يقول الفيلسوف الإسباني خورخي سانتايانا، «إن أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكومون بتكراره».
ولعل مرور خمسين عاماً على أول الاحتجاجات البيئية الواسعة في الولايات المتحدة، التي تحولت لاحقاً إلى مناسبة عالمية تعرف بـ«يوم الأرض»، هو فرصة للتذكير بالأخطاء التي ارتكبها البشر بحق الكوكب وخطواتهم المتعثرة نحو مستقبل أفضل.
خلال الأعوام الخمسين الماضية، تضاعف عدد البشر بمقدار مرتين ونصف، وتراجع المعدل العالمي لحصة الفرد من موارد المياه العذبة المتاحة من 13 ألف متر مكعب إلى أقل من النصف، وارتفع عدد المناطق الميتة في البحار من 50 منطقة إلى نحو 650 منطقة، وجرى تصنيع نحو 140 ألف مبيد ومركّب كيميائي جديد، وفقدت الأرض أكثر من نصف تنوعها الحيوي، وازداد انبعاث الكربون من 10 غيغا طن مكافئ كربوني إلى أكثر من 35 غيغا طن.
وكأي حرب تخلِّف ضحايا وتصنع طبقة من الأغنياء، كانت الحرب على البيئة مصدر شقاء لكثير من الخاسرين وفرصة كسب للقلة. خلال العقود الخمسة الماضية، أطلقت 100 شركة فقط أكثر من 70 في المائة من الانبعاثات المسببة للاحترار العالمي. وفي حين اقتصرت مساهمة 50 في المائة من السكان الأفقر حول العالم بانبعاث 10 في المائة من غازات الدفيئة، قام 10 في المائة من البشر بإطلاق 50 في المائة من الانبعاثات بسبب نمط معيشتهم المترف وما يتصل بها من تدفئة وإنارة ونقل ولباس.
في مقابل التحديات المتزايدة والخسائر المتعاقبة، كانت هناك قصص نجاح نسبي جديرة بالاهتمام. في عام 2018 كان عدد الجوعى نحو 820 مليون شخص، ومع ذلك يشير الاتجاه العام إلى تناقص معدل الجوع في العالم بفضل المكننة والزراعات التكثيفية (التي جاء بعضها على حساب البيئة)، وتطبيق برامج تحسين الكفاءة الزراعية. وفي الأعوام الثلاثين المنصرمة، ساعد النمو الكبير في إنتاج الغذاء وتحسين الوصول إليه في خفض نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية المزمن في البلدان النامية من 34 في المائة إلى 15 في المائة.
خلال عام 2017، حصل أكثر من 5 مليارات إنسان، أي ما يعادل 70 في المائة من سكان العالم، على خدمات مياه شرب عبر شبكات مأمونة ومتاحة عند الحاجة وخالية من التلوث. ويعد ذلك تطوراً لافتاً في الحصول على المياه النقية، حيث لم تتجاوز النسبة عام 2000 عتبة 60 في المائة.
وفي مجال الطاقة، ارتفعت نسبة السكان الذين يحصلون على الكهرباء في العالم من 71 في المائة عام 1990 إلى ما يزيد عن 90 في المائة اليوم. ويُعزى بعض هذا النمو إلى الزيادة المتسارعة في عدد ساكني المناطق الحضرية التي تميل لتكون أكثر كهربة مقارنة بالمناطق الريفية. وتمثل الطاقة المتجددة مصدراً لنحو ربع الكهرباء في العالم، حالياً، ومن المتوقع أن تصل مساهمتها إلى 30 في المائة بحلول سنة 2024.
بعد 30 سنة سيصل تعداد سكان الأرض إلى نحو 10 مليارات إنسان، وخلال هذه الفترة سينمو الاقتصاد العالمي أربعة أضعاف، مما سيؤدي إلى تغيير أنماط الاستهلاك وزيادة الضغط على الموارد الطبيعية والنُظم البيئية. وفيما يتحول الاحتفال بيوم الأرض العالمي هذه السنة إلى العالم الافتراضي، لأول مرة، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، يزداد الشك في قدرة الإنسان على إيجاد حلول للمشكلات التي يصنعها بيديه وتهدد مستقبله بالأسوأ.
البعض يرى أن هندسة المناخ ستتمكن في النهاية من حل مشكلة التغيُّر المناخي، وأن تعديل كائنات حية جينياً سيكون فاعلاً في هضم المخلفات البلاستيكية. لكن هل تقديراتنا لمشكلاتنا دقيقة حقاً؟ هل ستكون حلولها متاحة في الوقت المناسب؟ ومن يضمن أن مشكلات أسوأ لن تنشأ عن هذه الحلول؟ النجاح في التصدي لهذه التحديات سيقرر ما إذا كان البشر جديرين بكوكب الأرض.
هل نحن جديرون بكوكبنا؟
هل نحن جديرون بكوكبنا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة