تساؤلات علمية حول دور الجينات في تفاوت الإصابات بـ«كوفيد ـ 19»

متغيرات جينية ربما تلعب دورها

تساؤلات علمية حول دور الجينات في تفاوت الإصابات بـ«كوفيد ـ 19»
TT

تساؤلات علمية حول دور الجينات في تفاوت الإصابات بـ«كوفيد ـ 19»

تساؤلات علمية حول دور الجينات في تفاوت الإصابات بـ«كوفيد ـ 19»

أحد الألغاز العديدة المتبقية حول «كوفيد19»؛ المرضِ الناجم عن الفيروس التاجي المستجدّ، هو: لماذا يصيب بعض الناس أكثر من غيرهم؟ وكيف يمكن للفيروس نفسه أن يقتل بعض المرضى ويترك آخرين غير مدركين أنهم تعرضوا له على الإطلاق؟ وقد بدأ الباحثون في التساؤل فعلاً عمّا إذا كانت الوراثة يمكن أن تؤثر على شدة الأعراض.

متغيرات جينية
يُجري مئات العلماء في جميع أنحاء العالم دراسات بحثاً عن جينات يمكن أن تفسّر سبب وقوع بعض الأشخاص ضحية لعدوى الفيروسات بينما يهرب آخرون نسبياً. فقد كشفت الأبحاث السابقة عن متغيرات جينية يمكنها تغيير فرص إصابة الشخص بمرض مُعْدٍ. والمثال الأكثر شهرة هو طفرة في جين يسمى «مستقبِل كيموكاين»، «(chemokine receptor type 5 (CCR5» الذي يوفر الحماية ضد فيروس نقص المناعة البشرية. وتقول بريا دوجال؛ عالمة الوراثة في جامعة «جونز هوبكنز» في ماريلاند الأميركية، إن المتغيرات الأخرى يمكن أن تؤثر على ما يحدث بمجرد دخول الفيروس داخل جسم الإنسان، مما يؤدي إلى نتائج متباينة بشكل لافت للنظر من شخص إلى آخر. وإن فهم كيفية تأثير الخلفية الجينية على استجابات الناس للعدوى، قد يمنح العلماء فرصة العثور على بروتينات أو مسارات للاستهداف لتعزيز الاستجابة المناعية بلقاح.
> ما الذي يبحث عنه علماء الوراثة؟ بدأت نتائج الدراسات على علم الوراثة لحساسية وشدة «كوفيد19» تتدفق. وتشير إحدى الدراسات إلى أن المتغيرات في جينات «مستضد الكريات البيضاء البشرية (HLA)» من المحتمل أن تلعب دوراً. بينما يشير آخرون إلى اختلافات في فصيلة الدم «ABO» بالإضافة إلى متغيرات في جين «ACE2». وإذا ما نجح العلماء في تحديد الجينات التي تنذر بالآثار المدمرة للعدوى، فيمكنهم فرز المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية بشكل أكثر فعالية. وقد يكتشفون حتى الجينات التي تجعل بعض الناس يقاومون الإصابة بالمرض مما يمنحهم العودة إلى الحياة الطبيعية التي يتوق إليها كثير من الناس. لكن حتى الآن لا يوجد دليل على ذلك؛ حيث يعتقد الباحثون أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً حقاً لفهم الأساس الميكانيكي والبيولوجي لسبب إصابة بعض الأشخاص بالمرض أكثر من غيرهم.
> هل لشدة المرض أسباب وراثية؟ بدأ علماء من شركة «andMe 23» للاختبارات الوراثية الأميركية الأسبوع الماضي دراسة «كوفيد19» لفهم كيف يمكن أن تؤثر الوراثة على الاختلافات في شدة المرض بين الناس؛ حيث يحدد ذلك عمر الشخص وتعرضه وصحته الأساسية لكثير من هذه الاختلافات، ولكن من المحتمل أيضاً أن تلعب الجينات دوراً مهماً.

أبحاث جارية
نحن نعلم أنه بالنسبة للأمراض المُعدية الأخرى، يمكن أن تؤثر الوراثة على الحساسية تجاهها، ولكن ماذا عن شدة الأعراض؟ هل الجينات هي التي تحدد شدة الأعراض؟ وتدّعي الشركة أن لديها بيانات أكثر من 10 ملايين شخص، وقد وافق 80 في المائة منهم على استخدام معلوماتهم الجينية في الأبحاث، ودعت الشركة عملاءها في الولايات المتحدة إلى المشاركة في استطلاع يضم أسئلة؛ بينها مكان إقامتهم، ونوع التباعد الاجتماعي الذي يتبعونه، وما إذا كانوا أجروا اختبار كشف عن الإصابة بـ«كورونا»، وما نتيجته، أو ما إذا كانوا تعرضوا لـ«كوفيد19». وإذا جمعت الشركة ما يكفي من الردود من أشخاص أصيبوا فعلا بـ«كوفيد19»، أو قامت بدراسة الارتباط على نطاق الجينوم (genome - wide association study GWAS) فإن فريق البحث التابع لها سيجري تحليلاً إحصائياً على مستوى الجينوم. وبموجب دراسة «GWAS» يجري تصنيف الأشخاص في مجموعات. وفي هذه الحالة من المرجح أن تكون بناء على الأعراض، ثم مسح بيانات حامضهم النووي لمعرفة ما إن كانت هناك متغيرات من حرف واحد في الشفرة الوراثية التي تظهر بشكل أكبر لدى أشخاص يعانون أعراضاً معينة. وإذا تكرر ذلك لمرات كثيرة؛ فإن بإمكانهم القول إن تلك المتغيرات مرتبطة بتلك الأعراض.
ومن الصعب التنبؤ بأنواع الجينات التي سيجري اكتشافها من خلال هذه التجارب، إلا إن كثيراً منها سيرشد على الأرجح إلى مناطق في الجينوم مسؤولة عن تنسيق استجابة جهاز المناعة؛ وفق ما أوضحه لموقع «وايرد» رئيس قسم علم الوراثة في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة مايكل سنايدر؛ إذ قال: «بشكل عام؛ نعلم أن الجينات تؤثر على مسار العدوى الفيروسية».
ويقوم «البنك الحيوي البريطاني» الذي يحتوي على عينات من 500 ألف متطوع، بالإضافة إلى معلومات مفصلة عن صحتهم، بإضافة بيانات «كوفيد19»، ومن المؤمل أن توضح الاختلافات الجينية سبب إصابة بعض الأشخاص ممن لا يعانون مشكلات صحية كامنة بأعراض شديدة الحدة للمرض؛ حيث يستطيع أكثر من 15 ألف عالم من جميع أنحاء العالم الوصول إلى بيانات البنك البريطاني.
ورغم ذلك؛ فإذا تمكنا من تحديد المتغيرات الجينية المرتبطة بالأعراض الشديدة، فقد يتمكن العلماء من فهم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر بسبب الاستعدادات الجينية؛ إذ يمكن لهذه الرؤى الجينية أن تمنح العلماء أيضاً فهماً أفضل لكيفية إصابة الفيروس التاجي الجديد لخلايانا وتأثيرات أجسامنا.
 



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً