الكتل الشيعية العراقية تشترط «تفويضاً» سنياً ـ كردياً للكاظمي

مقابل تخفيف شروطها بخصوص الحقائب الحكومية

الرئيس العراقي (وسط) يستمع الى الكاظمي بعد تكليفه في وقت سابق من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
الرئيس العراقي (وسط) يستمع الى الكاظمي بعد تكليفه في وقت سابق من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
TT

الكتل الشيعية العراقية تشترط «تفويضاً» سنياً ـ كردياً للكاظمي

الرئيس العراقي (وسط) يستمع الى الكاظمي بعد تكليفه في وقت سابق من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
الرئيس العراقي (وسط) يستمع الى الكاظمي بعد تكليفه في وقت سابق من الشهر الحالي (إ.ب.أ)

في آخر موقف لها من رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي، اشترطت الكتل الشيعية أن يكون هناك تفويض سني - كردي له لاختيار وزراء مستقلين. جاء ذلك في سياق ما باتت تعبر عنه القوى السياسية الشيعية الرئيسية بالمسطرة الواحدة التي يتعين على الكاظمي التحرك بموجبها، وذلك خلال الاجتماعات الخاصة بهذه الكتل التي لديها حصة الأسد من الكابينة (12 حقيبة وزارية).
وفيما لا توجد خلافات على القسمة العددية للوزارات (السنة 6 حقائب والكرد 3 وحقيبة واحدة لكل من التركمان والمسيحيين)، فإن المشكلة تكاد تنحصر في طبيعة الوزارات (سيادية وغير سيادية) و(خدمية درجة أولى وخدمية بدون توصيف). وبينما لا يزال الكاظمي يحظى بتأييد الجميع برغم ما تبديه بعض الأطراف الشيعية من «تحفظات» مؤجلة يبدو أنه لم يحن وقت الإفصاح عنها، فإن الخلافات بين الجميع بدأت حين قدم أسماء الوزراء الذين اختارهم دون التشاور مع الكتل السياسية.
فالشيعة اعترضوا أولاً على آلية تقسيم الوزارات بين ما هو سيادي وما هو خدمي مثل الإصرار على أن تكون الداخلية من حصتهم بينما يريد السنة وزارة الدفاع والكرد وزارة المالية. وبينما لم ينتقل الخلاف السني - الشيعي من الوزارات إلى الأشخاص فإن الخلاف الشيعي - الكردي انتقل إلى المرشحين لبعض الوزارات وبالذات المالية التي يصر الكرد على أن يبقى وزيرها الحالي فؤاد حسين على رأسها.
الأقليات هي الأخرى شملت هذه المرة بالخلافات بين الاعتراض على الوزارة والوزير مثل التركمان الذين اعترضوا على استحداث وزارة هامشية مثل وزارة المرأة وترشيح وزيرة لها لا تمثلهم في حين نشب خلاف مسيحي - مسيحي حول من يشغل وزارة الهجرة والمهجرين التي منحت لهم.
الكتل الشيعية تواصل اجتماعاتها تحت ضغوط كبيرة بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية والأوضاع الصحية التي بدأت تتفاقم في ظل عدم وجود بدائل لتجاوز الأزمة التي وصلت إلى حد تهديد بعدم قدرة الحكومة على تسديد رواتب الموظفين. وبينما تسير المباحثات بين الكاظمي والكرد والسنة بانسيابية عالية، فإن الكتل الشيعية بدأت تنظر إلى التفاهم بين الكاظمي من جهة والسنة والكرد من جهة أخرى على أنه مرونة من قبله حيالهم لا العكس، الأمر الذي جعلها تنتقده لما تعتبره معايير مزدوجة في التعامل وهو ما جعلها تشترط تفويضاً سنياً - كردياً له لكي تقدم هي من جهتها على خطوة مماثلة وهي تخويله باختيار وزرائه بحرية.
وفي هذا السياق، يقول عضو البرلمان العراقي عن تحالف الفتح الدكتور نعيم العبودي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الشيعة لن يمانعوا في منح الكاظمي حرية اختيار وزرائه لكنهم ينتظرون تفويضاً سنياً - كردياً بهذا الشأن، حيث لا بد أن تكون هناك مسطرة لجهة التعامل مع الجميع».
وأضاف العبودي أن «التفويض سواء من قبل الكتل الشيعية أو السنية والكردية لا يعني عدم إبداء ملاحظات من قبل أي طرف من هذه الأطراف على أي وزارة من الوزارات طبقاً للشروط التي وضعها رئيس الوزراء المكلف نفسه وهي الكفاءة والنزاهة»، مشيراً إلى أنه «في حال وجود ملاحظات على الوزارة أو الوزير، فإن البرلمان سوف يكون له رأي في ذلك عند التصويت».
في السياق نفسه، أكد القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المباحثات ما زالت جارية بين رئيس الوزراء المكلف والكتل الشيعية، حيث تم رفض أغلبية أسماء الوزراء الذين اقترحهم المكلف نفسه دون التشاور مع القوى الشيعية الرئيسية». وأضاف الزاملي: «في الوقت الذي رضخ فيه الكاظمي لمطالب السنة والكرد بقبول مرشحيهم للحقائب الوزارية، فإنه تجاهل الكتل الشيعية ما أثار غضبهم». وأوضح الزاملي أن «على المكلف بتشكيل الحكومة أن يختار حكومة مهنية قوية في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية والصحية وقادرة على تجاوز الأزمة، وبالتالي يحتاج إلى دعم الكتل والأحزاب لكي ينجح»، مشيراً إلى أنه «لا يمكنه النجاح في حال أعطى كتلاً وأحزاباً ما تريد وتجاهل أخرى، وهو ما يعني أنه سيواجه مشاكل قد تؤدي إلى عدم تمرير حكومته حاله في ذلك حال محمد توفيق علاوي».
وبالنسبة لشرط الشيعة منح تفويض سني - كردي للكاظمي، يقول عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية (الكتلة السنية الأكبر في البرلمان) يحيى المحمدي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الموقف السني يقوم على أساس منح رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي المرونة الكافية في اختيار الكابينة الوزارية»، مبيناً أن «هذه المرونة لا تتناقض مع إمكانية التفاهم بين كل الأطراف من أجل تمشية الحكومة لقناعتنا بأنه في حال لم تمر هذه الحكومة فإننا وفقاً للظروف التي نعيشها سوف نكون أمام كارثة حقيقية».
بدوره، قال القيادي الكردي والنائب السابق في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكرد عبروا عن دعمهم الكامل للمكلف حتى قبيل تكليفه رسمياً، وبالتالي لا يمكنهم الوقوف حجر عثرة سواء أمام جهوده هو بتشكيل الحكومة أو عبر حواراتهم مع الأطراف الأخرى». وأوضح أن «رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني عبر عن ذلك بوضوح ما يؤكد أن الموقف الكردي مؤيد وداعم وتهمه المصلحة العليا للبلاد في ظل الظروف المعقدة الحالية، حيث إن صافي ما يحصل عليه العراق الآن من مبيعات النفط دولاران للبرميل الواحد، وهو ما ينذر بكارثة حقيقية ما لم يرتفع الجميع إلى مستوى المسؤولية». وأشار إلى أن «الكاظمي قد لا يكون هو الأفضل بين الموجودين، لكن حكومته حكومة أزمة وأهم ما يجب أن تتسم به النزاهة أولاً وقبل كل شيء».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».