«الجيش الليبي» يتوعّد قوات «الوفاق» بعد قصف ترهونة

تأييد أوروبي للمطالب الدولية بإبرام «هدنة إنسانية» جديدة

سكان في طرابلس خرجوا لاقتناء مواد غذائية لشهر رمضان في ظل الحجر الصحي (أ.ف.ب)
سكان في طرابلس خرجوا لاقتناء مواد غذائية لشهر رمضان في ظل الحجر الصحي (أ.ف.ب)
TT

«الجيش الليبي» يتوعّد قوات «الوفاق» بعد قصف ترهونة

سكان في طرابلس خرجوا لاقتناء مواد غذائية لشهر رمضان في ظل الحجر الصحي (أ.ف.ب)
سكان في طرابلس خرجوا لاقتناء مواد غذائية لشهر رمضان في ظل الحجر الصحي (أ.ف.ب)

هدد «الجيش الوطني» الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، بالرد على قصف شنته القوات الموالية لحكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، على بلدة ترهونة، الواقعة على بعد 65 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة طرابلس.
وقال اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم «الجيش الوطني»، إن مدينة ترهونة تعرضت لقصف صاروخي من الميليشيات الإرهابية بأكثر من عشرين صاروخاً، سقطت كلها على منازل ومناطق مدنية، مشيرا إلى أنه يتم حصر الأضرار وتوثيقها.
وبعدما اعتبر في بيان، أصدره في ساعة مبكرة من صباح أمس، أن استهداف المدنيين جريمة حرب يعاقب عليها القانون، دعا المسماري بعثة الأمم المتحدة في ليبيا للاطلاع بواجباتها، وإدانة «الإرهابيين الحقيقيين»، وقال إن رد القوات المسلحة «جاهز وقادم لا محالة».
وتعتبر ترهونة قاعدة الإمداد الرئيسية والمهمة للجيش الوطني، حيث توفر قوة بشرية محلية لحملته العسكرية. وكانت قوة حماية مدينة ترهونة، التابعة لحكومة السراج، قد أعلنت أمس في بيان مقتضب، أن مدفعيتها قصفت تمركزات لما وصفتها بـ«ميليشيات إجرامية» بمحيط المدينة. بينما أعلن المتحدث باسم قوات حكومة السراج، المشاركة في عملية «بركان الغضب»، العقيد محمد قنونو، أنها شنت مساء أول من أمس، ثلاث غارات جوية استهدفت صهريج وقود، وإمدادات لقوات الجيش الوطني في محيط بني وليد، كانت في طريقها إلى مدينة ترهونة.
وأشار قنونو إلى أن قوات «الوفاق» تواصل عملياتها براً وبحراً وجواً، وفقاً للخطة التي وضعتها غرفة العمليات في إطار عملية «عاصفة السلام»، ردا على القصف المتواصل لأحياء العاصمة طرابلس.
وأضاف المتحدث في تصريحات تلفزيونية، أمس، أن سلاح الجو التابع لحكومة السراج استهدف سيارة وقود وآلية عسكرية بين منطقتي تنيناي واشميخ، كانت في طريقها لقوات الجيش.
ولقي ثلاثة مدنيين حتفهم جراء قصف عشوائي تعرضت له بلدية عين زارة جنوب العاصمة طرابلس، وفقا لما أعلنه المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة السراج. فيما تحدثت وسائل إعلام محلية موالية لحكومة السراج، مساء أول من أمس، عن سقوط ثلاثة صواريخ أطلقتها قوات الجيش على منطقة سوق الجمعة وسط العاصمة طرابلس.
في المقابل، أسقطت منصات الدفاع الجوي للجيش الوطني طائرة «درون» تركية، فور دخولها منطقة الحظر الجوي في جنوب طرابلس.
ونعت «الكتيبة 134 مشاة» بـ«الجيش الوطني»، التي تتولى تأمين قاعدة الوطية الجوية، اثنين من عناصرها، قالت إنهما قتلا إثر استهداف طيران تركي مسير.
في غضون ذلك، وجه وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وكبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي دعوة مشتركة، أمس، لإبرام هدنة إنسانية في ليبيا، وقالوا إنه ينبغي على كل الأطراف استئناف محادثات السلام.
وأضاف وزراء الخارجية في بيان حمل توقيع جوزيب بوريل، ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ووزراء خارجية فرنسا جان إيف لو دريان وإيطاليا لويجي دي مايو وألمانيا هايكو ماس: «نود ضم أصواتنا إلى الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو) غوتيريش، والقائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا ستيفاني ويليامز في دعوتهما إلى هدنة إنسانية في ليبيا».
وأضاف البيان موضحا: «ندعو جميع الأطراف الليبية إلى استلهام روح شهر رمضان المبارك، واستئناف المحادثات في سبيل وقف حقيقي لإطلاق النار».
وكان الاتحاد الأوروبي قد أطلق مؤخرا مهمة بحرية وجوية جديدة في شرق البحر المتوسط لوقف وصول مزيد من الأسلحة للأطراف المتحاربة في ليبيا. لكن حكومة السراج اعترضت عليها بدعوى أنها لا تتضمن مراقبة تسليح الجيش الوطني في شرق البلاد. فيما كشفت تقارير غربية بأن تخوف الحكومة من تأثير المهمة الأوروبية على وارداتها من السلاح التركي هو السبب الحقيقي في هذا الموقف.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.