«داعش» يستغل الوباء والخلافات السياسية لتوسيع عملياته في العراق

إيران تحمّل أميركا مسؤولية تصاعد عنف التنظيم المتطرف

دورية عسكرية لفرض حظر التجول بسبب «كورونا» في بغداد أول من أمس (رويترز)
دورية عسكرية لفرض حظر التجول بسبب «كورونا» في بغداد أول من أمس (رويترز)
TT

«داعش» يستغل الوباء والخلافات السياسية لتوسيع عملياته في العراق

دورية عسكرية لفرض حظر التجول بسبب «كورونا» في بغداد أول من أمس (رويترز)
دورية عسكرية لفرض حظر التجول بسبب «كورونا» في بغداد أول من أمس (رويترز)

حمّلت وزارة الخارجية الإيرانية، أمس، الولايات المتحدة المسؤولية عن تصاعد عنف تنظيم «داعش» في العراق خلال الأيام الماضية.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عن وكالة الأنباء الإيرانية الحكومية (إرنا) قول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي: «فلول (داعش) موجودة في بعض مناطق العراق وإلى جواره، وبما أن الولايات المتحدة تتعرض لضغوط من الشعب العراقي (الذي يطالب بخروج القوات الأجنبية) فإنها تريد من خلال تقوية (داعش) إيجاد مبررات لعدم الخروج من العراق أو تأخير هذا الخروج على الأقل». وأضاف: «أميركا تريد القول إنها إذا لم تكن موجودة في العراق فإن الأمن لن يستتب فيه». وشدد المتحدث على أن إيران تتابع عن قرب تطورات الساحة العراقية وتعرب عن القلق لعودة نشاط «داعش» في هذا البلد.
وضاعف تنظيم «داعش» خلال الشهر الماضي هجماته ضد القوات الأمنية ومرافق الدولة في العراق، مستغلاً تفشي جائحة «كوفيد19»، وانسحاب قوات التحالف الدولي، والانقسام السياسي، لكن ذلك لا يعني العودة إلى سيناريو عام 2014، حسبما يؤكد محللون.
وكان العراق أعلن «النصر» على التنظيم المتطرف نهاية عام 2017، بعد معارك دامية لأكثر من 3 أعوام. لكن فلول المتطرفين ما زالت قادرة على شن هجمات على القوات الأمنية في مناطق نائية في شمال البلاد وغربها. غير أن البلاد اليوم تسير بحكومة تصريف أعمال منذ 5 أشهر، والقوات الأمنية منشغلة بفرض حظر التجول لمنع انتشار فيروس «كورونا» المستجدّ.
وليل الجمعة - السبت قبيل موعد السحور في شهر رمضان، تمكن تنظيم «داعش» من شن هجومه الأكثر دموية منذ أشهر ضد القوات العراقية، والأكثر تعقيداً لجهة تنظيمه، وأسفر عن مقتل 10 من قوات «الحشد الشعبي».
ويقول المحلل الأمني والمختص في شؤون الحركات المتطرفة، هشام الهاشمي، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «العمليات القتالية وصلت إلى مستوى لم يكن قائماً من قبل». وتؤكد مصادر أمنية عدة أن المتطرفين صعّدوا خلال الفترة الماضية هجماتهم المسلحة وبعبوات ناسفة وقذائف «هاون» ضد قوات الأمن في بعض القرى.
ويصف الهاشمي الهجمات بـ«القتال الهجين» الذي يهدف إلى «إعادة القدرة على التكيف مع كل التحديات والتهديدات المحتملة، لغرض التمويل الذاتي ومرونة التنقل والتخفي»، إضافة إلى «عرقلة وتهديد مشاريع الاستقرار وعودة النازحين في المناطق المحررة، في نوع من الانتقام».
هذا ما يؤكده أيضاً ضابط برتبة عميد في الاستخبارات العراقية، قائلاً إن التنظيم «كثف هجماته بمعدل 3 أضعاف مقارنة بالفترة نفسها في شهر مارس (آذار) الماضي»، وكان من بينها هجوم انتحاري استهدف منتصف الأسبوع الماضي مقر الاستخبارات في مدينة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل في شمال العراق، ما أدى إلى إصابة 4 من عناصر الأمن بجروح.
وفي محافظة ديالى شمال شرقي بغداد، أصبحت الهجمات شبه يومية خصوصاً في المناطق الزراعية.
يقول عدنان غضبان، أحد زعماء عشائر ناحية العبارة في شمال ديالى، إن اثنين من أقربائه أصيبوا بجروح خطيرة بـ«هجوم مسلح لـ(داعش)»، مضيفاً: «إنها تذكرنا بأحداث عام 2014»، ويعدّ أن هؤلاء المتطرفين «استغلوا انشغال القوات الأمنية بفرض حظر التجول» جراء «كورونا» الذي أودى بحياة نحو مائة شخص في العراق مع إصابة أكثر من ألفين آخرين.
لكن المحلل السياسي والأمني فاضل أبو رغيف يرجح استغلال «داعش» الجمود السياسي الذي تعيشه البلاد في ظل توتر المحادثات حول تشكيل الحكومة المقبلة، وانخفاض أسعار النفط، والخلافات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان حول الموازنة. يقول أبو رغيف إن التنظيم «لديه مجسّات على الوضع السياسي، كلما احتقن الوضع السياسي؛ نشط بطريقة انتهازية». ويرى أيضاً أن خفض انتشار قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد مهد الطريق لذلك، محذراً من أن «التنظيم في نشاط مستقبلي أوسع وأكبر».
ونشر التحالف الدولي في عام 2014 قواته في العراق لمساندة القوات الأمنية المحلية في قتال «داعش»، عبر تنفيذ ضربات جوية وتقديم الاستشارة والتدريب. وكشف تقييم لوزارة الدفاع الأميركية العام الحالي، عن أن القوات العراقية لا تزال غير قادرة على الوصول للمعلومات الاستخباراتية واستخدامها بشكل كافٍ في الغارات ضد «داعش» بمفردها، أو تنفيذ العمليات في مناطق وعرة دون مساعدة التحالف الدولي.
لكن أبو رغيف يؤكد أن «التنظيم لن يستطيع العودة إلى سابق عهده»، حين استولى على مساحات شاسعة في العراق وسوريا توازي مساحة بريطانيا وتضم 7 ملايين نسمة.
من جهة التحالف، يؤكد ضابط كبير أن التنظيم «شن هجمات عدة ناجحة بمستوى منخفض» في الأسابيع الأخيرة، لكن ذلك لا يمثل «زيادة كبيرة». ويضيف أن الأمر «لا يقتصر على عدد الهجمات فقط، ولكن ما نوعية الهجوم؟ هل هو معقد؟ ما نوع المعدات أو التكتيكات التي استخدمت؟ معظم ما رأيناه كان بدائياً وبسيطاً».
لذلك، يعدّ المحلل المختص بشؤون الجماعات المتطرفة في العراق، سام هيلر، أن التحول الأخير لا يقارن بذروة نشاط «داعش» عند إعلان ما تسمى «دولة الخلافة». ولفت إلى أن ذلك ليس إلا إشارة إلى أن «(داعش) يتخذ موقفاً أكثر عدوانية. وهذا لا يعني أن لديه قدرات جديدة أو حتى مؤثرة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم