بعد أعوام من التحقيقات المكثفة في ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، أصدرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ تقريرها الرسمي بهذا الخصوص. واستنتجت اللجنة التي يترأسها جمهوريون أن روسيا تدخلت في الانتخابات الأميركية في العام 2016 بهدف دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب للوصول إلى سدة الرئاسة. وفي تناقض واضح مع موقف الإدارة الأميركية، يدعم التقرير استنتاجات المجتمع الاستخباراتي، ويشير إلى وجود أدلة دامغة تثبت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق شخصياً على جهود الكرملين للتدخل ووجّه هذه المساعي. وقد أصدر رئيس اللجنة الجمهوري ريتشارد بير بياناً مرفقاً بالتقرير يقول إن «تقرير المجتمع الاستخباراتي يعكس أسلوباً قوياً وتحليلاً منطقياً وفرزاً واضحاً للمعطيات والأدلة. إن اللجنة لم تجد أي سبب لمناقضة استنتاجات الاستخبارات الأميركية».
وفي وقت صوّر فيه البيت الأبيض الادعاءات بتدخل الكرملين في الانتخابات على أنها مزيفة، واتهم الديمقراطيين بترويجها، أتى هذا التقرير الذي أعده الجمهوريون والديمقراطيون ليشكل ضربة للرئيس الأميركي في موسم انتخابي ناري. فهو سيشكل ذخيرة إضافية يستعملها الديمقراطيون في حملاتهم الانتخابية، وذلك في ظل تحذيراتهم المستمرة بأن روسيا ستحاول التدخل مجدداً في انتخابات هذا العام. وأمر حذّر منه كبير الديمقراطيين في اللجنة مارك وارنر الذي قال: «لا مجال للشك بأن نجاح روسيا في مهمتها في العام 2016 سيؤدي إلى محاولتها التدخل مجدداً في العام 2020، ويجب أن نكون مستعدين لمواجهة هذا التدخل».
وخلال تحقيق استمر قرابة الثلاثة أعوام، وخلص عنه تقرير يناهز الـ158 صفحة، نظر أعضاء اللجنة من ديمقراطيين وجمهوريين إضافة إلى مساعديهم في كل الأدلة والطرق التي وظفتها الاستخبارات الأميركية، كما أنهم استجوبوا الشهود الذين تحدثت معهم أجهزة الاستخبارات. وقد تحدث السيناتور المستقل أنغوس كينغ عن دعم جمهوريين بارزين لاستنتاجات التقرير على الرغم من موقف الإدارة فقال: «من المهم جداً الإشارة إلى أن هناك جمهوريين محافظين كجون كورنين وتوم كوتون وديمقراطيين لبيراليين كدايان فاينستاين ورون وايدن دعموا استنتاجات التقرير في ظل شكوك مستمرة بأفعال روسيا ونواياها»، وتابع أنغوس «هذا التقرير الذي صادق عليه الحزبان حسم الموضوع».
ويتابع التقرير، وهو الرابع ضمن سلسلة من خمسة تقارير تعدها اللجنة في هذا الملف «أن أهداف روسيا تمحورت حول زعزعة ثقة الأميركيين بالعملية الديمقراطية الأميركية، وتشويه سمعة الوزيرة هيلاري كلينتون وإيذاء حظوظها بالفوز. لاحظنا كذلك أن بوتين والمسؤولين الروس طوروا سياسة تفضيلية واضحة لانتخاب الرئيس ترمب. ثقتنا بهذه الاستنتاجات عالية جداً».
وتحدث السيناتور كينغ عن الأجزاء الكبيرة التي تم إخفاؤها في التقرير الذي وزع على الصحافيين فقال: «من السهل النظر إلى التقرير والتشكيك بأننا نخفي معلومات. لكن يمكنني أن أؤكد لكم أن المعلومات التي تمت تغطيتها هي معلومات قد يستعملها خصومنا لمعرفة تفاصيل متعلقة بطبيعة عمل مجتمعنا الاستخباراتي».
غضب ترمب من المجتمع الاستخباراتي الأميركي أدى إلى إقالته لمدير الاستخبارات الوطنية جوزيف مغواير في فبراير (شباط) الماضي واستبداله بواسطة أحد حلفائه، السفير الأميركي لدى ألمانيا ريتشارد غرينيل. خطوة أثارت قلق المسؤولين الاستخباراتيين الذين تخوفوا من أن يؤدي التحقيق بالملف الروسي، وبعده بالملف الأوكراني، إلى موجة جديدة من الإقالات.
فهناك ارتباط مباشر بين الملفين الأوكراني والروسي، إذ إن أساس الحجج التي استعملها فريق الدفاع عن الرئيس الأميركي في إجراءات عزله اعتمد على القول بأن أوكرانيا هي أيضاً تدخلت في الانتخابات الأميركية لصالح كلينتون. وهو موقف لا يتوافق مع موقف الاستخبارات الأميركية والدبلوماسيين الذين استمعت إليهم اللجان المختصة في الكونغرس حينها.
يأتي هذا التقرير في وقت حساس للغاية في الانتخابات الأميركية، فلا يزال الرئيس الأميركي حتى الساعة يشكك في أي جهود داعية لحماية الانتخابات من التدخل الروسي بناء على تحذير الاستخبارات الأميركية، في وقت يسعى فيه الديمقراطيون، وعلى رأسهم المرشح جو بايدن إلى التركيز على ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية لمنع أي تدخل محتمل.
وكان بايدن اتهم روسيا بالعمل على عرقلة فوزه بترشيح الحزب والعمل لصالح منافسه برني ساندرز. وقال بايدن في فبراير (شباط) عندما كان يعاني من خسائر فادحة في الانتخابات التمهيدية: «الروس لا يريدون أن أكون المرشح الرسمي. هم يحبون برني»، وتابع بايدن «لقد صرفوا الكثير من الأموال على فيسبوك لتشويه سمعتي وترويج أخبار كاذبة».
كلام بايدن ورد بعد أن حذرت الاستخبارات الأميركية ساندرز من تدخل بوتين في السباق التمهيدي الديمقراطي لمحاولة مساعدة حملته. حينها رد ساندرز بالقول: «لا أكترث لمعرفة من هو الشخص الذي يدعمه بوتين ليكون رئيساً. إن رسالتي لبوتين واضحة: لا تتدخل في الانتخابات الأميركية!».
هذا ولا تزال لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بصدد العمل على تقريرها الخامس والأخير، لكن تاريخ إصداره غير واضح في ظل تأثير الإجراءات لمكافحة فيروس «كورونا» على عمل المحققين.
لجنة جمهورية تؤكد تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية عام 2016
الديمقراطيون يحذّرون من دور مماثل هذا العام
لجنة جمهورية تؤكد تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية عام 2016
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة