظفي الأمم المتحدة اليمنيين مصيراً مجهولاً داخل سجون جماعة الحوثي المصنفة إرهابياً.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي أطفال يمنيون في سن الدراسة يقفون أمام مبنى متهالك اتُّخذ مدرسة مؤقتة في محافظة تعز (أ.ف.ب)

دعوات يمنية إلى إنصاف الأطفال الضحايا ضمن مسار العدالة الانتقالية

دعت دراسة حقوقية يمنية إلى تبني العدالة الانتقالية في إنصاف الأطفال الذين كُشف عن استمرار الانتهاكات بحقهم، ودعا قانونيون واجتماعيون إلى الإسراع بإعادة تأهليهم.

وضاح الجليل (عدن)

مصر تدعم «مجلس» البرهان في مواجهة «محاولات تقسيم السودان»

رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر تدعم «مجلس» البرهان في مواجهة «محاولات تقسيم السودان»

رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

جددت مصر دعمها لـ«مجلس السيادة السوداني» برئاسة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، وللحكومة السودانية، في مواجهة «محاولات تقسيم السودان»، وذلك بعد سيطرة «قوات الدعم السريع» على إقليم دارفور.

وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي «دعم بلاده الكامل لحكومة (الأمل) السودانية»، وشدد خلال لقائه البرهان، الثلاثاء، في بورتسودان على «إدانة مصر للانتهاكات والفظائع في مدينة الفاشر»، كما أكد «مواصلة بلاده جهودها لتحقيق الاستقرار في السودان»، حسب إفادة لـ«الخارجية المصرية».

البرهان خلال استقباله عبد العاطي (الخارجية المصرية)

وتوجه عبد العاطي إلى بورتسودان، الثلاثاء، في زيارة لبحث «آفاق تطوير التعاون بين البلدين، وتبادل الرؤى حول مستجدات الأزمة السودانية وسبل دعم الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية شاملة تحفظ أمن السودان واستقراره».

وخلال لقائه البرهان، جدد عبد العاطي التأكيد على «دعم بلاده الكامل للسودان، ودعم استقراره وأمنه ووحدة وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية»، وشدد على «انخراط بلاده بصورة فاعلة في الجهود الدولية الهادفة لوقف إطلاق النار في السودان ووضع حد لمعاناة شعبه، وفي مقدمتها (الرباعية الدولية)».

وتعمل الآلية الرباعية، التي تضم «السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة»، من أجل وقف إطلاق النار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري في واشنطن، في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكدت «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان»، إلى جانب «الضغط على جميع الأطراف لحماية المدنيين والبنية التحتية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وتهيئة الظروف لضمان أمن منطقة البحر الأحمر».

اجتماع ثلاثي بين وزيري خارجية مصر والسودان ووكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية (الخارجية المصرية)

وتأتي زيارة وزير الخارجية المصري للسودان وسط مخاوف مصرية من تقسيم السودان بعد سيطرة «الدعم السريع» على إقليم دارفور.

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية صلاح حليمة إن مصر «تحذر من هذا السيناريو، وتسعى لحشد الجهود الدولية من أجل تحقيق تسوية شاملة في السودان».

وحسب بيان «الخارجية المصرية»، الثلاثاء، أشار عبد العاطي إلى أن «القاهرة تتواصل مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية لتعزيز الجهود الرامية للوصول لتسوية شاملة للازمة السودانية».

وأشاد البرهان بالموقف المصري الداعم لبلاده، وأعرب عن «امتنانه لمواقف مصر الصادقة الداعمة للسودان»، حسب «الخارجية المصرية».

وسبق لقاء عبد العاطي مع البرهان محادثات مع وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم، أكد خلالها وزير الخارجية المصري ضرورة «الالتزام بتنفيذ بيان الرباعية الدولية الصادر في سبتمبر الماضي، والدفع نحو وقف دائم وشامل لإطلاق النار»، وفقاً لـ«الخارجية المصرية».

كانت «قوات الدعم السريع» قد أعلنت، الشهر الماضي، سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور بغرب السودان، آخر مقرات الجيش في الإقليم، واتهمت الحكومة السودانية عناصر «الدعم السريع» بارتكاب جرائم بحق المدنيين.

مشاورات مصرية - سودانية في بورتسودان (الخارجية المصرية)

ويرى حليمة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة تخشى استغلال (قوات الدعم السريع) التطورات الأخيرة في دارفور من أجل المطالبة بانفصال جديد، خصوصاً أنها أعلنت في وقت سابق تشكيل (حكومة موازية) في السودان».

وقال: «رغم عدم الاعتراف الدولي بها، لا تريد مصر استثمار بعض الأطراف الدولية والإقليمية التطورات الميدانية والسياسية الداخلية لدعم سيناريو التقسيم».

وشدد وزير الخارجية المصري على أن تقسيم السودان «خط أحمر» لبلاده، ولن تقبل أو تسمح به. وقال في تصريحات لـ«القاهرة الإخبارية»، الاثنين، إنه «لا حلول عسكرية للأزمة في السودان».

وأكد في نفس الوقت على أهمية «إطلاق مسار إنساني يضمن وصول المساعدات دون عوائق، بالتوازي مع زيادة حجم الدعم الإغاثي، وتعزيز التنسيق مع المنظمات الدولية، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية هناك».

وتساند مصر السودان في مختلف المجالات، وفق حليمة الذي قال: «القاهرة تقدم دعماً سياسياً إنسانياً للسودان لمواجهة تحديات مختلفة، ولعلاج آثار الحرب المستمرة حتى الآن».

وأضاف: «الرؤية المصرية لوقف الحرب في السودان تركز على مسارات سياسية وأمنية وإنسانية، من أجل التسوية الشاملة في السودان».

وعلى صعيد دعم الجهود الإغاثية في السودان، بحث وزير الخارجية المصري في اجتماع ثلاثي مع نظيره السوداني ووكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر «سبل تعزيز الاستجابة الإنسانية الدولية للازمة الإنسانية بالسودان».

وشدد عبد العاطي على ضرورة «تعزيز الاستجابة الدولية للأزمة الراهنة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الفئات الأكثر تضرراً، ودعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق السلام المستدام في السودان، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن السودانيين»، حسب بيان «الخارجية المصرية».


جهود «الرباعية» لوقف حرب السودان تنتظر جلاء موقف الجيش

لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)
TT

جهود «الرباعية» لوقف حرب السودان تنتظر جلاء موقف الجيش

لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)

فيما تتحرك «الرباعية الدولية» التي تضم السعودية والولايات المتحدة ومصر والإمارات، من أجل هدنة إنسانية عاجلة في السودان، تمهيداً لوقف الحرب وبدء عملية سياسية جديدة، تتركز الأنظار على موقف الجيش منها، بعدما وافقت عليها «قوات الدعم السريع».

فمن جهة، أعلن الجيش ترحيبه بالجهود الدولية من أجل السلام، وفي الوقت ذاته أعلن التعبئة العامة واستمرار الحرب حتى هزيمة خصومه، ما يعني أن موقفه بحاجة إلى جلاء، كما يبدو. فالموقف المعلن حتى الآن يوحي بأن هناك معسكرين في صفوف مؤيدي السلطة المدعومة من الجيش. فهناك دعاة استمرار الحرب حتى القضاء على «الجنجويد» الذين خرجت «قوات الدعم السريع» من رحمهم في دارفور. وفي المقابل، هناك أطراف أخرى ترى أن المرحلة تتطلب الانحناء للريح، وعدم الدخول في مواجهة مع «المجتمع الدولي» قد تأتي بنتائج غير محمودة.

ويقول منتقدون للحركة الإسلامية في السودان إنها تلعب دوراً رئيسياً يعرقل أي تسوية قد تقصيها عن المشهد السياسي، بما فيها خطة «الرباعية» التي تقضي بإبعادها، وفقاً لما أكده مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي الذي اعتبر عزل التيار الإسلامي عن المشهد ضرورة لازمة و«خطاً أحمر» تتمسك به الولايات المتحدة.

لاجئات سودانيات يجلسن داخل خيمة بمدينة تيني في تشاد يوم 8 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

لذلك، تسعى الحركة، بحسب ما يقول منتقدوها، بكل ما تملك من قوة ونفوذ لإفشال مبادرة «الرباعية»، وتقوم دعايتها على أن المبادرة «مشروع خارجي لتسليم السودان للعملاء».

تحشيد في الداخل والخارج

في اليوم الثاني لصدور بيان «الرباعية»، أصدر الأمين العام للحركة الإسلامية، علي كرتي، بياناً أكد فيه عزم الحركة على مواصلة القتال إلى جانب الجيش السوداني، حتى القضاء على «قوات الدعم السريع» (الجنجويد السابقين، بحسب وصف خصومهم).

وفي الأسبوع الحالي، عُقد اجتماع بمنزل قيادي إسلامي شغل سابقاً منصب وزير الخارجية، ضم قيادات إسلامية خارج السودان، ودعا إلى «رفض خطة الرباعية والتعبئة لمواجهتها». وفي تسجيل مُسرَّب من الاجتماع، حذَّر الوزير السابق من «التعويل على المجتمع الدولي»، متهماً واشنطن بـ«إدارة الأزمة لخدمة مصالحها»، ودعا لتوحيد الصف الإسلامي ضد «التدخلات الأجنبية ومحاولات الإقصاء». ولم يتضح فوراً رد الوزير السابق على التسجيل المسرّب.

شبكات قوية

وفي هذا الإطار، أكد المحلل السياسي، عثمان فضل الله، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، وجود تأثير كبير للإسلاميين، وأرجعه لامتلاكهم شبكات قوية داخل المؤسسة العسكرية والإدارية، مكَّنتهم من «السيطرة» على القرار الأمني والعسكري.

قال فضل الله: «هذه الشبكات تُسهم في توجيه القرار أو تعطيله». وتابع: «يحتفظ الإسلاميون بقدرة على تحريك الشارع والإعلام عبر خطاب ديني يربط الحرب بالدفاع عن الدولة والدين، ليمنحهم شرعية رمزية وسط قطاعات من المجتمع المحافظ».

لاجئون سودانيون ينتظرون أمام مكتب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بمخيم مؤقت في تشاد يوم 9 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

ورأى فضل الله أن دوافعهم لاستمرار الحرب تتمثل في اعتبارها فرصة لهم للعودة إلى السلطة، ولمنع أي عملية سياسية قد تقود إلى محاسبتهم على فترة حكمهم السابقة، ولحسم الصراع الآيديولوجي باعتبار الحرب مع «الدعم السريع» والقوى المدنية «معركة هوية» مع مشروعهم الإسلامي.

وأشار أيضاً إلى المصالح الاقتصادية التي ترتبط بشبكات تمويل الحرب التي تتحكم فيها الحركة الإسلامية، مثل تجارة الذهب، والوقود، وأعمال الإغاثة، وما توفره لهم من نفوذ يصعب التخلي عنه.

محاصرة وتحييد

ولتحييدهم، رأى فضل الله ضرورة إشراك التيارات المعتدلة منهم في حوار يلتزم بالمدنية، ومحاصرة المتشددين قضائياً، مع إعادة هيكلة الأجهزة النظامية على أسس مهنية. ومجتمعياً، دعا المحلل السياسي إلى تفكيك الخطاب التعبوي الذي يربط الوطنية بالدين، وتقديم بديل وطني جامع.

وركز فضل الله على التنسيق الدولي الداعم لمسار السلام، بوصفه وسيلة ضرورية لتجفيف علاقاتهم الخارجية، و«تصنيف التنظيم كمجموعة إرهابية، استناداً إلى الممارسات الداعشية التي ارتكبوها خلال الحرب الحالية». وأضاف: «بهذا فقط، يمكن كبح نفوذ الإسلاميين، وتحويل الحرب من أداة بقاء إلى طريق نحو سلام حقيقي».

نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)

أما المحلل السياسي عثمان ميرغني فأكد لـ«الشرق الأوسط» قدرة الإسلاميين على تعطيل المبادرات الدولية، وقال: «القرار في الدولة حالياً يتركز في رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان... الذي يشكل الإسلاميون عاملاً رئيسياً في دعمه، وتعزيز فرص بقائه في السلطة».

وتابع: «حالياً يقف الإسلاميون في وجه المبادرات الدولية، منطلقين من الإحساس بأن دولاً مهمة في الإقليم تخشى عودتهم، ومن افتراض أن المبادرات الخارجية تستبطن دعماً لقوى سياسية معادية لهم... ما يستوجب عرقلة هذه المبادرات».

واختتم حديثه قائلاً: «الخلاصة: نعم يملك الإسلاميون القدرة على تعطيل المبادرات الدولية».

عرقلة في العلن

وفي مقابلة تلفزيونية حديثة، قالت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، إن التيار الإسلامي في السودان يشكل أحد العوائق الأساسية أمام نجاح الهدنة التي اقترحتها الآلية الرباعية.

وأوضحت أن الإسلاميين يتعاملون مع المبادرة بوصفها تهديداً لوجودهم السياسي، ويسعون عبر نفوذهم داخل مؤسسات الدولة، وعبر خطابهم الإعلامي العام، إلى إفشال أي ترتيبات تنفيذية قد تضعف موقعهم. وأضافت: «استمرار هذا الرفض يُضعف أي تسوية دولية، ويحد من فرص إرساء وقف حرب دائم».

لاجئ سوداني يسير أمام خيام بمدينة تيني في تشاد يوم 8 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

ولا يُخفي حزب «المؤتمر الوطني» (الواجهة السياسية للإسلاميين) موقفه من الهدنة ووقف الحرب. ففي بيان أصدره في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وجَّه بإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة، وطالب مؤسسات الدولة بما سمَّاه «الاضطلاع بمسؤولياتها الدستورية والقانونية لحماية أمن ووحدة البلاد».

ودعا الحزب أيضاً لتجهيز القوات المسلحة والقوات المساندة، لمواجهة ما وصفها بـ«المؤامرة»، وتحريك القوات فوراً «لضرب معاقل التمرد»، مناشداً القادرين على حمل السلاح الانخراط في معسكرات التدريب، دفاعاً عن «الأرض والعرض».

ورغم حظر حزبهم (المؤتمر الوطني)، فلا يزال لدى الإسلاميين نفوذ قوي داخل مؤسسات الدولة، وشبكات تعمل على عرقلة وتعطيل أي استجابة رسمية لمبادرات وقف إطلاق النار.

ويقول محلل سياسي طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية: «الإسلاميون ليسوا حزباً فقط؛ بل هم شبكات نفوذ داخل أجهزة الدولة، تستخدم الوطنية لافتة لخدمة مشروعاتها السياسية».


«قوة استقرار غزة»... مساع لـ«توافقات» دون المساس بـ«الثوابت الفلسطينية»

عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)
عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... مساع لـ«توافقات» دون المساس بـ«الثوابت الفلسطينية»

عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)
عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)

تتواصل مناقشات غير رسمية في أروقة مجلس الأمن الدولي في نيويورك، بشأن مشروع قرار أميركي يتضمن نشر قوات استقرار في قطاع غزة، وسط تأكيد مصري على وجود ملاحظات بشأنها وتعويل على التوصل لصياغات توافقية لإقرارها.

ذلك التوافق المأمول حول تلك القوات الدولية، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه خطوة مهمة ومفصلية لنشر القوات وفق إجماع، متوقعين سيناريوهات مختلفة؛ منها نجاح جهود التوصل لصيغة توافقية، أو تمسك واشنطن بعدم إجراء أي تعديلات وحدوث فيتو روسي أو صيني، أو اتجاه مجلس الأمن لإصدار بيان رئاسي وليس قراراً لترك الأمور للمفاوضات لاحقاً.

مشاورات في نيويورك

وكشف وزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي في تصريحات نقلتها «وكالة الأنباء المصرية» الرسمية، الثلاثاء، عن أن مصر منخرطة في المشاورات الجارية بنيويورك والخاصة بنشر قوة دعم الاستقرار الدولية بقطاع غزة، لافتاً إلى أن المشاورات مع الولايات المتحدة بشكل يومي، وروسيا، وأيضاً مع الجانب الصيني والاتحاد الأوروبي، ومع المجموعة العربية من خلال الجزائر بعدّها العضو العربي داخل مجلس الأمن.

وأضاف عبد العاطي: «نأمل أن يأتي القرار الأممي بالشكل الذي يحافظ على الثوابت الخاصة بالقضية الفلسطينية، ويُتيح نشر القوة الدولية في أسرع وقت ممكن، ولكن وفقاً لتحقيق التوافق، وبما يجعل هذا القرار من خلال صياغته المحكمة قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع».

وتابع: «نتحرك وهناك ملاحظات للعديد من الدول، وهم منخرطون في النقاش في نيويورك، ونأمل أن يتم التوصل إلى صياغات توافقية تعكس الشواغل وأولويات كل الأطراف دون المساس بالثوابت الفلسطينية».

فتاة تمشي وسط أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن في تصريحات نهاية الأسبوع الماضي أن قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة ستبدأ عملها على الأرض «قريباً جداً»، بعد أيام من إعلان مسؤول أميركي لـ«رويترز» في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أن واشنطن ستشارك مشروع قرار بشأنها مع الأعضاء العشرة المنتخبين بمجلس الأمن الدولي.

ويظهر النص أن الولايات المتحدة صاغت مشروع قرار للمجلس التابع للأمم المتحدة من شأنه الموافقة على تفويض لمدة عامين لهيئة حكم انتقالي في غزة وقوة دولية لتحقيق الاستقرار في القطاع الفلسطيني.

ويبدو أن مشروع القرار الذي نقله موقع «أكسيوس» قبل نحو أسبوع تجاوَب مع بعض مطالب إسرائيل، إذ يتضمن أن تكون القوة الأمنية الدولية «قوة تنفيذية وليست قوة لحفظ السلام»، وأن تسهم في «استقرار البيئة الأمنية في غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح من قطاع غزة، بما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بالإضافة إلى نزع أسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية بشكل دائم.

صعوبات كبيرة... وتحفظات

ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي بمؤسسة الأهرام للدراسات، الدكتور سعيد عكاشة، أن التحرك المصري يضطلع بدور حيوي ومهم، مستدركاً: «لكن المشكلة أن إسرائيل لديها فيتو على الأمم المتحدة وقراراتها، ولن تنفذها وكذلك ترفض المشاركة التركية، ومن ثمّ هناك صعوبات كبيرة».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني نزار نزال، أنه يمكن التوصل لتفاهمات مصرية قطرية أميركية بشأن الدور الميداني، وآلية الانتشار للقوات قد تدفع نحو صيغة توافقية ناعمة عبر قوات تحت غطاء أممي بموافقة فلسطينية، مشيراً إلى أن مجلس الأمن أمام اختبار حقيقي، ويبدو أن روسيا والصين تتحفظان على أي مشروع قد يمنح واشنطن أو إسرائيل أي تفويض لوجود على الأرض دون توافق.

مجلس الأمن الدولي (د.ب.أ)

وتأتي هذه المشاورات في نيويورك، وسط مواقف عربية متحفظة، وقال المستشار الرئاسي الإماراتي، أنور قرقاش، الاثنين، في كلمة بملتقى «أبوظبي الاستراتيجي»: «لا ترى الإمارات حتى الآن إطار عمل واضحاً لقوة حفظ الاستقرار. وفي ظل هذه الظروف، لن تشارك على الأرجح في مثل هذه القوة».

الحديث الإماراتي جاء غداة تأكيد مصر وقطر على «ضرورة تحديد ولاية قوة دعم الاستقرار الدولية وصلاحياتها»، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري، وفق بيان للخارجية المصرية.

احتمالات الفيتو

ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى تسعة أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حق النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.

وفي ظل هذه المخاوف والتباينات، يرجح عكاشة، ألا يمرر مشروع القرار في مجلس الأمن بسبب فيتو روسي أو صيني، ويكون الأقرب تشكيل الولايات المتحدة قوات متعددة الجنسية مع عدم مشاركة عربية، وربما توجد قوات أفريقية وإسلامية، مستدركاً: «لكن ستكون مغامرة كبيرة وقد تشهد صدامات كما حذرت مصر وتشتبك معها حماس وتتهمها بأنها قوة تحمي الاحتلال لا السلام».

ويرى نزال أن وسط هذه المواقف العربية المتحفظة لن تذهب موسكو وبكين إلى فيتو لو جرت تعديلات على النص تضمنت الحفاظ على الشرعية الفلسطينية والتوازن في مهام القوات.

ويتوقع نزال سيناريوهات للقرار؛ منها توافق أممي يقود لصدور قرار بصيغة غامضة وإرسال بعثة مراقبة، واستمرار الخلافات وتجميد المشروع، أو الذهاب لبيان رئاسي صادر عن المجلس دون قرار، والإبقاء على المسار السياسي مفتوحاً لأي مفاوضات لاحقة.