أديب مصري يضرب «ثقافيا» ويعتزل «الكتابة» بسبب قرار سياسي

على خلفية اختيار مدير مكتبة الإسكندرية مستشارا ثقافيا للدولة

يوسف زيدان  -  د. إسماعيل سراج الدين  -  نص رسالة الاستقالة
يوسف زيدان - د. إسماعيل سراج الدين - نص رسالة الاستقالة
TT

أديب مصري يضرب «ثقافيا» ويعتزل «الكتابة» بسبب قرار سياسي

يوسف زيدان  -  د. إسماعيل سراج الدين  -  نص رسالة الاستقالة
يوسف زيدان - د. إسماعيل سراج الدين - نص رسالة الاستقالة

تساؤلات كثيرة حول المثقف والسلطة، يطرحها إعلان الكاتب يوسف زيدان اعتزاله الحقل الثقافي وتوقفه عن الكتابة في الصحف، وعقد الندوات سواء في مصر أو خارجها، ما يشبه دخوله في إضراب «ثقافي».
وضجت مواقع الشبكات الاجتماعية بالبيان «الفيسبوكي» الذي كتبه زيدان صاحب رواية «عزازيل» احتجاجا منه على قرار رئيس مجلس الوزراء المصري إبراهيم محلب، بتعيين د. إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، مستشارا ثقافيا له.
صب زيدان غضبه على سراج الدين، نافيا أن يكون خلافه معه شخصيا. وحسبما قال في بيانه «معروفٌ أن خلافا جرى بيني وبين د. إسماعيل سراج الدين، بسبب مكتبة الإسكندرية وليس لسبب شخصي، فكانت نتيجته أنني استقلتُ منذ عامين من عملي كمدير لمركز المخطوطات ومتحف المخطوطات بالمكتبة، بعد 17 عاما من الجهد الذي لا يعلمه إلا الله لبناء هذه المكتبة ورفع شأنها في العالم».. ولفت زيدان إلى قضايا مرفوعة ضد سراج الدين، جرى التصالح في بعضها وبعضها الآخر لا يزال في أروقة القضاء.
كما هاجم زيدان وزير الثقافة المصري، د. جابر عصفور، مشيرا إلى ما نشرته الجرائد منذ عامين عن عصفور، وكان نصّه حرفيا «إسماعيل سراج الدين كذّاب»، ومع ذلك، أصدر قرارا فور تولّيه وزارة الثقافة بضمّ هذا الذي وصفه بالكذّاب، لعضوية المجلس الأعلى للثقافة.
وخلص زيدان في بيانه إلى القول: «لأنني تأكدتُ من أنني كنت حتى اليوم أحارب طواحين الهواء؛ أُعلن الآتي: اعتبارا من هذه الليلة، سأتوقّف عن أي فعلٍ وتفاعلٍ ثقافي في مصر والبلاد العربية. وسأنقطع عن الكتابة الأسبوعية في جريدتي (الأهرام) و(الوطن) (وأي جريدة أخرى).. وسأكفّ عن كافة الاجتهادات التثقيفية والصالونات الثقافية والندوات واللقاءات الفكرية التي أُقيمها في القاهرة والإسكندرية، وغيرهما من المدن المصرية. ولن أشارك من الآن فصاعدا، في أي حدثٍ عامٍ، ثقافي أو غير ثقافي في مصر أو في غيرها (ويتضمّن ذلك اعتذاري عن عدم سفري إلى المغرب بعد غدٍ، لإقامة عدة أنشطة فكرية وثقافية في الرباط)».
وعلق زيدان تمسكه بموقفه وإضرابه الثقافي على بقاء سراج الدين في مكانه كمدير لمكتبة الإسكندرية (أو تُعلن المحكمة براءته من القضايا التي يُحاكم فيها بسبب أعماله في المكتبة).
وتفاوتت ردود الفعل حول قرار زيدان بين قرائه؛ والمثقفين، فطالبه البعض بالعدول عنه، معلقين على صفحته «الاﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠى ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ شيء جيد، ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﺤﻤﻞ ﺟﻤﻬﻮﺭﻙ ﻣﺎ ﻻ ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻬﻢ ﺑﻪ»، بينما اعتبره بعض القراء تسرعا واستسلاما في مواجهة الفساد، فيما علق آخرون مؤيدين القرار وداعين لزيدان بالنصر، بينما طالبه البعض بإنشاء مؤسسة ثقافية خاصة.
على الجانب الآخر، اعتبر عدد من الكتاب أن «الكتابة» هي سلاح المقاومة في يد أي كاتب، وأنه يملك قلمه ليغير به ما يراه من فساد، بل ولامه البعض على عدم اتخاذه خطوات جريئة منذ أن تم اتهام سراج الدين أمام القضاء 2011 بتهم فساد مالي، من بينها قضية منظورة حاليا أمام محكمة جنح باب شرق الإسكندرية وأجلت لجلسة 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، واستغرب البعض قراراته وتوقيتها، باعتباره توقيتا حرجا في ظل دعوات للتظاهر من قبل جماعة الإخوان «الإرهابية» لزعزعة البلاد.
وأعلن سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضاري الأسبق، أنه على رأس قائمة الرافضين لقرار تعيين د. إسماعيل سراج الدين مستشارا ثقافيا للحكومة، واصفا إياه بأنه رجل الحكام على مر العصور.
ومن جهته، كتب سراج الدين، المحسوب على نظام مبارك، معلقا على قرار تعيينه مستشارا ثقافيا لرئيس الوزراء قائلا: «أريد أن أخدم بلدي مصر من موقعي بمكتبة الإسكندرية». والمعروف أنه رفض حقائب وزارية عدة طرحت عليه إبان حكم مبارك، متمسكا بمنصبه مديرا لمكتبة الإسكندرية، وهو الأمر الذي يضع أيضا علامات استفهام كثيرة حول قبوله ذلك الآن! حيث فسره البعض برغبته في عدم الاشتباك مع المثقفين المصريين والاحتماء في الهالة الدولية التي تصبغ عمل مدير المكتبة، إذ أن سياساته المتبعة في المكتبة محل استهجان من كثير من المثقفين المصريين حيث يعتبرون أنشطتها نخبوية وأنها معزولة عن الشارع المصري.
وتصعيدا لموقفه، وضع زيدان صورة مرقمنة من استقالته من اتحاد كتاب مصر، فجاء رد محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر، عليها، مبددا بشكل عملي، اتهاماته التي وجهها زيدان للاتحاد، وأوضح أن الاتحاد مؤسسة ثقافية أهلية، لا دخل له بالتعيينات الحكومية في المجال الثقافي أو غيره، ولا يمكن تحميله بالأخطاء التي قد ترتكبها الحكومات المتعاقبة لأنها لا تأخذ رأيه في من يتولى تلك المناصب. وطالب البيان زيدان بالعدول عن موقفه الانفعالي من أجل النهضة الثقافية. وناشد سلماوي زيدان دفع الاشتراكات التي لم يسددها للاتحاد منذ عام 2007 مشيرا إلى أن قانون الاتحاد ينص على إسقاط عضوية من لم يسدد الاشتراك.
وعرف زيدان بأنه مثير للجدل، حتى قبل دخوله معترك المشهد الثقافي، فقد رافقت مسيرته الأكاديمية والأدبية سجالات وصراعات ثقافية وقضائية كثيرة، بدأت بفصله من عمله كأستاذ بجامعة الإسكندرية عام 1997، لكنه استكمل دراسته وحصل على الأستاذية في الفلسفة وتاريخ العلوم، وتفرغ لإدارة مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، حتى عام 2012.
وفي 2003. أثار عرض كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» في المكتبة إلى جانب نسخة من التوراة ضجة كبرى، ودخل زيدان في سجالات مع اليهود حول الكتاب ورفضهم عرضه مع التوراة. وفي عام 2006 كان زيدان حديث الأوساط الثقافية والعلمية في مصر والدول العربية، إثر تقرير عن كتاب زيدان مقالة «النقرس» لأبي بكر الرازي عن لجنة من جامعة القاهرة يدين الكتاب، ويصفه بأنه اعتداء على التراث الإسلامي المخطوط. وأورد التقرير في نصه 50 ملاحظة سلبية، وخلص إلى أن «أبرز صور الاعتداء تتمثل في تشويه الموقف العقلي للرازي وفي اتهامه في عقيدته وفي أخلاقه دون دليل كاف».
وبعد فترة هدوء، عاد زيدان إلى الصخب عبر روايته الثانية «عزازيل» عام 2008، الفائزة بجائزة البوكر العربية 2010. حين طالب مسيحيون مصريون باتخاذ إجراء رسمي ضد زيدان باعتبارها تهين المسيحية، وتسيء للرهبان وباباوات الكنيسة. والرواية نفسها التي فازت في عام 2012 بجائزة «آنوبي» لأفضل كتاب مُترجم في بريطانيا خلال معرض «أدنبرة» الدولي للكتاب. وأثيرت ضجة حول ترجمتها للعبرية لاحتواء الترجمة على مغالطات.
بيد أن التهمة الأخطر في مسيرة زيدان الجدلية، كانت اتهامه بـ«ازدراء الأديان» عقب صدور كتابه «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني»، إبان حكم الإخوان وكان مهددا بالسجن.. ثم ظهر زيدان بين نخبة من كتاب مصر اجتمع بهم الرئيس السيسي عقب توليه الرئاسة، وطرح اسمه لتولي حقيبة الثقافة في الحكومة الحالية، وهو ما يجعل الكثير من المثقفين يتحفظون على قراراه اعتزال الكتابة ويصفونه بأنه يندرج تحت قناع «الشخصنة».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.