«الفيصل» السعودية تعالج «كورونا» وصياغته للعالم

«الفيصل» السعودية تعالج «كورونا» وصياغته للعالم
TT

«الفيصل» السعودية تعالج «كورونا» وصياغته للعالم

«الفيصل» السعودية تعالج «كورونا» وصياغته للعالم

تحت ضغط فيروس كورونا، الذي يبسط هيمنته على العالم كله، كرست مجلة «الفيصل» ملف العدد الجديد، الذي صدر مؤخراً، لهذا الفيروس وتداعياته الكونية؛ الوباء الذي دفع البشرية إلى الحجر، وفضح هشاشة الدول الغربية، وبيَّن إخفاق العولمة، وهدَّد حضاراتهم. شارك في الملف عدد من الباحثين والكتاب، تناولوا الموضوع من زوايا مختلفة، وهم: مصطفى حجازي، وحسن حنفي، وجاسر الحربش، وروضة مبادرة، ووائل فاروق، وأم الزين بنشيخة المسكيني، وديمة الشكر، وأحمد المديني، وزاهر الغافري، والحبيب السائح، ومحمود زعرور، وعلي لفتة سعيد، وسليمان شفيق، وليلى البلوشي، وبديعة زيدان.
وضم العدد الجديد من «الفيصل» مواضيع ومواد متنوعة. في باب دراسات نقرأ: «جميل حتمل وسردية الوطن... شخصيات تعاني الغربة وتواجه أزمات مصيرية»، للناقد السوري أحمد عزيز الحسين. و«الرواية والحب... حضور الجنس في روايات الكاتبات وقصصهن هو ما يصنع الحدث اليوم في آدابنا العربية»، للناقد المغربي حسن المودن. في باب «قضايا» نطالع «الصعود المقلق لحركات (النسو - قومية): اختطاف خطاب الحركات النسائية لبسط المزيد من الآيديولوجيات اليمينية»، للباحثة الأميركية إيدنا بونهوم (ترجمة المغربي أحمد منصور).
وفي حوار العدد، يرى المفكر السعودي عبد العزيز الدخيل، الذي حاوره الباحث التونسي نادر الحمامي، أن الدول التي لها قاعدة اجتماعية هي التي ستتغلب على «كورونا». ويقول: «لا توجد ليبرالية عربية أو أميركية، توجد ليبرالية فقط وهي انعتاق العقل من القيد وقدرته على التفكير». وتنشر «الفيصل» حواراً آخر مع الشاعر أوكتافيو باث، الذي يرى أن السورياليين هم من ابتكروا مسألة «الشاعر»، ويقول: «أنا ممن يرومون جعل اللغة ألفاظاً لؤلئية مقتصدة لأجل أن أكتب قصيدتي وأصل عبرها إلى ضوء يرتجف بين الموت والرجاء. أكتب قصيدتي باندفاع غامض... ولا أعرف كيف ستكون عليه قصيدتي إلا بعدما أنجزها وأقرؤها مكتوبة». أجرى الحوار مع أوكتافيو باث الشاعر اللبناني أحمد فرحات.
ونقرأ في باب «ثقافات»: «مصائر متقاطعة تجمع زعماء وفلاسفة؛ هتلر وفتغنشتاين زميلا دراسة.. وكافكا وصديقه الخائن ماكس برود.. وهايدغر وآرندت: الحب المضطرب» (ترجمة الناقد والمترجم شكير نصر الدين). ونطالع في الباب نفسه: «في إبداعك اعلم أن هناك فراغاً ينتظرك لتملأه» للكاتبة البريطانية برناردين إيفاريستو، وهي أول كاتبة سوداء تفوز بجائزة «البوكر» البريطانية (ترجمة جابر طاحون).
وفي باب «فيلوسوفيا»، نتعرف إلى حياة الفيلسوف الكولومبي نيكولاس غوميز دافيلا، الذي عاش في الظل متعمداً منعزلاً مع أسرته الصغيرة ووسط مكتبته الضخمة، بعيداً من الأضواء وثرثرة العامة وصخبهم (ترجمة الكاتب المصري أحمد الزناتي).
ونشر العدد مقالات لحاتم الصكر، وعزت القمحاوي، وحسونة المصباحي، وماجد شيباني، ولطيفة خلف العنزي، وخلف سرحان القرشي، وجون لايسكر (ترجمة ربيع ردمان).
ونقرأ في باب «إعلام»: «الإنترنت الديني: عرض بيبليوغرافي لمؤلفات وكتب تتناول سوسيولوجيا الإنترنت والدين» (ترجمة المغربي عبد الإله فرح). أما في باب «عمارة»، فنطالع «صعود وأفول العمارة الحداثية... المدن الفاضلة وفشل الحلم الحداثي الطموح» (ترجمة الكاتب والمترجم اليمني رياض حمادي). وتفرد «الفيصل» باب شخصيات للشاعر السعودي علي الدميني، فيتناول عدد من الشعراء والكتاب تجربته من زوايا مختلفة، وهم الكاتب السعودي أحمد بوقري، والشاعر والناقد العراقي علي جعفر العلاق، والشاعر والناقد المنصف الوهايبي، والشاعر السعودي مسفر الغامدي.
في باب «كتب»، نقرأ مراجعات لعدد من الكتب الجديدة: «كن شجاعاً هذه المرة»، لإبراهيم داود (رضا عطية)، و«طعم النوم» لطارق إمام (محمود خير الله)، و«العقاب» لديديه فسان (عبد الرحمن إكيدر)، و«أيام بمفاتيح صدئة» لطالب المعمري (محمود قرني)، و«العصبيات وآفاتها» لمصطفى حجازي (حواس محمود)، و«القراءة التناصية الثقافية» لمعجب العدواني (عبد الفتاح شهيد). و«نسوية السايبورغ» لأماني أبو رحمة (محمد عبد الوكيل جازم).
وفي باب «تحقيقات»: «المثقف السعودي والتحولات الجديدة» (هدى الدغفق). وتنشر «الفيصل» مجموعة من النصوص لعبد القادر الجنابي، وعمر شبانة، ونوزاد جعدان، ومحمد الحمامصي، وكريم عبد السلام، وعلي طه النوباني، وبثينة الناصري. وفي باب «فوتوغرافيا» نقرأ: «فوتوغرافيا سولومون دي بتشر تحتضن حياة المستوطنين الأوائل بكل تعقيداتها»، وتحكي وقائع أهم قصة في الأرض الجديدة للكاتبة الأميركية كارسون فوجان (ترجمة طارق فراج). وفي «سينما» تتحدث المخرجة السعودية شهد أمين، عن أفلامها، واختيارها للبحر، رمزاً للمرأة المكبوتة؛ المخرجة التي ترى أن الفن لا يكتمل سوى بالمجازفة. وفي «مسرح» تنشر «الفيصل» مادة عن أيام الشارقة المسرحية وملتقاها الفكري، والعروض التي جسدت مآل الإنسان وخراب العالم (سافرة ناجي). وفي «موسيقا» يكتب جمال حسن عن سلطة البابا والموسيقا الهارمونية.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.