فضاء «التواصل» الهندي ميدان حرب معلومات... وحملة استهداف الأقليات

فضاء «التواصل» الهندي ميدان حرب معلومات... وحملة استهداف الأقليات
TT

فضاء «التواصل» الهندي ميدان حرب معلومات... وحملة استهداف الأقليات

فضاء «التواصل» الهندي ميدان حرب معلومات... وحملة استهداف الأقليات

تحولت وسائل الإعلام في الهند، حيث يقيم 1.3 مليار مواطن في منازلهم، منذ نحو شهر، لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، إلى ما يشبه ساحة القتال لنشر معلومات مضللة ضد الفيروس، فضلاً عن استهداف المسلمين ومذيعي التلفزيون.
وتحولت العناصر المثيرة للقلاقل إلى تطبيق «تيك توك» الصيني وتطبيق «واتساب» للتراسل النصي، من أجل نشر المعلومات المزيفة والمضللة بين المسلمين الهنود، من أجل تثبيطهم عن تطبيق نصائح التباعد الاجتماعي، وارتداء الأقنعة الواقية كجزء من تدابير الوقاية من انتشار الفيروس.
وتناثرت مئات الرسائل، عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، تستهدف المسلمين بعد الفعالية التي جمعت المئات من المسلمين، ونظمتها جماعة «التبليغ والدعوة» الهندية في الآونة الأخيرة في العاصمة نيودلهي. وجاءت نتيجة اختبارات الفيروس للحاضرين إيجابية. وكانت الجماعة المذكورة قد نظمت مؤتمراً في مقرها في مقاطعة نظام الدين الغربية بين 13 و15 مارس (آذار) من العام الحالي. وفي الأسابيع التالية على ذلك، تأكدت إصابة عشرات المصابين بالفيروس ممن حضروا فعالية الجماعة المذكورة، مع وفاة العشرات الآخرين منهم. وأسفرت فعالية جماعية أخرى من تنظيم الجماعة نفسها في مسجد «سري بيتالينغ» الماليزي في فبراير (شباط) الماضي، ضمت حوالي 1600 مواطن، عن إصابة مئات الأشخاص في كافة أنحاء جنوب شرقي آسيا.
كان مختبر «فوياجر إنفوسيك» الرقمي من نيودلهي قد أجرى تحقيقاً باستخدام أكثر من 30 ألف مقطع فيديو قصير جرى تداولها عبر منصة «تيك توك» أثناء الحظر المفروض. وخلص المختبر إلى وجود نمط محدد من الحملات المضللة المستهدفة والموجهة ضد الجالية المسلمة في الهند.
وزعمت رسالة عبر «واتساب» تحت عنوان «تحذير عام»، بأن 2500 عضو من أعضاء جماعة «التبليغ والدعوة» في الهند مصابين بفيروس كورونا قد تجمعوا في دلهي من داخل البلاد وخارجها بهدف نشر الفيروس في كافة ولايات الهند.
كانت شرطة الجرائم الإلكترونية قد ألقت القبض على شخص يملك حساباً على «فيسبوك» تحت اسم «موكيش باتيل»، كان يواصل نشر المدونات الجماعية التي تدور حول فعالية جماعة «التبليغ والدعوة»، وكيف أنها كانت سبباً من أسباب انتشار فيروس كورونا في الهند. ومن واقع نشر الكراهية الجماعية وصفت الرسالة فعالية جماعة «التبليغ والدعوة» بأنها «نشاط إرهابي». وطلب كاتب المدونة عدم شراء الخضروات والفاكهة من البائعين المسلمين، لأنهم كانوا يمارسون «طقوس الجهاد»، كما يزعم، عن طريق «البصق في المناطق ذات الكثافة السكانية من الهندوس».
وقال شيفاناند جها، قائد شرطة دلهي، إن الشرطة قامت باعتقال الأشخاص المسؤولين عن نشر هذه الرسائل. وحذر قائد الشرطة في الوقت نفسه من أن رسائل التواصل الاجتماعي المعنية بنشر الكراهية في المجتمع لن يكون هناك تسامح معها، كما هو واضح من حادثة نافساري التي جرى اعتقال مرتكبيها.
وظهرت العديد من مقاطع الفيديو على منصتي «واتساب» و«فيسبوك» زعمت بانخراط المسلمين في مختلف الأنشطة الرامية إلى نشر الفيروس، وتعمد إصابة الآخرين به.
وقام نياز خان، المسؤول عن الإبلاغ عن المخالفات في ولاية ماديا براديش، بالتغريد على صفحته في «تويتر» بأن استهداف مجتمع أو جالية معينة داخل البلاد لن يساعد أبداً في مكافحة فيروس كورونا. وقال إن المرض لا يعرف الأديان، مشيراً إلى أن ذلك ليس إلا جهلاً بمقاصد جماعة «التبليغ والدعوة» في الهند.
في الأسبوع الأول من مارس الماضي، نشر آصف ميرزا مدونتين على حسابه في «فيسبوك». وظهرت في المدونة الأولى بعض الكلمات المسيئة. وجاء في المدونة الثانية قوله: «لقد أنقذنا ربنا بالسجل المدني للمواطنين لحمايتنا ممن يريدون بنا سوءاً». وبعد إلقاء القبض على آصف ميرزا، اعترف بأنه كان يقصد بث الكراهية الطائفية عبر مدوناته.
وزعم المواطن عرفان سورتي، من سكان جمالبور، على حسابه في «فيسبوك»، أن فيروس كورونا عبارة عن مؤامرة لاستهداف المسلمين. وقال في مدونته: «لقد أخذوا المسلمين بعيداً من أجل إجراء الاختبارات عليهم، ثم حقنوهم بدماء ملوثة بفيروس كورونا». هذا ولقد ألقي القبض على سورتي (46 عاماً)، وأقر بجريمته أثناء الاستجواب.
وقال جيتين جاين، مدير مختبر «فوياجر إنفوسيك» الرقمي، «لقد وجدنا نمطاً مثيراً للاهتمام جرى فيه استخدام منصة (تيك توك) وسيلة أساسية لنشر المعلومات المضللة، مع الاستشهاد بأبحاث مزيفة ومصادر تبعث على الريبة، تلك التي تزعم بأن فيروس كورونا لا يؤثر على المسلمين، وأن الصين وإيطاليا لم تشهدا ولا حالة واحدة للإصابة بالفيروس القاتل بين جموع المسلمين هناك».
في الأثناء ذاتها، تم استهداف المذيعين والمراسلين والصحافيين الذين يعملون في قنوات إخبارية مختلفة، من مختلف منصات التواصل الاجتماعي مثل «واتساب» و«تيك توك» و«تويتر»، حيث يقوم بعض الدعاة الدينيين بذكر أسماء بعض مذيعي الأخبار التلفزيونية، مع التهديد بالهجوم على مراسلي تلك القنوات.
ولقد لوحظ هذا الاتجاه الجديد بعد أن كشفت وسائل الإعلام الإلكترونية، في الآونة الأخيرة، عن دور تلعبه بعض المجموعات فيما يتصل بانتشار «كوفيد - 19»، ما أسفر عن طفرة على الصعيد الوطني في عدد من حالات الإصابة الإيجابية ثم الوفيات اللاحقة عليها.
وظهر مقطع فيديو لأحد رجال الدين المسلمين وعضو في جماعة «التبليغ والدعوة» يحذر وسائل الإعلام عدم نشر التقارير الإخبارية ضد الجماعة المسلمة من التي ذاعت، وانتشرت على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
وقالت رابطة مذيعي الأخبار، في بيانها، إنها تراجع بانشغال بالغ الاتجاه السائد بين الأشخاص الذين ينتمون إلى فئة معينة من المجتمع، الذين يلجأون إلى التهديدات ضد المذيعين والمراسلين والصحافيين العاملين في القنوات الإخبارية المختلفة. وقالت الرابطة إنها تستنكر، وبشدة، هذا الاتجاه الخبيث لدى فئة من فئات المجتمع، وتناشد الحكومة، وأجهزة إنفاذ القانون، اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي من شأنها توفير الحماية العاجلة ضد عناصر تلك الفئة المعادية للمجتمع.
كما أصدرت إدارة شركة «تيك توك» بياناً رسمياً تؤكد فيه على إدانة كافة الجهود الرامية إلى التضليل بشأن انتشار وباء كورونا. وأضافت أن الموقع يعمل على إزالة المحتويات الاستفزازية بصورة منهجية.
وفي الأثناء ذاتها، فرض تطبيق «واتساب» قيوداً جديدة معنية بإرسال الرسائل إلى شخص واحد فقط، لوقف انتشار المعلومات المضللة.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».