المعارضة التونسية تُرغم الحكومة على تأجيل اتفاقيتين مع تركيا وقطر

كشف قرار البرلمان التونسي تأجيل جلسة عامة كانت مقررة أمس (الأربعاء) واليوم (الخميس) للنظر في مجموعة من مشروعات الاتفاقيات، عن خلافات عميقة بين الكتل البرلمانية حول اتفاقيتين مع تركيا وقطر، كانت تفترض مناقشتهما تحت قبة البرلمان؛ غير أن الحكومة صاحبة المبادرة أجلت النظر فيهما، إثر احتجاجات كثيرة صدرت عن الحزب «الدستوري الحر» المعارض الذي تتزعمه عبير موسى، وحركة «تحيا تونس» التي يتزعمها يوسف الشاهد.
وعلل البرلمان هذا التأجيل بوجود التزامات ملحة لأعضاء الحكومة المعنيين بالاتفاقيتين، معلناً تأخير النظر فيهما إلى جلسات برلمانية لاحقة. ويتمثل مشروعا القانونين في اتفاقية أولى بين الحكومة التونسية وصندوق قطر للتنمية، تسمح بفتح مكتب للصندوق القطري في تونس، أما الاتفاقية الثانية مع تركيا فتتمثل في التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين الجمهورية التونسية وجمهورية تركيا.
وقالت موسى خلال مؤتمر صحافي، إن هذه المشروعات «تتعلق باتفاقيات مع تركيا وقطر، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي يريد تمريرها باستغلال أزمة (كورونا) لفرض هيمنة الحلف التركي - القطري داخل تونس» على حد تعبيرها.
وأضافت موسى أنها لجأت إلى المحكمة الإدارية التي تنظر في قضايا خرق القانون وتجاوز السلطة، وأنها تقدمت بقضية ضد تجاوز السلطة، وطلبت وقف تنفيذ قرار إحالة هذه المشروعات أمام الجلسة العامة للبرلمان.
وتمسك «الدستوري الحر» المعارض بضرورة سحب مشروعات قوانين الاتفاقيات مع تركيا وقطر بصفة نهائية؛ حيث وجهت رئيسته رسالة إلى رئيس الحكومة، أكدت فيها أن الاتفاقيات المذكورة «تمس سيادة تونس واستقلال قرارها، وتضرب المنظومة الاقتصادية الوطنية، من خلال تحويل تونس إلى منصة في خدمة أجندات ومحاور خارجية»، وطالبت بالتدقيق في كافة الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات السابقة، والتي لم تعرض بعد على البرلمان أو على الجلسة العامة، وعدم تمرير أي اتفاقية لا تتلاءم مع المصلحة العليا لتونس.
في غضون ذلك، حذر الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) من استغلال الظروف الاستثنائية الحالية لتمرير مشروعات اتفاقيات خارجية «معادية لمصالح تونس، وترهن مستقبل الأجيال المقبلة لصالح اصطفافات وأحلاف أجنبية»، معتبراً أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستقابل برفض شعبي، على حد تعبير قيادات المكتب التنفيذي للاتحاد الذي عُقد جمعه أول من أمس.
في السياق ذاته، انتقد حاتم المليكي، رئيس الكتلة الوطنية في البرلمان، المنشقة عن حزب «قلب تونس»، الاتفاقية مع تركيا بشدة، قائلاً إنها ستجعل البلاد «تابعة لتركيا»، مبرزاً أن الغنوشي «يتعامل وكأنه رئيس جمهورية، وكأن رئاسة البرلمان سلطنة، أو كأن مكتبه في إسطنبول»، مؤكداً أن رئيس البرلمان «أصبح يُقصي كل الأصوات المعارضة لرغباته».
بدوره، تحدث مبروك كورشيد، القيادي في حركة «تحيا تونس» المشارك في الائتلاف الحكومي، عن خطورة مشروع الاتفاقية مع الجانب التركي، مؤكداً أنها تتيح للأتراك امتلاك أراضٍ فلاحية في تونس من جديد، رغم أن قانون الجلاء الزراعي الذي يعود إلى سنة 1964 يمنع أي أجنبي من امتلاك أراضٍ فلاحية في البلاد. وقال إن مثل هذه الاتفاقيات «مخلة بالسيادة الوطنية من أوجه عديدة، وفي حال تمريرها فإنها تعتبر جريمة دولة»، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، كشف كورشيد عن تحفظات عدد من نواب البرلمان حول الاتفاقية مع قطر، مؤكداً أن الصندوق القطري «تحوم حوله شبهات بخصوص تمويل جمعيات قريبة من تنظيمات إرهابية». وخلال شهر فبراير (شباط) الماضي، طالب نواب في البرلمان بعدم تفويت جزء من رأسمال الخطوط الجوية التونسية (حوالي 30 في المائة) لفائدة الخطوط القطرية، أو فتح المجال الجوي أمام أسطولها الجوي، مؤكدين أنها «ستعطي لقطر فرصة للتحايل واستخدام الاتفاقية أمنياً لصالح أجنداتها في المنطقة».
وكان إلياس المنكبي، الرئيس والمدير العام لشركة الخطوط الجوية التونسية (حكومية)، قد طالب حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها يوسف الشاهد، بضخ مبالغ مالية لا تقل عن 1200 مليون دينار تونسي (نحو 400 مليون دولار)؛ لكن الحكومة رفضت هذا الطلب بدعوى عدم توفر هذا المبلغ. وأكد المنكبي أن الشركة في حاجة إلى ما بين 50 و60 مليون دينار تونسي فقط لإصلاح وصيانة الطائرات المتضررة.