«كوفيد ـ 19» يرسم مشهداً اقتصادياً واجتماعياً مأساوياً في إسبانيا

توقعات بتراجع الاقتصاد 13 % وارتفاع البطالة إلى 21 %

مسؤولون إسبان يحتفلون بإغلاق مستشفى ميداني في مدريد بعد تراجع إصابات «كورونا» (أ.ف.ب)
مسؤولون إسبان يحتفلون بإغلاق مستشفى ميداني في مدريد بعد تراجع إصابات «كورونا» (أ.ف.ب)
TT

«كوفيد ـ 19» يرسم مشهداً اقتصادياً واجتماعياً مأساوياً في إسبانيا

مسؤولون إسبان يحتفلون بإغلاق مستشفى ميداني في مدريد بعد تراجع إصابات «كورونا» (أ.ف.ب)
مسؤولون إسبان يحتفلون بإغلاق مستشفى ميداني في مدريد بعد تراجع إصابات «كورونا» (أ.ف.ب)

لم تخطئ التوقعات التي أنذرت منذ شهرين بأن الجائحة الاقتصادية ستكون أشدّ وبالاً من الجائحة الفيروسية التي وضعت اقتصادات البلدان الأكثر تضرراً من «كوفيد - 19» في حالة من الإغماء العميق، ولم يكن العمّال الذين احتفلوا بعيدهم للمرة الأولى قبل 130 عاماً للمطالبة بدوام يومي لا يزيد على ثماني ساعات يتوقعون أنه سيأتي يوم تصبح فيه هذه الساعات الثماني ترفاً، ليس في منال الملايين منهم.
فقد كشفت «خطة الاستقرار» التي قدمتها الحكومة الإسبانية أمس (الجمعة) إلى المفوضية الأوروبية عن مشهد كارثي لم يعرفه الاقتصاد الإسباني منذ الحرب الأهلية أواخر ثلاثينات القرن الماضي، ورسمت وضعاً مأساوياً لسوق العمل يتكرر منذ أسابيع في معظم البلدان التي ضربها الوباء بقسوة. وجاء في الخطة التي عرضتها وزيرتا الاقتصاد والمال في مؤتمر صحافي مشترك، أن الانهيار الاقتصادي الناجم عن تدابير العزل ووقف العجلة الإنتاجية والنشاط الاستهلاكي سيتجاوز 9 في المائة هذا العام، وأن النمو المتوقع في السنة المقبلة لن يتجاوز 7 في المائة في أفضل الأحوال. في غضون ذلك كانت وزيرة العمل تعلن عن توقعات بارتفاع نسبة البطالة إلى 19 في المائة في نهاية هذه السنة، بينما كانت طوابير الفقر تمتد مئات الأمتار في الكثير من المدن الإسبانية التي يعجز الآلاف فيها عن تأمين حاجاتهم الغذائية التي يحصلون عليها من مراكز توزيع المساعدات التي يزداد عددها كل يوم مع ازدياد أعداد الذين يفقدون فرص عملهم.
وكانت وزيرة الاقتصاد ناديا كالفينيو قد توقعت تراجعاً قويّاً للنشاط الاقتصادي حتى نهاية الشهر المقبل، واستعادة تدريجية للنمو في النصف الثاني من السنة، في حين أكدت وزيرة المال ماريّا خيسوس مونتيرو «أن الصدمة مؤقتة، وستنهض إسبانيا من كبوتها».
ويستفاد من «التقرير الطبي» للوضع الاقتصادي الإسباني الناجم عن أزمة «كوفيد - 19»، أن العجز العام هذه السنة سيبلغ 10.3 في المائة من إجمالي الناتج القومي ليرفع الدين العام إلى 115 في المائة من هذا الإجمالي، وهي النسبة الأعلى منذ عام 2012، لكن تقريراً صدر مؤخراً عن المصرف المركزي الإسباني يتوقع تراجعاً للاقتصاد بنسبة تصل إلى 13 في المائة وارتفاعاً لنسبة البطالة إلى 21 في المائة.
لكن الأرقام التي قدّمتها الحكومة الإسبانية، على غرار تلك التي تتضمنها تقارير المؤسسات المالية الدولية والمصارف المركزية منذ أسابيع، لا تعدو كونها تقديرات أولية مرهونة بتطورات أزمة «كوفيد - 19» التي لا تزال مفتوحة على احتمالات يستحيل التنبؤ بمسارها في الوقت الراهن.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقّع في تقريره الأخير تراجعاً للاقتصاد الإسباني بنسبة 8 في المائة هذا العام، في حين حذّر تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية في المفوضية الأوروبية من «تداعيات الخطورة البالغة للوضع الاقتصادي في البلدان المتوسطية عموماً، وبخاصة في إيطاليا وإسبانيا، حيث بدأت تظهر جيوب واسعة للفقر تعتمل فيها أزمات اجتماعية تقتضي معالجة سريعة، سيّما وأن ثمة احتمالات بعودة الفيروس إلى الانتشار في موجة ثانية قبل نهاية السنة الجارية».
وفي تقريره الدوري الأخير كان المصرف المركزي الأوروبي قد حذّر من «أن الأزمة الاقتصادية في طريقها للتحوّل إلى أزمة مالية بعد الصدمات القوية التي تعرّضت لها أسواق المال الكبرى، والتي حال دون انهيارها التدخّل غير المسبوق للمصارف المركزية». ويتوقع المصرف الأوروبي مزيداً من التراجع في أسواق المال الأوروبية إذا طالت الأزمة الصحية حتى نهاية العام أو بعده، خاصة في إيطاليا وإسبانيا، نتيجة لتراجع حركة القروض والسوق العقارية.
وتفيد دراسة وضعها مركز الأبحاث التابع للمصرف المركزي الإيطالي، بأنه «مع تحوّل الأزمة من صحية إلى اقتصادية ثم مالية، ستكون تداعياتها قاسية جداً على الصعيد الاجتماعي في البلدان التي ترزح تحت أحمال ثقيلة، مثل معدلات البطالة المرتفعة والدين العام». وتشير الدراسة إلى أن إيطاليا وإسبانيا والبرتغال قد تدخل في نفق أزمة عميقة، اقتصادية واجتماعية، خاصة أن البلدان الثلاثة سبق ودفعت ثمناً باهظاً للخروج من الأزمة المالية الأخيرة، ما لم يبادر المصرف المركزي الأوروبي والمؤسسات الأوروبية إلى التدخّل بما يلزم من الوسائل.
وفي سياق متصل، يعقد وزراء الداخلية والدفاع في الاتحاد الأوروبي اجتماعاً الأربعاء المقبل لبحث الأوضاع الأمنية الناجمة عن أزمة «كوفيد - 19»، وما يمكن أن ينشأ من تداعيات عن تفاقم الأزمة الاقتصادية إذا استمرّت الأزمة الصحية لفترة طويلة.


مقالات ذات صلة

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)
صحتك طفل يخضع لاختبار الكشف عن فيروس كورونا (أرشيفية - أ.ب)

دراسة: «كورونا» يزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بالسكري

كشفت دراسة جديدة عن أن عدوى فيروس كورونا تزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بمرض السكري من النوع الثاني مقارنة بعدوى أمراض الجهاز التنفسي الأخرى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك جرعة من لقاح «كورونا» (رويترز)

رجل يتهم لقاح «فايزر» المضاد لـ«كورونا» بـ«تدمير حياته»

قال مواطن من آيرلندا الشمالية إن لقاح «فايزر» المضاد لفيروس كورونا دمر حياته، مشيراً إلى أنه كان لائقاً صحياً ونادراً ما يمرض قبل تلقي جرعة معززة من اللقاح.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«الأمم المتحدة» تحذر من تفاقم الجوع في غزة والسودان ومالي

فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)
TT

«الأمم المتحدة» تحذر من تفاقم الجوع في غزة والسودان ومالي

فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)

حذّرت وكالات الأغذية، التابعة للأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم مستويات الجوع، خلال الأشهر السبعة المقبلة، في أجزاء كثيرة من العالم، وأكثرها إثارة للقلق غزة والسودان وجنوب السودان ومالي وهايتي.

وتتسبب الصراعات والعنف المسلَّح في معظم حالات انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع المناطق التي جرت دراستها في التقرير نصف السنوي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، وبرنامج الأغذية العالمي، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتُشكل العوامل المناخية الحادة عاملاً حاسماً في مناطق أخرى، في حين أن عدم المساواة الاقتصادية، وارتفاع مستويات الديون في كثير من البلدان النامية، يقوّضان قدرة الحكومات على الاستجابة، وفقاً للتقرير المشترك الذي يدرس الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إلى مايو (أيار) 2025.

ويكشف التقرير، الذي يعتمد على أبحاث أجراها خبراء في وكالتين تابعتين للأمم المتحدة مقرُّهما روما، إن هناك حاجة ماسة إلى العمل الإنساني لكبح المجاعة والموت في قطاع غزة والسودان وجنوب السودان وهايتي ومالي.

ويحذر التقرير، بالإضافة إلى ذلك، من أنه «في غياب الجهود الإنسانية الفورية، والعمل الدولي المتضافر لمعالجة القيود الخطيرة، والتي تهدف إلى تهدئة الصراع وانعدام الأمن، من المرجح أن تتفاقم المجاعة والخسائر في الأرواح» في هذه المناطق.

كما أن نيجيريا وتشاد واليمن وموزمبيق وبورما وسوريا ولبنان في وضع مقلق جداً.

ويُسلط التقرير الضوء فقط على «الحالات الأكثر خطورة»، ومن ثم ليس على «جميع البلدان أو الأقاليم التي تعاني بدورها مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد»، وفق مُعِدّي التقرير.

ويُعد عام 2024 الثاني على التوالي، الذي يشهد تراجعاً في تمويل المساعدات الإنسانية، وواجه 12 برنامج مساعدات في قطاع الأمن الغذائي تراجعاً في التمويلات تزيد على 75 في المائة في دول مثل إثيوبيا واليمن وسوريا وبورما.

الآثار المباشرة وغير المباشرة

ويجري قياس مستويات انعدام الأمن الغذائي استناداً إلى مؤشرات من 1 إلى 5، ويتوافق المستوى الأخير مع حالة «الكارثة».

وفي قطاع غزة، أثار التصعيد الأخير في الأعمال العدائية مخاوف من احتمال تحقق سيناريو «الكارثة» المتمثل في المجاعة، وفق التقرير.

وسيواجه نحو 41 في المائة من السكان؛ أي ما يعادل 876 ألف شخص، مستويات «طارئة» من المجاعة، ما يمثل المستوى الرابع، في الفترة ما بين نوفمبر إلى نهاية أبريل (نيسان) المقبل، بينما سيواجه ما يقرب من 16 في المائة؛ أي 345 ألف شخص، مستويات «الكارثة»، وفقاً للتقرير.

وحتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بلغ عدد النازحين 1.9 مليون شخص؛ أي ما يعادل 91 في المائة من سكان غزة.

أمّا في السودان فسيظل مئات الآلاف من النازحين بسبب النزاع يواجهون المجاعة، وفق المصدر نفسه.

وفي جنوب السودان، من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين واجهوا المجاعة والموت، في الأشهر الأربعة بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) 2024، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.

لكن هذه الأرقام قد تتصاعد ابتداء من مايو (أيار) 2025، مع الفترة التي تلي وتسبق موسمي الحصاد.

ووفقاً للتقرير، تضرَّر أكثر من مليون شخص من الفيضانات الشديدة، هذا الشهر، في جنوب السودان، حيث تعاني العنف والركود الاقتصادي.

وعلى نحو مُشابه، يهدد العنف المسلَّح في هايتي، مقترناً بالأزمة الاقتصادية المستمرة والأعاصير، بتفاقم مستويات الجوع.

ويهدد تصاعد الصراع في مالي، حيث سحبت الأمم المتحدة بعثة حفظ السلام التابعة لها في عام 2023، بتفاقم المستويات الحرِجة بالفعل مع قيام الجماعات المسلَّحة بفرض حواجز على الطرق، ومنع إيصال المساعدات الإنسانية.

وفقاً للتقرير، فإن الآثار المباشرة وغير المباشرة للصراع على انعدام الأمن الغذائي كبيرة، وتتجاوز بكثير القضاء على الماشية والمحاصيل.

وتابع: «يُجبر النزاع الناس على الفرار من منازلهم، مما يؤدي إلى تأثر طرق العيش والدخل، ويحد من الوصول إلى الأسواق، ويفضي إلى تقلبات الأسعار وعدم انتظام إنتاج واستهلاك الغذاء».

وفي بعض المناطق التي تُعدّ مثيرة للقلق، فإن الظروف الجوية القاسية الناجمة عن احتمال عودة ظاهرة «إل نينو» هذا الشتاء، وهي ظاهرة مناخية طبيعية يمكن أن تؤدي إلى هطول أمطار غزيرة أو تفاقم الجفاف وموجات الحرارة، قد تسبب تفاقم الأزمات الغذائية، وفقاً للتقرير.