اليمنيات المعتَقلات لدى الحوثيين... من السجون إلى المنفى

تحقيق لـ«أسوشيتد برس» وثّق شهادات وكشف جرائم بحق المرأة

إحدى المعتًقلات السابقات لدى الحوثيين أثناء حديثها عن قصتها (أ.ب)
إحدى المعتًقلات السابقات لدى الحوثيين أثناء حديثها عن قصتها (أ.ب)
TT

اليمنيات المعتَقلات لدى الحوثيين... من السجون إلى المنفى

إحدى المعتًقلات السابقات لدى الحوثيين أثناء حديثها عن قصتها (أ.ب)
إحدى المعتًقلات السابقات لدى الحوثيين أثناء حديثها عن قصتها (أ.ب)

كان أقران سامراء الحوري من النشطاء يختفون، واحداً تلو الآخر. وعندما استفسرت لدى أسرهم عنهم، قدموا جميعاً الإجابة المبهمة نفسها: «إنها مسافرة». ورغم أن قليلا من هؤلاء النساء عاودن الظهور، بدا أنهن محطمات ورفضن الإفصاح عن مكان وجودهنّ طوال شهور.
إلا أن الحوري (33 عاما) سرعان ما أدركت الإجابة بنفسها، فقد اقتادها بضعة ضباط من قوات الحوثيين المتمردة من منزلها في العاصمة صنعاء عند الفجر، واصطحبوها إلى قبو مدرسة سابقة كانت تعج الزنازين القذرة داخلها بمحتجزات. واعتدى المحققون عليها بضرب مبرح وتعرضت لصدمات كهربائية، وإمعاناً في تعذيبها النفسي أعلنوا عن موعد لإعدامها وألغوه في اللحظة الأخيرة.
وبدا واضحاً أن السيدات اللواتي تجرأن على الانشقاق أو حتى مجرد الدخول إلى المجال العام، تحولن إلى أهداف حملة قاسية ومتصاعدة من جانب الحوثيين.
ووصف نشطاء ومحتجزون سابقون في تحقيق نشرته وكالة «أسوشيتد برس» شبكة من منشآت الاحتجاز السرية تعرضوا داخلها للتعذيب، وأحياناً الاغتصاب. ويعج شارع تعز، الشارع الرئيسي في صنعاء، بالعديد من هذه المنشآت المتخفية داخل فيلات خاصة والمدرسة التي احتجزت داخلها الحوري.
تقول الحوري التي نجحت في البقاء على قيد الحياة بعد ثلاثة شهور في مركز الاحتجاز حتى اعترفت أمام كاميرا باتهامات ملفقة بالتورط في الدعارة، ما يشكل وصمة كبرى داخل المجتمع اليمني المحافظ: «مر كثيرون بظروف أسوأ من ظروفي بكثير»"

صعوبة الإحصاء
لطالما وفرت التقاليد المترسخة في البلاد وشبكات الحماية القبلية للنساء حامياً من الاحتجاز والانتهاكات، لكن تلك المحاذير تساقطت تحت وطأة الحرب. وبينا يموت الرجال في المعارك أو يقبعون داخل السجون في خضم صراع يدخل بخطى متثاقلة عامه السادس، شرعت النساء اليمنيات على نحو متزايد في الاضطلاع بأدوار سياسية. وفي الكثير من الحالات، تولت نساء تنظيم تظاهرات وقيادة حركات والعمل لصالح منظمات دولية أو إطلاق مبادرات سلام، وكلها أمور ينظر إليها الحوثيون باعتبارها تهديداً لهم.
في هذا الصدد، تقول رشا جرهوم، مؤسسة «مبادرة مسار السلام»، التي تدعو لضم النساء إلى محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً: «هذا أكثر العصور ظلاماً للمرأة اليمنية. لقد جرت العادة أن حتى توقيف شرطة المرور لسيدة يعد أمراً مشيناً».
من ناحية أخرى، شكلت عمليات إلقاء القبض الممنهجة والسجون التي تعج بأعمال التعذيب عنصراً محورياً في جهود الحرب.
وتشير التقديرات إلى أن ما يتراوح بين 250 و300 امرأة محتجزات حالياً داخل محافظة صنعاء وحدها، تبعاً لما أفادت به العديد من المنظمات الحقوقية. وأوضحت «المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر» أن ثمة احتمالاً أن تكون هذه التقديرات أقل من العدد الحقيقي.
والملاحظ أن هناك صعوبة أكبر في تقدير أعداد المحتجزات داخل المحافظات والأقاليم الأخرى.
في هذا السياق، قدرت نورا الجوري، رئيسة «ائتلاف نساء من أجل السلام في اليمن»، أن ما يزيد على 100 امرأة محتجزات داخل محافظة ذمار جنوب العاصمة، والتي تشكل نقطة عبور كبرى من المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية إلى الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون.
ووثقت الجوري، التي تتولى إدارة مجموعة دعم غير رسمية في القاهرة تتعامل مع السيدات اللواتي أطلق سراحهن من سجون الحوثيين، 33 حالة اغتصاب و8 حالات لسيدات أنهكهن التعذيب.

فرار من البلاد
والتقت «أسوشيتد برس» ست محتجزات سابقات نجحن في الفرار إلى القاهرة قبل أن يسبب وباء كورونا وقف الرحلات الجوية وإغلاق الحدود. وقدمن روايات يدعمها تقريراً صدر قبل وقت قريب من لجنة من الخبراء التابعين للأمم المتحدة، ذكر أن الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها المحتجزات قد تصل إلى مستوى جرائم الحرب.
وأفادت إحدى السيدات، وهي مدرّسة تاريخ سابقاً رفضت كشف اسمها لحماية أسرتها في اليمن، أنه ألقي القبض عليها في خضم حملة واسعة ضد التظاهرات في ديسمبر (كانون الأول) 2017. واقتيدت إلى مكان ما في ضواحي صنعاء، لا تعلم أين على وجه التحديد. وكان كل ما بإمكانها سماعه ليلاً نباح الكلاب، ولم تسمح ولا حتى صوت أذان الصلاة. وقالت: «كنت بعيدة للغاية، وكأني سقطت خارج الأرض».
وأضافت أن حوالي 40 سيدة كن محتجزات داخل الفيلا، وأنها تعرضت للتعذيب على أيدي المحققين، وفي إحدى المرات نزعوا أظافر الإصبع الصغرى في قدمها. وفي أكثر من مرة، أخبرها ثلاثة ضباط مقنعين بأن تصلي وقالوا لها إنهم سيطهرونها من الإثم. وبعد ذلك، تناوبوا على اغتصابها، بينما تولت حارسات تقييدها ومنعها من الحركة.

الميليشيات تنفي!
نفت وزيرة شؤون حقوق الإنسان على جانب الحوثيين ادعاءات التعذيب ووجود سجون سرية للنساء. وقالت راضية عبد الله، وهي واحدة من وزيرتين في حكومة الحوثيين، خلال مقابلة أجريت معها: «إذا اكتشفنا وجود هذا الأمر، سنتعامل معه».
واعترفت راضية بإلقاء القبض على الكثير من النساء خلال حملة جرت في الفترة الأخيرة لمكافحة الدعارة اجتاحت مقاهي وشققاً وتجمعات نسائية. وواجهت النساء اللواتي ألقي القبض عليهن اتهامات «بمحاولة إفساد المجتمع وخدمة العدو»، وذلك في إشارة إلى التحالف الذي تقوده السعودية.
جدير بالذكر أن لجنة برلمانية شُكلت الخريف الماضي للنظر في التقارير المتعلقة بالاحتجاز غير القانوني توصلت إلى إطلاق سراح عشرات المحتجزين من الرجال خلال الأسابيع الأولى لعملها.
وكانت اللجنة تنوي الاستمرار في عملها في ما يتعلق بقضية النساء المحتجزات كذلك، لكن مذكرة داخلية بتاريخ 16 فبراير (شباط) قالت «أسوشيتد برس» إنها حصلت على نسخة منها تضمنت شكوى من أن وزارة الداخلية تضغط على اللجنة لإنهاء تحقيقها.

تدرّج الاعتقالات
جاءت أول حملة اعتقالات كبرى في صفوف النساء أواخر عام 2017، بعد قتل الحوثيين حليفهم السابق في الحرب الحاكم السابق علي عبد الله صالح. خلال تلك الفترة، احتجز المتمردون عشرات النساء ممّن خرجن إلى ميادين عامة للمطالبة بعودة جثمان صالح.
وقالت الجوري إن نطاق عمليات إلقاء القبض على النساء اتسعت منذ ذلك الحين، موضحة أنه «في بادئ الامر كانوا يستهدفون قادة المعارضة، وبعد ذلك استهدفوا المتظاهرات، والآن يستهدفون أي سيدة تتحدث ضدهم».
وذكرت امرأة أنه جرى سحبها من خارج سيارة أجرة كانت تستقلها داخل مكان كان يشهد تظاهرة وتعرضت للضرب والاحتجاز. كما تعرضت ناشطة سلام تعمل مع منظمة إنسانية مقرها في لندن للاحتجاز طوال شهور داخل مركز احتجاز للشرطة في صنعاء طوال أسابيع.
ووصفت معلمة كمبيوتر تبلغ من العمر 48 عاماً، كيف اقتحم 18 رجلاً مسلحاً منزلها واعتدوا بالضرب على كل من كانوا بالداخل، وضربوا وجهها بأحذيتهم وأطلقوا في حقها أقذع الشتائم الجنسية. ولم يكن للسيدة أية صلة بالعمل السياسي، لكنها نشرت مقطع فيديو عبر صفحتها على فيسبوك تشكو فيه من أن رواتب العاملين في الحكومة لم تصرف منذ شهور. وبعد ذلك الحادث بفترة قصيرة، فرت هي وأطفالها إلى مصر.
من ناحيتها، قالت الحوري إنها عندما رفضت طلباً من مسؤول حوثي للوشاية بالنشطاء الآخرين، تعرضت للاختطاف في يوليو (تموز) 2019 على يد زمرة من الرجال المقنعين المدججين بالكلاشينكوف، «كما لو كنت أسامة بن لادن».
وتعرضت للاحتجاز داخل «دار الهلال»، وهي مدرسة مهجورة في شارع تعز. وكان معها حوالي 120 امرأة بينهن بارديس الصايغي، وهي شاعرة بارزة كانت تلقي أشعاراً حول قمع الحوثيين. وقالت الحوري إن المحتجزات كان بينهن «مدرسات وناشطات بمجال حقوق الإنسان ومراهقات». وأضافت أن المحققين خبطوا رأسها في طاولة بشدة لدرجة أنها احتاجت لإجراء جراحة في إحدى عينيها كي تتمكن من الرؤية بشكل طبيعي بها اثر إطلاق سراحها بعد ذلك بشهور.

حوثي يغتصب السجينات
داخل المدرسة، تولى رئيس قسم التحقيقات الجنائية لدى الحوثيين، سلطان زابن، إجراء التحقيقات، حسبما ذكرت الحوري والصايغي. وأضافتا أنه في بعض الليالي كان زابن يصطحب «الفتيات الجميلات والصغيرات» إلى خارج المدرسة لاغتصابهن.
كانت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة قد أشارت إلى زابن باعتباره يتولى إدارة موقع احتجاز لم يكشف عنه تتعرض فيه نساء للاغتصاب والتعذيب.
وذكرت الجوري وعدد من المحتجزات سابقاً أن اثنتين على الأقل من الفيلات في شارع تعز جرى استخدامهما في احتجاز النساء، إلى جانب مواقع أخرى حول العاصمة، منها شقق صودرت من سياسيين منفيين مستشفيان وخمس مدارس.
على جانب آخر، عندما أطلق سراح معلمة التاريخ في مارس (آذار) 2018 ألقي بجسدها الهزيل أسفل أحد المعابر، ورفضت أسرتها رؤيتها بسبب العار الذي جلبته لهم. وعن ذلك، قالت إنه من وجهة نظرهم «أنا خرجت للتظاهر، وبالتالي أستحق ما حدث لي».
وقالت محتجزات سابقات إن الحوثيين تعمدوا إذلالهن من خلال اغتصابهن واتهامهن بمزاعم الدعارة.
وقالت فاطمة الأسرار، التي تعمل لدى معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: «هذا ترهيب حتى النخاع»، مضيفة أنه داخل مجتمع ذكوري مثل اليمن غالباً ما تتعرض الناجيات من اعتداءات جنسية إلى النبذ، بل وأحياناً القتل على يد أقارب لهن للحفاظ على «شرف» العائلة.
وفي سياق متصل، كان يطلق سراح النساء فقط بعد تعهدهن بعدم المشاركة في مسيرات ثانية أو الامتناع عن نشر منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد تسجيل اعترافات لهن بممارسة الدعارة والتجسس.
تقول الصايغي: «أخبروني: إذا غادرت صنعاء، سنقتلك. وإذا نشرت معلومات، سنقتلك. وإذا تحدثت ضدنا، سنقتلك».

تداعيات الإفراج
في القاهرة، تعمل النساء على تقديم يد العون بعضهن لبعض كي يتمكنّ من التكيف مع ما حدث والمضي قدماً. وخلال مآدب عشاء، يجتمعن برفقة أطفالهن لتذكر قصص مدينتهن قبل أن تعصف بها الحرب عندما كنا يقرضن الشعر ويدخن ّالشيشة في مقاهٍ مكتظة قبل أن يغلقها الحوثيون لمنع اختلاط النساء والرجال.
وحتى اليوم، لا يزال البعض منهن يتلقين تهديدات من الحوثيين. ولا تستطيع أي منهن رؤية أسرتها في صنعاء.
وتواجه الحوري صعوبة شديدة في النوم. وقالت إنها تدرك أن الحوثيين سينشرون اعترافها قريباً، لكنها مقتنعة بأن قصتها تستحق خوض مخاطرة سردها. وأضافت: «لا تزال هناك فتيات في بالسجون. وعندما أحاول النوم، أسمع أصواتهن. وأسمعهن يناشدنني: سامراء، أخرجينا من هنا».

الشرعية تناشد «الجنايات الدولية»
طالب وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني، محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائم المعتقلات الخاصة للنساء في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية وتقديم المتورطين فيها للمحاكمة باعتبارها جرائم حرب وجرائم مرتكبة ضد الإنسانية.
وغداة نشر التحقيق دعا الأرياني في تصريح نقلته وكالة الانباء اليمنية (سبأ) المجتمع الدولي ومنظمات حماية المرأة إلى التدخل لوقف هذه الانتهاكات والضغط على الميليشيا الحوثية لإطلاق جميع المختطفات في معتقلاتها الخاصة، موضحاً أن التحقيق الذي أجرته وكالة «أسوشيتد برس» يعيد تسليط الأضواء على واحدة من أبشع جرائم الميليشيا الحوثية والمتمثلة بإختطاف مئات النساء اليمنيات من منازلهن واخفائهن في معتقلات خاصة بسبب آرائهن ونشاطهن السياسي والإنساني.
وقال إن الشهادات تم توثيقها مع عدد من الناجيات بعد تمكنهن من الفرار من مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية وكيف تعرضن للاعتداء والتعذيب الجسدي والتحرش الجنسي والاغتصاب، والتعذيب نفسي، وكيف تم تحديد مواعيد لإعدامهن والغائها في اللحظة الأخيرة في حملة قمع متصاعدة للنساء وغير مسبوقة في تاريخ اليمن.


مقالات ذات صلة

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الحوثيون يجبرون التجار والباعة والطلاب على التبرع لدعم «حزب الله» اللبناني (إعلام حوثي)

​جبايات حوثية لصالح «حزب الله» وسط تفاقم التدهور المعيشي

تواصل الجماعة الحوثية فرض الجبايات والتبرعات الإجبارية لصالح «حزب الله» اللبناني وسط توقعات أممية بارتفاع أعداد المحتاجين لمساعدات غذائية إلى 12 مليوناً

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مجسم طائرة بدون طيار خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل نظمتها الجماعة الحوثية في صنعاء منذ شهرين (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعترض باليستياً حوثياً

عاودت الجماعة الحوثية هجماتها الصاروخية ضد إسرائيل بصاروخ فرط صوتي بالتزامن مع استهدافها سفينة تجارية جديدة ووعيد باستمرار هذه الهجمات.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تفجير مجموعة من الألغام التي تم نزعها خلال الأيام الماضية في تعز (مسام)

«مسام» ينتزع 840 لغماً في اليمن

يواصل مشروع «مسام» تطهير الأراضي اليمنية من الألغام، وفي موازاة ذلك يقدم مركز الملك سلمان للإغاثة أنواعاً مختلفة من الدعم الإنساني في البلاد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي القيادات الحوثية القادمة من محافظة صعدة متهمة بمفاقمة الانفلات الأمني في إب ونهب أراضيها (إعلام حوثي)

تمييز حوثي مناطقي يحكم التعاطي مع أهالي إب اليمنية

يشتكي سكان إب اليمنية من تمييز حوثي مناطقي ضدهم، ويظهر ذلك من خلال تمييع قضايا القتل التي يرتكبها مسلحون حوثيون ضد أبناء المحافظة.

محمد ناصر (تعز)

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
TT

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض حكومة مقديشو.

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما رفضته الحكومة الصومالية بشدة.

وعلى هامش اجتماعات قمة رؤساء دول شرق أفريقيا بتنزانيا، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو، السبت، «اعتزامه التوسط بمشاركة نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، لحل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا». وقال في مؤتمر صحافي، إنه «سيبحث عقد قمة إقليمية تضم زعماء الدول الأربعة (كينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا)، لمعالجة التوترات في منطقة القرن الأفريقي».

وأشار روتو إلى أن «أمن الصومال يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة». لكن خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن «التدخل الكيني الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظل عدم استجابة أطراف الخلاف لهذا المسار حتى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود دعم إقليمي ودولي».

ومنذ توقيع مذكرة التفاهم، حشد الصومال دعماً دولياً لموقفه ضد إثيوبيا؛ حيث وقّع في فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا، ووقّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو. كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل بوصفه جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة استقرار الإقليم».

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيريه الكيني والأوغندي، على هامش اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن وساطة محتملة، نقلت «رويترز» عن وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، أن «القرارات السابقة التي اتخذها زعماء إقليميون لم تلق آذاناً مصغية في أديس أبابا»، مشيراً إلى أنه «يثق بأن جهود الوساطة الجارية من جانب تركيا ستكون مثمرة».

وكانت العاصمة التركية أنقرة قد استضافت جولات من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بين البلدين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن المحادثات دون التوصل لاتفاق.

وبينما تنظر مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إلى التدخل الكيني - الأوغندي بـ«إيجابية»، ترى أن «نجاح تلك الوساطة مرهون بأبعاد أخرى تتعلّق بأجندة تحرك الوسطاء ومواقفهم تجاه الخلاف القائم بين مقديشو وأديس أبابا».

وقالت إن «القضية مرتبطة بموقفَي كينيا وأوغندا من السلوك الإثيوبي تجاه الصومال، ومن وحدة الأراضي الصومالية، وإلى أي مدى تؤيّد أو تعارض الاعتراف الإثيوبي بإقليم (أرض الصومال)».

وتعتقد أماني الطويل أن «التحرك الكيني - الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً في حلحلة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، لأن الخلاف بين الطرفين معقد»، مشيرة إلى أن «الإشكالية في نهج الدبلوماسية الإثيوبية التي تركز على أهدافها دون الوضع في الاعتبار الأمن والتعاون الإقليميين».

ورفض الصومال مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام، وأمهل أديس أبابا حتى نهاية العام الحالي، لانسحاب قواتها من البعثة الحالية التي ستنتهي مهامها بنهاية العام الحالي، وقال وزير الخارجية الصومالي، إن «بلاده ستعد وجود قوات إثيوبيا بعد نهاية العام، احتلالاً لأراضيها».

وترى أماني الطويل أن «الوساطة التركية قد تكون أكثر تأثيراً في النزاع بين الصومال وإثيوبيا». وقالت إن «أنقرة لديها تفهم أكثر للخلاف. كما أنها ليست دولة جوار مباشر للطرفين، وبالتالي ليست لديها إشكاليات سابقة مع أي طرف».

وباعتقاد الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التدخل الكيني - الأوغندي «لن يحقّق نتائج إيجابية في الخلاف الصومالي - الإثيوبي»، وقال إن «مبادرة الوساطة يمكن أن تقلّل من حدة الصراع القائم، لكن لن تصل إلى اتفاق بين الطرفين».

وأوضح حسن أن «أديس أبابا لديها إصرار على الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، عبر الصومال، وهذا ما تعارضه مقديشو بشدة»، مشيراً إلى أن «العلاقات الكينية - الصومالية ليست في أفضل حالاتها حالياً، على عكس علاقاتها مع إثيوبيا»، ولافتاً إلى أن ذلك «سيؤثر في مسار التفاوض». واختتم قائلاً: إن «نيروبي تستهدف أن يكون لها دور إقليمي على حساب الدور الإثيوبي بمنطقة القرن الأفريقي».