علم «الإنسانيات الرقمية».. مستقبل البشرية الذي يتجاهله العرب

شاشات تفاعلية تردم الهوة بين الواقع والعالم الافتراضي

د. غسان مراد أستاذ اللسانيات الحاسوبية في «الجامعة اللبنانية»  -  غلاف كتاب «الإنسانيات الرقمية»
د. غسان مراد أستاذ اللسانيات الحاسوبية في «الجامعة اللبنانية» - غلاف كتاب «الإنسانيات الرقمية»
TT

علم «الإنسانيات الرقمية».. مستقبل البشرية الذي يتجاهله العرب

د. غسان مراد أستاذ اللسانيات الحاسوبية في «الجامعة اللبنانية»  -  غلاف كتاب «الإنسانيات الرقمية»
د. غسان مراد أستاذ اللسانيات الحاسوبية في «الجامعة اللبنانية» - غلاف كتاب «الإنسانيات الرقمية»

«كما مثلت المياه والطاقة مفاتيح المجتمعات الزراعية والصناعية سابقا، فإن المعلوماتية تشكل العمود الفقري للاقتصاد المعاصر»، كتب د. غسان مراد، في كتابه الشيق «الإنسانيات الرقمية»، الصادر حديثا عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» في بيروت، داعيا إلى عمل جاد ومثمر، لإدخال العلوم المعلوماتية على العلوم الإنسانية. فشركة «غوغل»، على سبيل المثال، أطلقت عشرة مشاريع في الإنسانيات الرقمية، لم تفز بها إلا جامعات «أنغلوسكسونية»، فيما الاهتمام بهذا الموضوع غائب تماما في العالم العربي حتى اللحظة. والإنسانيات الرقمية هي علم يعنى بفهم ما آلت إليه الآداب والفنون والإنسانيات عموما بسبب تأثرها وتأثيرها على التكنولوجيا الرقمية.
ويرى الكتاب أن الاكتفاء بالتعامل المحدود والاستهلاكي السريع مع المعلوماتية بات ينعكس على رؤية الغرب لنا، ولما ننشر بالعربية على الإنترنت، إذ يكتفي هؤلاء بمتابعة ما تبثه الشبكات العربية الإخبارية وما يدور على صفحات المنتديات من نقاشات تكشف عمق ما يختلج في الذهنية العربية، لجمع المعلومات البحثية حولنا. أما حين يفتح العرب صفحات غربية فهم لا يهتمون بأخبار الشباب الغربيين وما يقولونه في أوباما أو أنظمتهم السياسية، وإنما يبحثون عن صفحات ثقافية وعلمية واجتماعية وسياسية. لذلك تبدو العلاقات في الاتجاهين غير متكافئة وعرجاء في زمن الإنترنت.
الكتاب يحوي مقالات مختلفة المواضيع تجمع بينها المعلوماتية وتأثيراتها على حياتنا اليومية. ولعل إحدى أمتع مقالاته، تلك التي تحمل اسم «تقنيات القراءة الرقمية وآثارها على الدماغ والذاكرة»، حيث نرى أن ثمة فروقات جدية بين القراءة الورقية والإلكترونية.
فالقارئ على الشاشة يبقى يحلق فوق النص، ويقوم بمسح أفقي وآخر عمودي. ومراقبة حركة العينين على الشاشة أظهرت أن المتصفح لا يقرأ أكثر من 20 في المائة من النصوص المعروضة أمامه، وما تبقى يظل في إطار المرئي وليس المقروء. لذلك توجه نصيحة للقراء باستخدام الألواح لا شاشات الكومبيوتر، إذ إن التركيز في حال استخدام هذه الأخيرة يقترب بشكل كبير من القراءة الورقية.
لكن استخدام الكومبيوتر ليس دائما سلبيا، إذ يتبين أن القراءة الإلكترونية تجعل المخ أكثر تحفزا، لأنها تحتاج مجهودا أكبر وبالتالي تستفز الخلايا الدماغية، كي تنجح في المشاركة في عملية تفكير معقدة، نتيجة استخدام الفأرة، ووجود الصوت والصورة، وشرائط الفيديو، والروابط على صفحة واحدة أحيانا. أكثر من ذلك فإن القراءة الإلكترونية تحدث تأثيرات فيزيائية في الدماغ مختلفة عن تلك التي تتسبب بها القراءة الورقية، خاصة لجهة تنشيط الوصلات العصبية.
يخصص الكتاب صفحات لـ«الذكاء الاصطناعي ومحاكاة عقل البشر»، و«عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ الذي فك شفرة النازية وهزمها»، و«نشأة غوغل وتطوره»، و«البلوغوسفير» أو «فضاء المدونات الإلكترونية»، و«الكتاب الإلكتروني»، وكذلك «الرصد الاستراتيجي للمعلومات»، و«المعالجة الآلية للغة»، و«الألسنية والمعلوماتية»، و«التحول من الكبس إلى اللمس»، و«المعلوماتية وسوق العمل»، وأيضا «صعوبة الأرشفة المعلوماتية».
وهنا يطرح الكتاب أسئلة بديهية لكنها ربما تبقى غائبة عن البال، منها ما الذي يستحق الأرشفة وما الذي يتوجب إهماله وسط هذا الكم الرهيب من الصفحات والمعلومات؟ يقول الكاتب إن «بعض الصفحات تبقى على الشبكة إلى الأبد، وبعضها الآخر لا يدوم سوى ساعات قليلة، والوثائق تسجل وتلغى بسهولة فائقة. كما تشير الإحصاءات إلى أن متوسط عمر الوثائق الإلكترونية هو 75 يوما، أي أن هناك صفحات تعيش أبدا وأخرى تموت غدا».
ولكن ما هو موقع العرب فعليا على الشبكة العنكبوتية؟ الأرقام هنا غير مشجعة على الإطلاق، على الرغم من أن مواقع الشبكة باللغة العربية زادت بنسبة 2036 في المائة من عام 2000 إلى 2008. لكن عدد مستخدمي الإنترنت العرب لم يزد على 30 مليون عربي، أي ما يشكل عشر عدد السكان.
مسألة أخرى يبحثها الكتاب، هي التقارب بين الجوال والكومبيوتر بعد توافر خدمات إنترنتية على الهواتف الجوالة مثل «3 جي» و«4 جي»، بحيث أحدث هذا الأمر تحولا جذريا، وأبطل الرؤية الكلاسيكية للإنترنت وإمكاناتها، وما يمكن أن تقدمه من خدمات. ومن هنا «تضاءلت المسافة بين المعلوماتية والإعلام من جهة، والاتصالات وشبكاتها من جهة ثانية». وهنا يتحدث الكاتب عن «انهيار النموذج الاقتصادي التقليدي للهواتف الثابتة، وبدء الناس في كسب الوقت من خلال إرسال الإيميلات، وممارسة بعض أعمالهم قبل الوصول إلى مكاتبهم».
يميل الكاتب إلى القول بأن العالم الافتراضي تفوق على العالم الفعلي وتجاوزه، إذ نلحظ تطورا مطردا في قدرة الأفراد على تنظيم رغباتهم وآمالهم وحياتهم اليومية، افتراضيا، مما بات يوثر بشكل ملموس وجاد على واقعهم، وأساليب عيشهم.
يبشرنا كتاب «الإنسانيات الرقمية» بأن التوجه المستقبلي بات يستوحي من أفلام الخيال العلمي، بحيث يتم تطوير شاشات اللمس التي تتفاعل فيزيائيا مع الإنسان. والهدف هو السماح للمستخدم بعمل نشاط حسي (حركي وإدراكي) داخل عالم رقمي، بحيث يكون مشابها لمظاهر العالم الحقيقي. بمعنى آخر، ردم المسافة الفيزيائية بين ما هو داخل الشاشة وخارجها. ويتطلب تطوير هذه الأجهزة التفاعلية اليوم عملا أكبر على معالجة أنظمة الكلام والحركة، وأنظمة رصد بكاميرات أو ميكروفونات. وبالتالي فإن ثمة عملا مضنيا حاليا لتطوير نظام التمييز الصوتي، وابتداع نظام يتحكم بالأفكار. وإذا كنا قد بدأنا بالفعل نتلمس الملامح الأولى لهذا النظام الأخير، من خلال تعريف الآلات ببصمة الإنسان، وصوته، فإن العمل على الصوت تحديدا قطع شوطا أكبر، لكن توظيف الابتكارات الكثيرة في هذا المجال لا يزال عصيا. ونموذج «سيري» المحدود القدرات، الذي أطلق على تليفون «آيفون 5»، يؤكد أن عمق المشكلة هو في حل الصعوبات المتمفصلة بين اللغة والتقنية معا، وهنا هو محك الالتباس في النص الصوتي.
يحاول الكاتب، وهو أستاذ اللسانيات الحاسوبية في «الجامعة اللبنانية»، أن يحلل سبب تقاعس العرب عن استخدام التقنيات الحديثة، يحصي بعض الأسباب منها الأمية، وتقلص الطبقة الوسطى التي هي عموما الأكثر استخداما للإنترنت، وكذلك ميل العرب للشفاهة والتلقي بدلا من التفاعل والمشاركة والقيام بجهود حثيثة، وهو ما يفسر احتفاءهم بالتلفزيون على سبيل المثال.
من الأسباب أيضا ظاهرة التردد وتفضيل البقاء في المنطقة الرمادية، بينما التكنولوجيا تحتاج واحدة من إجابتين حاسمتين، إما نعم أو لا. ويخلص الكاتب إلى أن التكنولوجيا غربية الوجه واليد واللسان. فالعرب بأمس الحاجة إلى بناء أنظمة معلومات خاصة بهم، تشبههم، مبنية على خصائص ثقافتهم.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».